Wednesday 6th February,200210723العددالاربعاء 23 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الألمان في معرض القاهرة الدولي للكتاب يتساءلون:
هل مات الحوار بالسكتة القلبية بعد ضرب أمريكا؟!
الألماني فولكهارد فيندفور: السياسة تخلط الأوراق أحياناً د. السيد يس: الحوار التصادمي ضرورة

* القاهرة مكتب الجزيرة شريف صالح:
أصبح 11 سبتمبر تاريخاً فاصلاً في حياة البشرية، فيقال ما قبل 11 سبتمبر وما بعد 11 سبتمبر كأن العالم انقسم إلى عالمين فجأة، أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية تبدلت رأساً على عقب، وثمة دول على حافة الخطر والمعاناة الاقتصادية ودول أخرى توشك أن تخرج من حسابات المستقبل في عالم ما بعد 11 سبتمبر. وكما طالت التغيرات المتوالية دولاً وأنظمة طالت بالمثل الأفكار والقيم، فما كان يطرح قبل هذا الحادث المشؤوم أصبح يتعذر طرحه الآن، توارى الحديث عن الإسلام في بؤر الصراع العالمي وتراجع مفهوم الحوار الحضاري بين الشعوب والأديان والثقافات المختلفة، وبعد أن طرحت الأمم المتحدة مبادرة عالمية لكي يكون العام 2001 هو عام الحوار الحضاري العالمي، تحول هذا العام في لحظة درامية إلى عام الكوارث الحضارية وبدأ شعار الأمم المتحدة السابق هزلياً ومضحكاً.على هذا النحو المفجع افتتح البشر ألفيتهم الثالثة بعد الميلاد وسط تساؤلات كثيرة لا تنتهي عن طبيعة العلاقة بين الحضارات المختلفة ومفهوم الحوار وصراع الشمال والجنوب هذه التساؤلات وغيرها أعاد الألمان طرحها في معرض القاهرة الدولي للكتاب في ندوة متميزة سعى المشاركون فيها إلى وضع النقاط «الساخنة» على الحروف!.
بداية أم نهاية؟
السؤال الرئيسي الذي فرض نفسه على الندوة التي اتّخذته عنواناً لها: «حوار الحضارات: هل انتهى أم أنه سيبدأ الآن فعلاً رغم أحداث 11 سبتمبر 2001؟».في إجابته عن هذا السؤال قال أول المتحدثين د. إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الأسكندرية ومرشح الوطن العربي السابق لرئاسة اليونسكو، قال إن الحوار الحضاري «الحقيقي» ربما يبدأ الآن، فما تم قبل 11 سبتمبر لم يكن يتسم بالجدية الكافية ولا بالرغبة الحقيقية في التعرف على وجهة نظر الآخر، وغالباً ما انحصر هذا الحوار في الإطار السياسي المباشر.
ويتفق معه المتحدث الثاني د. السيد يس مستشار مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية مؤكداً أن الحوار الحضاري قبل 11 سبتمبر لم يكن غير جدي فحسب وإنما كان يفتقد إلى المنهج ويعاني نوعاً من التشوش وخلط الأوراق، ويفسر د. يس أسباب هذا الخلط في كونها ترتبط بأزمة عالمية كبيرة يسميها أزمة غياب النموذج، فبعد سقوط الكتلة الشرقية وانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1989م انتهى النظام العالمي ثنائي القطبية بما تميز به من صراع أيديولوجي في المقام الأول «رأسمالية/ اشتراكية» وكان هذا التاريخ هو النهاية الفعلية للقرن العشرين كما يقول السيد يس وبعد سقوط هذا النموذج المستتب وقيام نموذج مغاير أحادي، عانى المجتمع العالمي أزمة النموذج واشتد الصراع الفكري، فخرج فوكوياما بكلامه عن أن الرأسمالية دين الإنسانية الجديد إلى أبد الآبدين، وطرح هنتجتون مقولاته عن صدام الحضارات والصراع بين الحضارة الغربية من جهة وبين الحضارة الإسلامية والصينية من جهة أخرى، فيما يسميه هنتجتون الحروب الثقافية. ومن جهته يرى الألماني فولكهارد فيندفور كبير المراسلين الأجانب بالقاهرة ومراسل مجلة شبيجل السياسية الشهيرة، يرى من خلال معايشته للمنظمة العربية عن قرب منذ عام 1955م أن حوار الحضارات لم يكن له وجود في حقبة الخمسينات وما تلاها، حيث كان أغلب بلدان الشرق بما فيها البلاد العربية تتحرر من الاستعمار الغربي تدريجياً آنذاك، وبالتالي كان الخطاب الفكري مضاداً للغرب على أكثر من مستوى، وهذا رد فعل طبيعي لعهود الاستعمار وما ترتب عليه من مآس في المقابل وفي الفترة ذاتها كان الغرب يجهل بالأمور الأساسية التي كانت تهم الدول العربية والإسلاميّة مما أدى إلى عدم استيعاب الجمهور الغربي لما يجري فعلاً في تلك الأقطار ولكن والكلام للسيد فولكهارد مع الابتعاد الزمني نسبياً عن العهود الاستعمارية ومع بداية حقبة السبعينات بدأت مرحلة جديدة في علاقة الشرق بالغرب تتسم بالندية قدر الإمكان وبمحاولات متعددة من الجانبين لإعادة التقارب وفتح باب الحوار بينهما، كما تعدلت المناهج الدراسية المضادة للغرب دون أن يطلب الغرب ذلك ولكنه نوع من التطبيع النسبي بين الشعوب والمثقفين والدارسين، بعد أن تغير المناخ العام وأصبح أكثر تفهما للماضي وللحاضر بصورة أكثر موضوعية، وأصبح هناك نوع من الإنصاف في النظرة العامة للغرب ككل. ويضيف فوكلهارد: لكني متأكد أن هناك مثقفين يناضلون من أجل إقامة هذا الحوار الحضاري حتى لو كانت السياسة تخلط الأوراق أحياناً. فالحوار قيمة بناءة تترتب عليه نتائج إيجابية، أعتقد أن عصر الحروب انتهى وأحداث 11 سبتمبر أبرزت علامة تعجب، وتمثل خروجاً على التيار الفكري العام في العالم، وتعني بالنسبة للمثقفين وأصحاب الفكر الحر مجرد تذكير بضرورة الحوار.
وصل ما انقطع
اتفق المشاركون الثلاثة على أن ثمة حواراً كان قائماً بالفعل، ربما ينقصه المنهج أو يعاني من التشوش وخلط الأوراق أحياناً، لكن الجميع يتفق على أنه ضرورة ملحة ورغم مأساوية حادث سبتمبر وما ترتب عليه من ردود فعل متباينة، و مؤسفة أحياناً، ورغم أنه يمثل فجوة وهوة واسعة على طريق الحوار، لكن هذا كله يجعل العالم في مسيس الحاجة إلى وصل ما انقطع وفتح قنوات الحوار على اتساعها بصورة أكثر مصداقية وأكثر شفافية.. وهذا هو المحور الثاني للندوة الذي طرحه مديرها الإعلامي جورج خوري من إذاعة صوت وتلفزيون ألمانيا «الدويتشة فيله».. باختصار شديد: ماذا عن المستقبل وكيف يمكن تفعيل هذا الحوار الحضاري مرة أخرى؟
في إجابته عن هذا السؤال قال د. إسماعيل سراج ان ثورات الشعوب النامية كانت السلاح ضد الاستعمار والإمبريالية الاقتصادية، واستخدمت فيها بعض الآليات بنجاح، لكنها ربما لا تصلح الآن لتجاوز الأزمة بين الشرق والغرب.. من المهم البحث عن منهج من أجل الوصول إلى حوار وليس منهجاً للحوار فعلى سبيل المثال أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974 قراراً يتعلق بالنظام الاقتصادي العالمي آنذاك لكن الولايات المتحدة الأمريكية رفضت تنفيذه، نفس الأمر حدث في قضايا الحد من انتشار الصواريخ وفي قضايا البيئة مؤخراً رغم الإجماع شبه العالمي، معنى هذا أن الحوار يحتاج إلى تمهيد قناعات الدول الكبرى مثل أمريكا واليابان، ويحتاج إلى بناء تحالفات مع قطاعات الرأي العام في البلدان المتقدمة، ثانياً من الضروري إقامة تحالف بين القضايا الإنسانية المتنوعة وربطها بعضها ببعض، فمثلاً نربط مفهوم العدالة في النظام العالمي الجديد بمفهوم الأمن الجديد، ثالثاً من الضروري أيضاً برأي الدكتور سراج الدين ألا نحصر حوار الحضارات على ميدان واحد كالسياسة ولا على آلية واحدة سواء أكانت رسمية أم أهلية، فالمسألة تحتاج إلى جهود الجامعات والإعلام وشبكات الاتصالات المختلفة. من جانبه قدم السيد يس تصوراً مقارباً وقال إنه في مؤتمر جامعة الدول العربية الذي أقيم لمناقشة صدام أو حوار الحضارات، قدم ورقة بحثية تتضمن ثلاثة عناصر أولها مواجهة الصور النمطية للعرب والمسلمين والتي تضعهم باستمرار في قفص الاتهام، كذلك ممارسة النقد الذاتي في مجال صياغة سياسات ثقافية فعالة وعدم الاكتفاء بالمواجهة الأمنية، وأخيراً مهاجمة مواضع الخلل في النظام العالمي القائم بالفعل والذي يعمل لصالح الدول المتقدمة على حساب الدول النامية وهذا واضح في الجوانب الاقتصادية، فعلى سبيل المثال تضع منظمة التجارة العالمية شروطاً مجحفة وقاسية على الدول النامية، ولا يعقل أن يترك باب حرية التجارة مفتوحاً بلا ضوابط أو مراعاة لظروف الدول النامية، فلا يعقل أن دولة نامية ما يمكن أن تنافس دولة متقدمة مثل ألمانيا في مجال التصنيع مثلاً؟! من هنا يدعو السيد يس إلى ما يطلق عليه الحوار التصادمي مع الغرب، ويضرب مثلاً بدور مجموعة ال 15 التي لم تكتف برفض الشروط المجحفة لمنظمة التجارة وإنما بحثت عن بدائل لها، كذلك يرفض السيد يس تدخل الولايات المتحدة منفردة في النزاعات العالمية ودون مرجعية دولية حقيقية، فهذا التدخل برأيه نوع من البلطجة السياسية وأثر من آثار العولمة يجب التصادم معه وإيقافه، لأنه إذا تدخلت الولايات المتحدة في هذا البلد هذا اليوم فما الذي يمنعها من التدخل في شؤون بلد آخر غداً؟! في نفس السياق يرفض السيد يس التدخل الثقافي في شؤون الآخرين سواء بما يتعلق بالمناهج الدراسية أو التعليم الديني على وجه الخصوص مضيفاً أنه من حق كل دولة وحدها فحسب أن تراجع مناهجها الدراسية وأن تقوم بعملية تقويم ونقد ذاتي داخلي لكن لا يصح بأي حال من الأحوال أن يفرض عليها ذلك.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved