كلنا تلقينا بكل حزن وأسى نبأ وفاة شيخنا الجليل معالي الشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير رحمه الله والذي وافته المنية فجر يوم الخميس 10/11/1422ه ولكن وقع الخبر على نفسي كان شديداً عندما تلقيت نبأ وفاته رحمه الله من أحد الزملاء بمجلس الشورى عند الساعة التاسعة صباحاً، وإن كان الصباح يدعو للتفاؤل إلا أنني كنت أخشى من جرس التلفون عند الصباح الباكر أو الساعات المتأخرة من الليل.
ومن خلال معرفتي بفضيلة الشيخ ابن جبير رحمه الله رحمة واسعة عن قرب تفهمت شخصية ذلك الرجل الجليل طلق الوجه، باسم المحيا، يتحلى بهيبة العلماء ووقار الشيوخ، وهمة الشباب، نذر نفسه للدين والوطن، وكانت بعض عباراته لها وقع في نفسي التي كان ينعتني بها، فقد كان لماحا، ذكيا، مثقفا ثقافة عالية، حازما وقت الحزم، فهو كالممسك بشعرة معاوية مع موظفيه.
لقد عشت تحت إدارته عدة سنوات مضت من عمري كلحظة واحدة، فقد كان يقدر الصغير والكبير، يحب المزاح في وقت الراحة، بشوشاً واسع الصدر، عطوفاً، حنوناً إذا تحدث لا يمل حديثه، وإذا سكت فهو ينصت لمن يحدثه!!
لقد سافرت معه عدة سفرات، كان من بينها حينما ذهب وفد من مجلس الشورى برئاسة معاليه لزيارة مجلس الشورى المصري، وعندما زار معاليه مع وفد من أعضاء مجلس الشورى للبرلمان الهندي، وعرفته عن كثب، فهو إنسان عملي كان ملتزما أشد الالتزام بالبرامج التي أعدت وكان يسبق المواعيد في أغلب أوقاته من خمس إلى عشر دقائق.
كان كثيراً ما ينعتني بشاعر المجلس، وكان يحب الشعر، فهو يطلب مني أن ألقي عليه بعض القصائد أثناء اقلاع الطائرة، وقد كان في رحلاته رحمه الله لا يأكل الطعام لوحده، فكثيراً ما يطلب من عدد من أعضاء الوفد مشاركته، وكان يضفي بحديثه جو المائدة بابتساماته الطيبة ورقته المتناهية.
لقد كان محبوبا من الجميع، وذلك لبساطته وطيب معشره، ووسطيته، وتقديره الجم للجميع، وقد كان من بين ذكرياته انني مرة كنت معه في احدى سفرياته، وطلبت منه أن آخذ صورة تذكارية معه، فوافق، ولكنه قال بروح الدعابة إن الصورة ستنحرق، ولكن أنت وحظك فإن خرجت عند التحميض فجيد، وإن كان غير ذلك فأنت وحظك، وقد خرجت والحمد لله ولدي عدد من الصور التذكارية مع معاليه رحمه الله .
وفي أواخر عام 1418ه حصلت لي فرصة في الانتقال من مجلس الشورى الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء واستدعاني وقتها ومنحني عددا من المغريات في سبيل أن أبقى في مجلس الشورى، وقال لي بالحرف الواحد الخيار بيدك، ولو كنت ستنتقل إلى مكان آخر غير ذلك لما وافقت على انتقالك، ولكن هذا شأنك، ولن أقف حجر عثرة في شيء فيه مصلحتك، ولكنها إرادة الله سبحانه وتعالى التي جعلتني أنتقل عن مجلس الشورى الموقر، وتبقى لدي الذكريات العاطرة لهذا المجلس، وعلى رأسهم فضيلته رحمه الله .
هذا وآمل من المولى عز وجل بأن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، وأن يجعله في الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يلهمنا وبنيه الصبر على هذا المصاب الجلل الذي حلّ على هذا البلد. والله المستعان.
|