كم مرة نقلت لنا الصحف أخبار اعتداءات بعض التلاميذ على معلميهم فكان لها وقع الألم على نفوسنا! وعندما زاد عدد تلك الاعتداءات وطفح الكيل بنا تساءلنا لماذا يجري كل هذا؟ هل إنعدم الوفاء لدى بعض تلاميذنا؟ أم انحدرت أخلاقياتهم حتى اعتدوا على مربيهم؟ أم أن للمعلمين سببا في فقدانهم مكانتهم وضياع أقدارهم! أم أنها ضريبة المتغيرات الحياتية التي أطبقت على حياتنا فلم يسلم منها سلوك الإنسان حين تبدل؟
إن المدرسة تلعب دوراً مهما في تربية أبناء المجتمع وهي الحلقة التي تربط المجتمع الأسري الصغير بالمجتمع الأسري الكبير فالمدرسة تعد أفرادها للتكيف مع الحياة وهي عملية شاقة تسعى من خلالها إلى إعدادهم للانطلاق داخل المجتمع الكبير بعد أن مدتهم ولو بجزء يسير من التجارب والمهارات للتعامل مع حياتهم الخارجية بكل ألوانها.
ولكن لا يمكن للمدرسة وحدها أن تقوم بالدور التربوي دون تعاون الأسرة والمجتمع الخارجي فالأسرة مطالبة بأن تهتم بتربية أطفالها منذ الصغر وقد قيل «التعليم في الصغر كالنقش على الحجر» والمجتمع مطالب أيضاً بإكمال دور المدرسة. ومن الصعب أن تظل المدرسة لسنوات تبني أخلاقيات وسلوكيات تلاميذها ثم يخرجون إلى المجتمع ليجدوا نقيض ما تعلموه أو يصطدموا بوسائل تهدم وتحطم ما بنته المدرسة والمعلمون وعندها نردد بمرارة
متى يكمل البنيان يوما تمامه
إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم؟
وعودة إلى ما وددت الحديث عنه وهي علاقة المعلم بتلاميذه فأقول: لا يمكن لأي معلم مضطرب غير عاشق لمهنته يتسم بشيء من الغلظة لا يسيطر على حركاته وسكناته يسلك العنف كمبدأ في التعامل مع تلاميذه يحتقرهم ولا يعي دوره التربوي ويركز فقط على إعطاء مادته دون عناية بالوسيلة أو فهم تلاميذه لها يكثر من المزاح ويخرج على المألوف ولا يحفظ للناس أقدارهم.
لا يمكن لمعلم هذه سماته الغالبة على طباعة أن ينجح في أداء رسالته ولا يمكن أن يكون له دور مؤثر في طلابه ومن هنا فإن العلاقة التي تربط المعلم بطلابة يجب ويفترض أن تكون قوية ويسودها الحب والاحترام المتبادل وأن يعرف ما له وما عليه وإلا ففاقد الشيء لا يعطيه.
ولأن المعلم يضطلع بمسؤولية التربية والتعليم فلا بد أن يتقن مهارة التعليم وعملية إيصاله ويتقن فهم السلوكيات وعملية التعامل معها وأجدني مضطرا للقول وماذا يمنع إقامة دورات في علم النفس والاجتماع للمعلمين ليتلقوا من خلالها مهارات تتعلق بصميم عملهم على سبيل المثال كيف يتعامل المعلم مع تلميذ يتصف بالعدوانية، فمعلم تنقصه الخبرة في هذا الجانب أو المشكلة تجده ينظر إلى هذا التلميذ صاحب السلوك العدواني على أنه نوع من التحدي يقوم به التلميذ تجاه معلمه فيسيء المعلم معاملته على ضوء الفهم الخاطئ لسلوك التلميذ وقيسوا على هذا كثيراً فليس المجال هنا للسرد.
عموماً الحديث في التربية حديث ذو شجون ويطول ولكن أسوق هذه الصورة من الوفاء وفاء التلميذ لأستاذه صورة للوفاء كادت تندثر من حياتنا بعد أن لمسنا انقلاباً في المعايير الأخلاقية والسلوكية جرف الكثيرين من طوفانها فبالأمس القريب كان رجال التربية في محافظة خميس مشيط على موعد مع الوفاء ليلة تكريم أحد رجالات التعليم والذي كانت له بصمات ظاهرة للعيان على أبناء هذه المحافظة ألا وهو الأستاذ سعيد بريدي. كانت هذه قصة وفاء سطرها منسوبو مركز الإشراف التربوي بالخميس ولكن كان الحاضرون على موعد آخر من دروس الوفاء وفاء التلميذ لأستاذه صفق لها كل من ارتوت عيناه بمنظر الأخ العزيز «تركي جبران بحير» وهو يطلب من أستاذه سعيد البريدي أن يبسط يده ليقبلها وحينما فعل تركي استحضرت شريطاً مرت فيه صور عديدة لملامح أدب التلميذ مع معلمه وكان في مقدمتها صورة لابني هارون الرشيد وهما يتسابقان إلى نعلي مربيهما الكسائي ليقدماها إليه ليلبسها، فشكراً لتركي أحد ضباط الوطن الذي قدم درساً لأولئك الذين نسوا معلميهم أو تعالوا عليهم وقدمه لأولئك الذين أغرتهم المناصب والكراسي والوظائف فباتوا ينظرون إلى الناس من علو وأعناقهم تكاد تنكسر لو تلفتوا يميناً أو يساراً ولكن المغرور والمتكبر مثل الديك الذي يعتقد أن الشمس لا تشرق إلا لكي تستمع لصياحه في الصباح. وختاماً تبقى الأخلاق الحميدة شيمة النبلاء فتذكروها معي.
محمد إبراهيم فايع خميس مشيط |