* كتب علي سعد القحطاني:
ضمن فعاليات الأنشطة الثقافية للمهرجان الوطني للتراث والثقافة عقدت مساء يوم الأحد في قاعة الملك فيصل للمؤتمرات بفندق الانتركونتننتال محاضرة بعنوان «العولمة رؤية إسلامية» لمعالي الدكتور محمود سفر وكان قد قام بإدارة المحاضرة الدكتور عبدالرحمن الزنيدي وقد تطرق المحاضر في البدء إلى ما هية مصطلح «العولمة» خصوصاً وأنه قد تعلمنا من علم الأصول أن ضبط المصطلحات وتحديد المفاهيم بداية الطريق لمناقشة أي موضوع والخوض فيه بحثاً عن الحق وتنقيباً عن الحقيقة، والعولمة تحتاج إلى تعريف محدد يتفق عليه جميع من يتعامل معها أو ينشغل بها، وبعض شعوب الأرض اليوم يتعامل معها والبعض الآخر منشغل بها.
ولأن الغموض يحيط بمصطلح العولمة ويلف عدم الوضوح مفهومها، نجد أننا بحاجة إلى التعرف على: ما المقصود بالعولمة، وما المقصود منها؟!
ونعني بذلك : هل هناك مفهوم واحد محدد لمصطلح العولمة وافق الباحثون عليه بمختلف توجهاتهم ومشاربهم الفكرية؟!
واستعرض المحاضر الأدبيات المعاصرة التي بحثت في العولمة وحفلت بمفاهيم شتى.
وبيّن المحاضر أن هناك تيارين فكريين يتصارعان حول العولمة هما:
* التيار الأول: مع العولمة ويحبذها ويدعو لترسيخ مفاهيمها وتطبيق منطلقاتها، وتنفيذ مناهجها، لأن العولمة بنظر أصحاب هذا التيار سوف تفيد في نشر الديمقراطية والانضمام إلى مسيرة الدول التي تؤمن بها وتمارسها وذلك من خلال مقومات النظام العالمي الجديد التي ظهرت ملامحه عقب حرب تحرير الكويت فأخذ يدعو إلى تبني «قيم السوق وبتني بعض الجوانب الايجابية مثل كونية مبادئ حقوق الانسان والاعتراف بالآخر والتصدي للنظم الاستبدادية واحترام الخصوصيات الثقافية ومقاومة الجوانب السلبية وتحقيق السلام في ربوع المعمورة والتخلي عن السيطرة وإملاء الشروط على الشعوب الضعيفة واخماد بؤر التوتر التي انتشرت في كثير من دول العالم إبان الحرب الباردة اضافة إلى محاربة سماسرة أممية رأس المال والتصدي لمنظمات المافيا وتجارة المخدرات»..
أما العولمة في جانبها الثقافي فهي النتاج الطبيعي لثورة المعلومات والاتصالات التي قادت إلى الانتشار السريع والمباشر للمعلومة وسهولة الحصول عليها، اضافة إلى نشر ثقافة كونية عبر انتقال الأفكار والترويج لثقافة عالمية تقود إلى زيادة معدلات التجانس بين مختلف التجمعات.
* والتيار الثاني: ضد العولمة ويسعى إلى دحض أفكارها وتحذير العالم منها واتهامها بأنها تقضي على الديمقراطية وتفرض الدكتاتورية، بل وذهب البعض إلى الاعتقاد بأن العولمة تعني ظلم الأغنياء للفقراء وتعزيز الرأسمالية وهيمنتها وتحكمها في مسيرة حياة الأغلبية من سكان الكون ليس في المجالين الاقتصادي والسياسي فقط بل حتى في المجالين الاجتماعي والثقافي. فنقل عن «فالدشتاين» قوله بأن «العولمة ليست إلا صورة لهيمنة الرأسمالية وأنها كظاهرة كونية شاملة اقتصادية وسياسية وثقافية لا تزال تتوسع منذ خمسة قرون في أرجاء المعمورة وقد وصلت إلى حدودها وأن معضلة الرأسمالية ليست في اخفاقها وإنما في نجاحها فهي تقتل نفسها بالنجاح».
في ظل هذا التجاذب حول العولمة يصبح من الصعب التكهن بما سوف يؤول إليه مفهوم العولمة، وقد يكون الحل في عقد لقاء علمي مشترك يجمع علماء الاجتماع والاقتصاد والسياسة والمفكرين والتربويين من دول العالمين المتقدم والنامي على السواء، ليقدموا رؤاهم ويصلوا إلى تعريف مقنع ومفهوم واضح للعولمة يتفقون عليه.
ثم تحدث معالي الدكتور محمود سفر عن العولمة من رؤية إسلامية وقال:وحتى يحدث ذلك دعونا نتجه بحديثنا إلى مفهومنا الخاص للعولمة ورؤيتنا لها من منظور عقيدتنا فنقول:
إن كانت العولمة تعني التعارف والتعاون وتوافق المصالح وتبادل المنافع بين البشر جميعهم.. أغناهم وأفقرهم، أقواهم وأضعفهم، أدناهم وأبعدهم.. فإن الإسلام يعتبر مثل هذا التوجه إنسانيا وايجابيا ويأتي مطابقاً لما يدعو له ويحث عليه:
«يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم..» الآية.. الحجرات 13».
فليس من قبيل الصدفة أو التباهي ان الإسلام ظاهرة كونية وعقيدة عالمية تهدف في مكونات دعوتها إلى جمع البشر تحت راية الحق ولواء التقوى.
فالإسلام عقيدة حياة لكل الناس تدعو إلى القيم الخيرة والأعمال الصالحة وتبشر بالتكافل وتحض على التسامح وتحبذ التعاون وتتجه نحو ما فيه صلاح البشرية جمعاء.
إن عقيدة كهذه لن يجد معتنقوها صعوبة في التعامل مع كل دعوة عالمية تبشر بنفس المبادئ وتدعو إلى نفس القيم. فإن كانت العولمة تعمل على ذلك فمرحباً بها في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية.
نقول إن كانت العولمة تعني:
* خير البشرية فنحن معها،
وإن كانت تعني:
* إحقاق الحق، فنحن لها،
وإن كانت تعني:
* بسط العدل فنحن في المقدمة.
إذن: إن كانت العولمة التي يدعون لها تهدف إلى نشر الخير وبسط العدل وإحقاق الحق فسنكون أول الراكضين إليها والساعين لها والمحبذين لدعوتها والمنضمين تحت لوائها، وفي هذا نفصل فنقول: إننا نحسب بداية أن رؤيتنا الإسلامية للعولمة تنطلق أساساً من طبيعة عقيدتنا وترتكز على عدة مقومات ومنطلقات وأسس:
* منطلقنا العقائدي تجاه العولمة:
فمنطلقنا العقائدي تجاه العولمة يؤسس لرؤيتنا الإسلامية لها ومفهومنا لكيفية التعامل معها. فذاك المفهوم يؤكد أن الله خلق ابن آدم وميزه عن سائر الخلق بالعقل والرشد والقدرة على التفكير لإعداده لأداء مهمة عظيمة فريدة وتكليفه لتحقيق غاية جليلة نبيلة هي عبادة الله:
«وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» «الذاريات 56».
ويكون ذلك بتأكيد ألوهية الله للجميع وبسط الحق ودحض الباطل ورفع الظلم ونشر العدل وتعزيز الخير وتبادل المنافع بين الناس.
وتحدث المحاضر عن عولمة الفكر والثقافة وقال: أما في مضمار الفكر والثقافة، فنجد المشفقين على الأمة من العولمة يرددون أن من أبرز التحديات التي تشكلها هي كيفية التعامل مع الثقافة الوافدة مع مركبة العولمة. ولعل للمشفقين أولئك بعض الحق، فالمد الثقافي والفكري الذي تحمله العولمة يجد أمامه بين شعوب الأمة أبوابا مفتوحة ونوافذ مشرعة دونما مناعة ذاتية فعّالة.
فهل الثقافة العربية والفكر الإسلامي المعاصر بخير وقادران حقاً على مواجهة القادم؟!.
فهل الثقافة العربية والفكر الإسلامي المعاصر بخير وقادران حقاً على مواجهة القادم؟!
أولا: ثقافتنا والآخرون
ابتداء نقرر بثقة أن منظومة الفكر والثقافة الإسلامية تملك من المقومات والمبررات والقيم والمبادىء الإنسانية ما يجعل المسلمين قادرين على التعامل مع الفكر العالمي بندية وتوازن، وعلى الانفتاح على ثقافات الدنيا بجدارة واتزان. نقول ذلك عن منظومتنا الفكرية والثقافية عن إيمان مطلق وعقيدة ثابتة وإدراك عميق، وليس في هذا القول إفراط في الثقة في الذات واستهانة بما نقرأه ونشاهده ونسمع به هذه الأيام من هجوم كاسح وإدانة ظالمة للإسلام وثقافته. ولكن قبل أن نفصل الأمر علينا أن ندرك أن أمتنا تقف أمام تحد ثقافي عنيف في مواجهة الهجمات الشرسة والباطلة والظالمة ضد الإسلام والعرب والمسلمين والتي سوف يواكبها هجوم مماثل علينا من دعاة العولمة والتي بدت في الأفق بوادره.
لقد أصبح من العسير اليوم أن يتحدد موقفنا من ثقافة الغير دون التمعن في الصورة التي آلت إليها الثقافة الإسلامية والإسلام في أعين أمريكا والغرب.
لقد قلبت أحداث الماضي والحاضر الموازين وغيرت المفاهيم وأربكت الأولويات، وجعلت العقل المسلم حائرا يبحث عن افضل الطرق لتصحيح ما آلت إليه صورة المسلم وثقافته لدى الناس في الغرب من تشويه كانت لبعض المسلمين مساهمة فيه.
كلنا سمعنا عن ما كتبه صاحب نظرية صراع الحضارات«صموئيل هينتنجتون»، أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد الأمريكية الذي تنبأ بصراع بين الحضارة الغربية وغيرها من حضارات الأمم الأخرى وخص بالذكر الإسلام وحضارته. هذا الرجل شارك مؤخراً مع مفكرين غربيين آخرين في ندوة فكرية عقدت في ألمانيا بعد الأحداث، فحاضر يقول عن الإسلام: «إنه دين يتجدد في كل فترة ومن الصعب التغلب على أفكار المسلمين ومعتقداتهم..،.. وأضاف «إن محاولة القضاء على الفكر الإسلامي وتعميم العلمانية باءت بالفشل، وإن الحوار مع الفكر الإسلامي أصبح ضرورة ملحة وعاملاً قوياً للحيلولة دون وقوع حرب بين الإسلام والغرب التي تعتبر حربا ضد الثقافات..،.. مشيرا إلى «إمكانية انتصار الثقافة الإسلامية في هذه الحرب إذا ما وقعت.»
وتحدث في نفس الندوة البروفيسور«جير نوت روتر» أستاذ اللغة العربية ومادة الإسلام في جامعة«همبورج» فحذر من أن ينظر المسيحيون في الغرب إلى الرئيس جورج بوش بأنه مقدس كما نظروا من قبل إلى «كارل مارتل» الذي انتصر جيشه على جيش المسلمين في معركة«بواتييه» «أو معركة«بلاط الشهداء» بقيادة عبدالرحمن الغافقي رحمه الله»، ومثل نظرتهم إلى الأمير،«اوجين» الذي أوقف زحف الجيش العثماني على أوروبا في معركة فيينا، واستطرد البروفيسور«جير نوت روتر» ليؤكد أن الإسلام لم ينتشر بحد السيف كما يتهمه الإعلام، وطالب المجتمعين بالعمل على تبديد صورة الإسلام القائمة في أوروبا.
وقال المحاضر: إن الدارس المتمعن لمواقف الآخرين من ثقافتنا اليوم لن يجد صعوبة في التعرف على تلك المواقف وكأنها تسير في ثلاثة اتجاهات أو توجهات متوازية لا نعلم لمن منها ستكون الغلبة.
الأول: هجوم ضار وحملات ظالمة على العرب والمسلمين والإسلام، مع وصف ثقافته بأنها تدعو للإرهاب وتحض على العنف،
والثاني: الدفاع عن الإسلام ومدحه بأنه«دين السلام والتسامح» في محاولة لاحتواء الدول الإسلامية من اجل أهداف سياسية محضة.
والثالث: محاولات جادة للاقتراب من الإسلام للتعرف على ثقافته وإدراك قيمة ومعرفة منطلقاته.
|