Thursday 31th January,200210717العددالخميس 17 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

إنها أكبر من ذلك
د. فهد حمد المغلوث

كثيراً ما تسبب لنا ردود فعلنا العديد من المشاكل والمواقف المحرجة التي نحن في غنى عنها وبالذات مع اولئك الذين يحبوننا بصدق ويتوقعون منا ردود فعل معينة تريحهم من ناحيتنا وتدخل السعادة إلى قلوبهم بل وتبعد الشكوك عن نفوسهم تجاهنا، وتجعل علاقتنا وإياهم في مأمن عن كل ما ينغصها ويعكر صفوها ويفسدها.
ولكن يبدو أن الانسان هكذا خلق، وهكذا تعوَّد، وهكذا سيظل مدفوعاً بتلك المشاعر التلقائية التي تفرض عليه ردود فعل معينة ربما أغضبت المحيطين به وأثارت حوله العديد من علامات الاستفهام لنأخذ مثلا السكوت كرد فعل، فماذا يعني؟ فهل نحن حينما نسكت على تصرف معين من غيرنا، فهل هذا يعني رضانا عنه وقبولنا له؟ وهل حينما يبث لنا من نحب مشاعره نحونا وشكوكه حولنا فهل سكوتنا وعدم ردنا عليه هل يعني هذا اننا فعلاً كما يقول، أي أننا لم نعد نحبه؟ أو ان مشاعرنا لم تعد كما هي نحوه؟ أو أننا لا نريده؟ أو أننا نتهرب ونحاول الخروج من الموضوع لأنه لم يعد يهمنا؟ أو أننا لم نعد صادقين فيما سبق وبحنا به له او سألناه عنه او استتفسرنا حوله؟ لا والف لا!
كل ما في الامر أحياناً أننا نجد أنفسنا عاجزين عن الكلام ! غير قادرين على التفوه بكلمة، وليس لأننا لا نريد أن نبادر من نحب المشاعر بمشاعر أصدق أو ليس لأننا لا نريد أن نصارحه بكل ما يريده، ويتوقعه منا في لحظات تجل وصدق.
كل ما في الأمر أنه من الافضل لنا السكوت كي نستمع إلى حديثه العذب ومشاعره الفياضة ولا نفسدها برد قد لا يكون في مستوى عذوبتها. أو أننا احياناً ربما سكتنا لأننا بدأنا نشعر بالذنب تجاه كل ما فعلناه معه في الايام الماضية من فراق وقلة اهتمام، وعدم سؤال بسبب مكابرتنا لأنفسنا واعتقاد منا أننا نجحنا فيما نريد، بينما نحن أضعف مما نتصور على الأقل بين انفسنا! ألا يراودك هذا الشعور احياناً عندما تتعرض لمواقف كهذه؟ ومشكلة اخرى في السكوت تكمن في اننا احياناً نكون متعبين او مرهقين سواء جسمياً أو نفسياً وغير قادرين على التفاعل بالصورة التي يتوقعها وينتظرها منا الطرف الآخر ممن تعود أن يرى ويسمع منا اشياء حلوة كحلاوة روحه العذبة ورائعة كروعة شخصيته المميزة. وممتعة كمتعة العلاقة الحميمية الجميلة التي تربطنا به، لذا فإننا قد نؤثر السكوت على الحديث وإذا تحدثنا فنكون مقلين قدر الامكان لأن التعب والارهاق قد تمكن منا ولذلك فنحن لا نريد أن نجامل في اشياء نحن غير مقتنعين بها اصلاً!
إن مشكلتنا مع ردود فعلنا أنها خارجة عن ارادتنا ولا نملك أن نتحكم فيها، كما نريد أو بالصورة التي نرغبها، لأنها باختصار وببساطة وليدة لحظتها ونتيجة تكوين شخصيتنا التي نشأنا فيها على هذه الدنيا فوجدنا أنفسنا عليها، ولا نستطيع تغييرها فينا بسهولة!
إن ردود الفعل هذه ليس بالضرورة أن تكون تصرفات حركية محسوسة وغير مرغوبة من الطرف الآخر، بل إنها قد تكون جامدة وربما أقوى تأثيراً على الطرف الآخر من الحركة نفسها!
فالسكوت مثلاً الذي تحدثنا عنه رغم أنه لا يضر بالآخرين كما يبدو، ولكن بإمكانه لو تكرر وفي مناسبات ومواقف معينة بامكانه أن يخلق لك انت نوعاً من الاشكاليات والمواقف المحرجة حتى مع أقرب الناس إليك!
فنحن حينما نكون مع من نحب، وفي أجواء غاية في الرومانسية مثلاً او الصراحة، فإننا نحب أن نسمع ردود فعل الطرف الآخر الغالي على قلوبنا والقريب من نفوسنا، نريد أن نسمع منه تلك الردود على شكل ردود فعل عملية وملموسة، وليست ردوداً جامدة، صماء لا حركة فيها ولا روح.
نريد تلك الردود أن تكون على شكل كلمة حلوة توقظ في داخلنا مشاعر جميلة، ربما كانت نائمة منذ زمن وغارقة في سباتها.
نريد تلك الردود أن تكون على شكل دعم وتشجيع قوي يدفعنا للأمام ويحسسنا أن هناك من يشعر بنا ويقدر عملنا وتضحياتنا.
نريد تلك التأثيرات المسموعة والمرئية التي تشعرنا بحبنا بصدق ولديه الاستعداد التام لأن يقنعنا أن ما نفكر فيه من افكار سوداوية او تشاؤمية انما هي غير صحيحة بل ليس لها اساس في الوجود.
تلك الردود الفورية منه التي تجعلنا نشعر بالامان معه ونحوه وتبعد عن انفسنا شبح الخوف من المجهول وشبح تلك التساؤلات المخيفة التي تلازمنا ليل ونهار فلا نجد من يجيبنا عليها بصدق ويريح قلوبنا! ومن غيره القادر على انتزاعها من قلوبنا؟ أليس هو المتسبب فيها؟ ثم أليس هو المعني بها بالدرجة الأولى؟
إنها مجرد مشاعر صادقة أردت أن أبوح بها وربما خالجتك أنت، وهي ليست تبريرات وحسب بل إنها أكبر من ذلك بكثير، انها تعني اشياء كثيرة ربما لا استطيع أن اوصلها كما أريد، اشياء كثيرة اعلم انك قد تتضايق منها وربما تؤاخذني عليها. ولكن ماذا أعمل؟
انك تقول في نفسك حينما تكون في حالة كهذه ولم اضايقه؟ لم اكدر عليه صفو راحته؟ بل إنك احياناً لا تحب أن يراك ضعيفاً وانت من انت بالنسبة له.
ربما تقول في نفسه، ولكني احتاجك الآن. اريدك بجانبي، اريد ان اشعر انك معي؟ فهل تقابلني هكذا ببرود؟ بكل رسمية وكأنك تقابل أي شخص آخر وأنا من انا بالنسبة لك؟ اهكذا هو الشوق الذي علمتني إياه؟ هكذا هو الاحتواء الذي وعدتني به؟
اعلم كل ذلك، وربما هذا هو مصدر ضيقي والمي الذي لا استطيع أن اخفيه عنك لأنني مهما حاولت إخفاءه وجدتك تعرفني اكثر من نفسي تسألني عمابي، تصر على أن تشاركني همومي، رغم أن لديك ما لديك الا يكفي كل هذا لأن اطلعك على سبب ردود فعلي وعلى سكوتي الذي هو جزء بسيط من تلك الردود التي لا اتمنى أن تكون تبريرات مستمرة بل كما تتمناها وترغبها وبإذن الله وبحوله وقوته أكون افضل مما عرفتني وأروع مما عهدتني لم لا وانت ليس اي انسان؟
همسة
قل لي أنت
ماذا أفعل في ردود فعلي؟
كيف أتصرف معها؟
وكيف اتحكم فيها؟
حينما لا تكون كما تريد؟
إنها لا تخونني إلا معك!
ولا تقف ضدي..
الا حينما اكون معك!
وكأنني على خصام معك!
فماذا أفعل
وهكذا وجدتها بداخلي!
لا دخل لي فيها!
ولا سلطة لي عليها!
ولا قدرة لي على تحملها!
فأرجوك أرجوك
لا تجعل من ردود فعلي
سبباً للتشكيك فيَّ
أو طريقاً لقطع علاقتي بك
ولا تجعلني أشعر بالذنب
في كل مرة أكون معك فيها
وفي كل مرة اخاطبك فيها
وفي كل مرة أتذكرك فيها
يكفي أنك أعطيتني قلبك
وعقلك
وكل احاسيسك ومشاعرك
بل وكل ما تملك
دون أن تتردد لحظة واحدة
ويكفي أنك ضحيت من أجلي
بالكثير والكثير!
وما زلت..!
ولم تبخل علي بشيء
دون سؤال مني!
فهل أخون تلك الثقة الكبيرة
وأنت من أولاني إياها؟
وهل اضحي بذلك الحب الصادق
وأنت من منحني اياه؟
أكون مجنوناً لو فعلت!
لا عقل لدي لو فكرت!

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved