Thursday 31th January,200210717العددالخميس 17 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لما هو آت
لكِ وحدكِ
د. خيريّة إبراهيم السّقّاف

بعضُ التفاصيل تُبهركِ..، وأنتِ كنتِ دوماً تحرصين على مجمل الأمور، لا أنسى كيف تبسطين كفّيك وأنتِ تشيرين إلى دلالة الاحتضان، كلّ شيء تريدين أن يمرَّ في سلام..
حتى العتاب.. كنتِ ترفضين أن يكون أسلوباً للتعامل بين الآخرين، تقولين عبارتكِ الشهيرة: «العتاب يباعد الأحباب»..
كنتُ أعارضكِ، أرى أنه يُقوِّي الأواصر..، لكنّ الزّمن يعَلِّم يا نوّارة، وقد كنتِ ماهرةً في دروسه، تأكدتُّ أنّ ما كنتِ تقولين هو الأصحُّ دوماً..
تفاصيل الأمور تُرهق..
من هنا، تعلمين أنّ الذين يقتاتون على التفاصيل، مُرْهِقون، ومُرْهَقون.. من أجل ذلك، كان إثم النَّميمة، والغيبة عظيماً..
أمس يا نوّارة جلست إلى أريكة الفلّ التي زرعتِ فسيلتها الأولى..، نبتت بين يديكِ، وأثمرت.. وعندما غادرتِ.. اضمحلّت، وذوت..، لكنّني كنتُ دوماً أُذكّرها بكِ، فتعود لرونقها.. تنتشي، أمس وجدتُّها مليئة بالفلّ..، رائحته تعبق في الأنحاء..، كتبتُ على ورقة فلّ من ضمن زهورها.. اسمكِ..، لا تعلمين كيف سقطت دموعها حتى بللّت كفيّ..
تلك الدموع غسلتُ بها كلَّ الذي علق في صدري من وخز فراقكِ..، تشخّصْتُكِ..، فإذا بكِ بهيَّةً كما نصاعة ورقة الفلّ البيضاء..، تأكدتُ تماماً أنَّه أيضاً زمن النّقاء..، وأنّه ليس ثمَّة ما يُقلق، أو يُرهق.. فأنتِ السلام الممتد..، إلى ما لا نهاية في طقوس سرمّديتكِ التي تتباهى في آماد البقاء..
والنّاس يا نوّارة، لا يزالون يَحيون حياة طيبة، تارة يضحكون..، وأخرى يبكون.. وليس كلُّ الناس يهدرون..
يا نوَّارة، وجدتُ عند أريكة فُلّكِ بقايا أوراقٍ كنتِ قد أودعتِها مخبأ الجذع..، قرأتها بتمعُّن المشوق..، وأدري ما كنتِ سوف تقولين..، ذلك لأنّني أمارس ما تريدين.. هذه الزهرات البيضاء..، وزَّعتُ عبيرها على مدى ما استطعتُ..، وألقيتُ شذى النَّقاء حيث تريدين..، و... لا تيأسي، ذلك لأنَّ التفاصيل الزهرية هي وحدها التي كنتِ تسمحين لي أن أمارس التَّفاعل معها..، وعندما قسَّمْتُ ورقات الفُلِّ على المدى، والمسافة، وكافّة المساحات، كان من نصيب كلِّ القاطنين، والمارين، والعابرين نصيبٌ من الشذى، إن لم يكن لهم نصيبٌ من ورقها.
أتدرين ما عاد إليَّ....؟؟.. كان صدى الفرح، وتنهدات الارتياح..
يا نوَّارة.. النّاس تحتاج إلى الودّ، والصدق، وكلُّ الذين تستقر في زوايا نفوسهم نقط داكنة، تمحوها نسمات أيِّ عبير زهريّ ينطلق في صدق الصفاء إليهم.، ذلك لأنَّ كافَّة البشر في داخلهم شيء من البياض..، فكيف إن كان هناك من يزرع فسائل الفلِّ في نفوسهم؟..
تعلَّمت منكِ ألاَّ أقف عند تفاصيل البشر..
ذلك لأنّه ليس كلّ التفاصيل بيضاء، ولا كافَّة التفاصيل داكنة..
أتدرين أنّكِ لا تزالين تُغذِّين أريكة الفلّ، ولا تزال أوراقكِ تملأ مسامّ تربتها بدعائم الحكمة، وأبجديات التكوين؟..
لكِ في ذلك الملكوت من زهر الفلِّ تحية النَّقاء..
ودمعة الحنين..
ونغمة الصدق..
وتربيت الدفء الذي لا يزال يمسح بظلِّه مدى المسافات التي انتشرت فيها ورقات الزهر الفلّي، وشذى عبق صفائها.. وسلام بياضها..، وصداكِ هنا.. وهناك..، بصوتكِ الخاشع في صومعات الوفاء والصفح.. وعطاء المثاليين.. الذين هم أنتِ..
فلا وقوف أمام التفاصيل..
ولا هدر لغرس تفاصيل الفلِّ في زواياهم، وعند الأركان الدَّفينة في صدورهم.. كي تنبض بهم حياةٌ تعبق بشذى بياض زهرات أريكة فُلّكِ يا سيدتي.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved