Thursday 31th January,200210717العددالخميس 17 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المتن والهامش
تحولات المعني (2/4)
محمد العمُري

= 5 =
الذي نسمِّيه مساراً جمالياً يعني أنَّ هنا تناظراً في المعنى واشتراكاً في الإسناد بالإضافة إلى تَداعي اللغة في طبيعة من النَّسجْ أو النظم لانعدم معها قرائن التناسب الملائمة، وقد كنا ننظر في الوحدة البلاغيَّة التالية:
لَيْلُ ها ترفُلُ الأْنْداءُ في غِيِّها
وهذي السَّواحُرِ ترفُلُ في التِّيه سحراً فسحرا..
وقد تبيَّنَ معنا أن المسند إليه الأول «الأندَاء» والمسند إليه الثاني «السَّواحر» يشتركان في فكرة هي التي أسمِّيها فكرة الجذر المعنوي أو المحتوى أو الاشتراك.
إنني أندهش من هذه الفيزياء اللغَويَّة البديعة.
والذي أعنيه أنَّ اللغة في تحولاتها الجماليَّة لا تنفك عن قانون.. إنما أي قانون هذا؟؟ إنَّه دون شك قانون العقَل اللغوي المجازي على وجه التحديد..
هذا القانون لا يقع في مرتبته المعرفيَّة إلاَّ بشرط العقل حال كونه ذا فقه لغوي جمالي..، وإذن من هذه الجزئية تنقدح شرارة المعضلة التي نسمِّيها معضلة التلقي وأزمة الفهم الجمالي حين يكون هناك تفاوت..، انظروا معي الآن: «ترفل الأنداء في غيِّها» ثم «السَّواحر ترفل في التيه»...، هذا الذي أسمِّيه وكان الإسناد.. «ترفل» في ماذا؟ «غيِّها»، أو «ترفل» في ماذا؟ «في التيه».
كيف يكون مكان الإسناد متفاوتاً أو مختلفاً؟؟ هذا التفاوت أو الاختلاف المتوهم أو الظاهر المظنون هو الذي تنقضه فكرة الخلط المعرفي وفكرة المسار الجمالي وفكرة النظام الخفي.. كل هذه مفاهيم جماليَّة تتحول معها اللغة تحولاً جمالياً وهي في حالة التئام معرفي..، هذه الحالة، حالة الالتئام المعرفي تتحول معها فكرة الجمال إلى فكرة الحدِّ المعرفي في مقابلة نظام الذهن الجمالي..، الآن نجيب عن سؤالنا بسؤال آخر: ما هي الصِّلة أو ما هو الجذر المعنوي المشترك بين مفردتي «الغيِّ» و«التِّيه»..، إنه على وجه التحديد: «معنى المبالغة والتجاوز».، المحتوى المتضمن حين تكون بإزاء مفردة «الغي» أنَّ هنا تجاوزاً للمعقول وكذلك حين نكون بإزاء مفردة «التيه» إنّ هنا تجاوزاً وإفراطاً فكيف إذا نحن نظرنا في نطاق الاشتراك باعتبار فكرة تعدُّد المعنى في مفردة «التِّيه»..، هذه الفكرة التي هي فكرة تعدَّد المعنى هي ذاتها فكرة الطيف المعنوي للُّغة أي أن المفردة بهذا الاعتبار حال كونها في السِّياق وهي حمَّالة أوجه تؤول بالمعنى إلى فكرة الطَّيف أو التشظِّي، لا باعتبار نفي النظام ولكن بشرط النظام الخفي ذاته المندغم في النظام الظاهر..، نقول: إنَّ هنا ارتباطاً بين مفردة التِّيه وفكرة التجاوز والإفراط ثم إنَّ هنا ارتباطاً كذلك بينها وبين فكرة الضياع أو الفقد أو عدم انضباط الوجهة..، أقول مثلاً: إنَّ فلاناً في تيه أو إنه تائه..، هذا يعني أنه فاقد للضابط الذهني ربَّما..، ورُبمَّا الحسِّي..، وإذن هذا التيه يؤول إلى أن يكون مرادفاً لفكرة انتفاء التطابق مع المعيار الأخلاقي حين يكون تيهاً ذهنياً أو عقلياً أو المعيار الحِسِّي أو الجغرافي حين يكون تيهاً حِسِّياً..،
سأعود الآن فأقول: إنَّ فلاناً تائه فلا ينضبط له موقف معرفي ولا أخلاقي أو أنه تائه فلا يعرف وجهته، وإذن ربما يكون من المأمول الآن أن نتبيَّن الفرق بين هذين النطاقين المعرفيين للمعنى، التِّيه الذي هو تجاوز الحدِّ أو الإفراط والتِّيه الذي هو انعدام الضابط الأخلاقي المعرفي أو الحسيِّ في مقابلة مفردة «الغيِّ» الذي قلنا إنه فرط التِّيه من قبل.، حين ننظر بالاعتبار الأول يكون التناسب بين المفردتين ظاهراً وحين ننظر بالاعتبار الثاني يكون التناسب بينهما متطابقا لأن التِّيه انعدام الضابط، فهو يعني الضياع أو الضلال والغي لذلك انعدام الضابط في الأصل اللغوي فهو يعني الضياع أو الضَّلال.
وإذن للإسناد إلى مختلفين مسوِّغ معرفي هو نظام اللغة الجمالي الذي نسميه نظاماً خفيا..
على أي حال نحن إذا عاودنا النظر في فكرة تعدُّد المعنى فإننا سنلاحظ أيضاً بعض الاشتراك الذي يجعل التفاوت آيلاً إلى التلاؤم، فالتيه مثلاً تجاوز الحدِّ أو الإفراط وهو انعدام الضابط كذلك، وانعدام الضابط كذلك، وانعدام الضابط في واقع الأمر معادل معرفي لتجاوز الحدِّ، فلا يكون أحدنا متجاوزاً للحدِّ إلاَّ حين يكون متجاوزاً أو فاقداً للضابط الأخلاقي، فيكون قد تجاوز الحدَّ فيما يتصل بموضوع التجاوز الذي هو فيه، وبنفس الاعتبار يمكن أن ننظر إلى مسألة فقد الضابط الحسِّي، هذه مسألة آمل من خلالها أن أؤكد على فكرة النظام الخفي في النموذج الجمالي.
ذلك الذي ينبني على ما أسميه قرائن التناسب بين التراكيب التي تنبَثُّ في بناء النموذج اللغوي الجمالي، كل نموذج لغوي جمالي بإطلاق..
وللحديث صلة إنْ شاء الله..

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved