تتنوع أسلحة الحرب الاقتصادية وتختلف بناء على الزمان والمكان والظروف وتشبه في ذلك الحروب التقليدية، ومن أبرز اسلحة هذه الحرب الحصار الاقتصادي والذي كان ينظر إليه على انه الشكل الوحيد للحرب الاقتصادية لآثاره المدمرة ولما يتسبب فيه من انتشار المجاعات والأمراض وما يترتب على ذلك من تزايد كبير في أعداد الوفيات علاوة على الدمار الاقتصادي والاجتماعي والصناعي الذي يحدثه فالنتيجة الطبيعية للحصار الاقتصادي تفشي الفقر والأمية وتخلف تقني وتدهور بالغ في مستوى المعيشة، وربما أصبحت معالجة آثاره المختلفة بعد رفعه بالغة الصعوبة تماثل اعادة الإعمار بعد الحرب.. وما ذاك إلا لأنه يقضي على البنى التحتية التي يملكها المجتمع بكافة أشكالها من تعليمية وصحية وطرق ومياه وكهرباء وغيرها، إضافة إلى انه يحد من قدرة المجتمع على متابعة التطورات العلمية والتقنية ويجعله كمن يعيش في سجن لفترة طويلة فيخرج ليجد ان كل شيء من حوله قد تغير.
ومن الواضح ان الحصار الاقتصادي يحدث نفس الآثار التدميرية التي تحدثها الحرب التقليدية لكنه يمتاز عنها بأنه أقل كلفة مادية وبشرية ونفسية منها لمن يقوم بممارسته ويرى بعض الاقتصاديين ان الحصار الاقتصادي هو حرب استنزاف حقيقية بتكلفة اقل سواء كان ذلك على مستوى القتل والوفيات الذي يحدثه كل منهما أو على مستوى ما يحدثه كل منهما من دمار في جميع أوجه الحياة ومن هدر في الموارد الاقتصادية وتوجيهها نحو تمويل البرامج الدفاعية في كلا الحالين.
وقد تتزامن الحرب التقليدية والحرب الاقتصادية وذلك عندما تستهدف البنى التحتية بالتدمير والازالة فيتم تدمير الطرق المستخدمة لأغراض مدنية ومحطات الكهرباء والمياه وشبكاتهما وتهدم المنازل وتدمر مصادر الرزق مثل المزارع والمصانع ويمنع الناس من الوصول إلى أعمالهم، حتى انه ربما أصبح من اللازم توفير الحماية للمنشآت المدنية الحيوية بنفس القدر والدرجة التي توفر بها للمنشآت العسكرية ولا غرابة في ان تصبح المنشآت الحيوية والاقتصادية أهدافا عسكرية لأن الاقتصاد والمال عصب الحياة بالنسبة للمجتمع فأسهل طريق للاجهاز عليه هو قطع هذا العصب.
ويتفاقم خطر الحرب الاقتصادية بشكلها الأخير المتمثل في تدمير مقدرات الشعوب وممتلكاتها ومواردها وتجفيف مصادر الرزق والسابق المتمثل في الحصار الاقتصادي عندما يصاحب ذلك محاربة للهيئات وللجمعيات الاغاثية والخيرية إما بمنعها من الوصول إلى المحتاجين أو بتجميد أرصدتها وحساباتها أو الحد من نشاطاتها بشكل عام وهذه الممارسات يمكن ادراجها تحت مسمى الحرب الاقتصادية لأن الهدف منها هو حصار الشعوب اقتصاديا في المقام الأول وآثارها اقتصادية في المقام الأول أيضاً ووسائلها كذلك، والغريب ان كثيرا من هذه الهيئات والجمعيات مسجل في الدول الغربية ونشاطها واضح وقانوني وحساباتها تراجع من قبل محاسبين قانونيين معترف بهم في تلك الدول وتخضع باستمرار لمراقبة مصالح وسلطات الضرائب.
وبناء على القوانين السائدة والمعمول بها يفترض ألا توقف نشاطاتها أو تجمد أرصدتها إلا بناء على مخالفة قانونية تستوجب ذلك وحكم قضائي يستند على القانون الذي أنشئت بموجبه هذه الجمعيات والهيئات ولكن هذه الإجراءات لا تعمل إلا في الظروف الطبيعية أما في حالة الحروب فالقاعدة استخدام جميع أنواع الأسلحة بما فيها تلك الموجهة للأطفال والأيتام والنساء والعجزة.
قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية جامعة الإمام محمد بن سعود |