أوردت في الحلقة السابقة شيئاً مما ذكره ديفيد ديوك عن الاعمال الارهابية التي قام بها الصهاينة ضد امريكا، وما يراه من ان مساعدة الحكومة الامريكية لدولتهم رغم قيامهم بتلك الاعمال الارهابية ضد الشعب الامريكي لا يمكن وصفها بأقل من الخيانة، ثم تابع حديثه قائلا:
الهجوم على مركز التجارة العالمية
هكذا يتضح السجل، فاسرائيل أسوأ دولة شريرة ارهابية في العالم، وقادتها الارهابيون امثال بيجن وشامير وشارون قد ارتكبوا خلال نصف قرن افناء عرقيا مستمرا بالقصف والتعذيب والاغتيالات ضد الشعب الفلسطيني. ولقد ارتكبت، أيضا، اعمالا لا تحصى من الخيانة والارهاب ضد الولايات المتحدة الامريكية كما بُين سابقا موثقا بالنسبة لعملية لافون، وتجسس بولارد، والهجوم على السفينة «الحرية»، ولنفوذ اسرائيل الطاغي على أجهزة الاعلام والحكومة فإن الخائنين لأمريكا يواصلون مساعداتهم لهذه الدولة الارهابية الشريرة دون خوف من عقاب. والواقع ان هؤلاء الخونة أمدوا اسرائيل بالأسلحة نفسها التي ارتكبت بها الهجوم الارهابي على السفينة «الحرية».
وبسبب المساعي اليهودية، والخونة الآخرين اتبعت الحكومة الأمريكية سياسة خارجية أضرت مرارا بمصالح أمريكا. فالمساعدات الضخمة، ماليا وعسكريا، لاسرائيل مكنتها من مواصلة ارهابها ضد الفلسطينيين. وهذه المساعدات الداعمة لإرهاب اسرائيل سببت كرها شديدا للولايات المتحدة، وأضرت بمصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، وبالتالي ولدت الارهاب القائم الآن، ان الخونة الذين باعوا امريكا لاسرائيل مشتركون في جريمة قتل خمسة آلاف امريكي في الحادي عشر من سبتمبر مع اولئك الذين قاموا مباشرة باختطاف الطائرات وصدموا بها مركز التجارة العالمية ووزارة الدفاع(1).
ان اسرائيل تريد الارهاب العربي ضد الدول الغربية. وقد عانت، خلال العامين الماضيين، اشد الكوارث في تاريخ علاقاتها العامة. فانتخاب شارون، المرتكب جرائم قتل جماعي، رئيسا لوزرائها كان آخر شيء يمكن ان تتحمله الملايين من المحترمين في العالم. وفجأة حدث هجوم الحادي عشر من سبتمبر، فغير الشعور العالمي لصالح اسرائيل. هل كان هذا مجرد صدفة مع حسن حظها؟
كما بُين في هذا المقال شن قادة اسرائيل هجمات ارهابية ضد امريكا محاولين ان يظهروها على أنها هجمات عربية لأنهم يعلمون ان اي هجوم ارهابي عربي على امريكا يخدم اهداف الاسرائيليين الخاصة، وانه كلما كان الهجوم على امريكا اكبر واكثر دموية كان ذلك افضل لإسرائيل. ولقد تعلم ايريل شارون درسا مهما في بيروت. فبدلا من ارتكاب جرائم ضد امريكا بشكل مباشر، كما حدث في عملية لافون، وفي الهجوم على السفينة «الحرية» فإنه من الاسهل والآمن لإسرائيل ان تستمر في ارتكاب جرائم، مثل صبرا وشاتيلا، ضد الشعب العربي لكي يدفع اعداءها المسلمين ليقوموا بإرهاب ضد الغرب، وهذا ما حدث بالضبط في الهجوم على جنود البحرية الامريكيين وجنود المظلات الفرنسيين في بيروت. وان الارهاب الاسرائيلي المستمر هو الذي أدى الى الهجمات على مركز التجارة العالمية.
ما دور إسرائيل في الهجوم على مركز التجارة العالمية؟
لقد ذكرت صحيفة واشنطون تايمز في العاشر من سبتمبر، عام 2000م، تقريرا من 68 صفحة عن دراسة اعدتها مدرسة الجيش الامريكي للدراسات العسكرية المتقدمة «العليا».
يقول مسؤولو تلك المدرسة عن الموساد:
«انها وحشية قاسية ماكرة، وإن لديها القدرة على ان تضرب القوات الامريكية وتجعل فعلها كأنه من فعل الفلسطينيين أو العرب».
ومن السخرية انه في خلال اربع وعشرين ساعة من نشر ذلك التقرير حدث الهجوم على مركز التجارة العالمية والبنتاجون. فهل الموساد الموصوفة بتلك الصفات كانت سريا خلف ذلك الهجوم؟
ان الموساد اشد المنظمات الارهابية وحشية في العالم كله. وهي، ايضا، واحدة من اكبر المنظمات الاستخباراتية المحنكة وأعظمها. ولا توجد دولة من دول الشرق الاوسط فيها منظمة تدانيها في قوتها ومدى نشاطها. وهي تفتخر بأنها مخترقة كل منظمة نشطة فلسطينية او عربية في جميع انحاء العالم. وبمعرفة هذه الحقائق فإنه لاشك انها قد اخترقت بعمق اخطر منظمة ارهابية عربية في العالم، وهي منظمة القاعدة بقيادة ابن لادن.
واضافة الى ذلك فإن المباحث الفيدرالية ووكالة المخابرات المركزية قد ذكرتا بوضوح ان الهجوم على مركز التجارة العالمية والبنتاجون كان عملية سرية كبيرة استخدمت شبكة عالمية مكونة ممن لا يقلون عن مئة ارهابي منتشرين في ثلاث قارات. فهل من المعقول ان يجهل عملاء الموساد في القاعدة وبقية عملائها في شبكتها المكونة من آلاف المخترقين والمخبرين تلك العملية التي هي اكبر عملية عربية ارهابية في التاريخ؟
ان من الصعب جدا، بطبيعة الحال، البرهنة بدقة على دور خفي لمنظمة استخباراتية اجنبية مثل الموساد في عمل ارهابي، ذلك ان رجالها لا يفتخرون ببطولاتهم عبر الانترنت. لكن الدليل القوي على ان الاسرائيليين قد علموا بهجوم الحادي عشر من سبتمبر على امريكا قبل حدوثه يزداد قوة. واذا كان الامر كذلك، وانهم لم يحذروا الولايات المتحدة، فإن هذا يعني انهم لم يشعروا بأي تحفظ في التحريض على هذا العمل الارهابي والمساعدة في التخطيط لتنفيذه من خلال عملائهم المحرضين. ولننظر الى الدليل القوي الذي يشير الى معرفة الموساد بذلك الهجوم قبل حدوثه.
بعد الهجوم على مركز التجارة العالمية بيوم واحد ذكرت صحيفة جيروسالم بوست ان اربعة آلاف اسرائيلي قد فقدوا في ذلك الهجوم، وقد بنت وزارة الخارجية الاسرائيلية ذلك على اساس أقوال اقرباء الاسرائيليين الذين اتصلوا بها في الساعات الاولى بعد الهجوم، واعطوهم اسماء اصدقائهم الاسرائيليين واقاربهم الذين يعملون في المركز المذكور، او الذين رتبوا لعلاقات تجارية فيه او فيما جاوره. وبدون رؤية ما ذكرته تلك الصحيفة فان المنطق وحده يقول: انه كان في المركز مئات، ان لم يكن آلاف، من الاسرائيليين عند مهاجمته.
ذلك ان عمل اليهود في البنوك والمال من الامور الاسطورية، ولهذا فإن المرء يتوقع ان يكون الموتى من الاسرائيليين كثيرين. وهذا ما ظنته الصحيفة. وعندما تحدث الرئيس بوش امام الكونجرس قال: انه قتل في الحادث اضافة الى آلاف الامريكيين مئة وثلاثون اسرائيليا، محاولا اظهار التلاحم بين الجانبين. وبدا هذا العدد القليل مثيرا للدهشة فالمركز ملتقى ومقر لأفراد من علية الناس في امور المال المختلفة. فهل من الممكن ان لا يوجد فيه الا مئة وثلاثون اسرائيليا في حين كان فيه من كولومبيا 199 ومن الفلبين 428؟
وبمزيد من البحث والتدقيق اتضح كما ذكر في نيويورك تايمز ان 129 اسرائيليا من الذين ذكر الرئيس بوش انهم ماتوا في الحادث ما زالوا احياء، وانه لم يقتل الا اسرائيلي واحد. واذا كان ما قيل في بادئ الامر عن مقتل 130 اسرائيليا فقط يجعل من المحتمل ان اعدادا من الاسرائيليين قد حُذروا قبل الهجوم فإن كون الذي قتل في الحادث اسرائيليا واحدا يحتم وجود تحذير سابق لهم.
لقد نشر مقال في Newsbytes التابعة لصحيفة واشنطن بوست عنوانه: «رسالة عاجلة الى اسرائيل تحذر من الهجوم على مركز التجارة العالمية» وأكدت صحيفة هآرتز الاسرائيلية التحذير المسبق لإسرائيل، كما اكدت ان المباحث الفيدرالية تحقق في تلك التحذيرات. ويذكر هذان المصدران ان وكالة Odigo التي لها مسؤولون في المركز المذكور وفي اسرائيل تلقت عددا من التحذيرات قبل الهجوم بساعتين فقط.
وهكذا، يتضح لنا الدليل من مصادر موثوقة ان اسرائيل قد علمت بالهجوم قبل حدوثه، وذلك لسببين: الأول انه بدون تحذير سابق لا يمكن ان لا يكون من بين ضحايا المركز الا ضحية واحدة من الاسرائيليين. والثاني ان هناك تأكيدا واضحا بأن وكالة لها مسؤولون في المركز وفي اسرائيل قد تلقت تحذيرات قبيل الهجوم. من الذي حذر الاسرائيليين من الهجوم ان لم تكن الموساد قد فعلت ذلك؟
ان الحكومة الاسرائيلية قد علمت مسبقا بالهجوم، وحذرت من يحتمل ان يكونوا ضحايا اسرائيليين، لكنها تركت عمدا آلاف الامريكيين يموتون. وهذا يجعل الاسرائيليين مسؤولين عن الكارثة تماما كالعرب الذين قاموا بالهجوم.
ما هو حسن لإسرائيل سيىء لأمريكا
ان من المؤكد ان الفرح قد عمر قلوب الارهابيين الاسرائيليين وهم يرون الدخان يتصاعد من برجي مركز التجارة العالمية. ولقد اعتقلت المباحث الفيدرالية خمسة اسرائيليين فوق سطح عمارة قريبة من البرجين، وهم يصورون بسرور الحادثة كلها. لقد علموا ان معارضة امريكا والعالم لعنصرية اسرائيل، وارهابها ستختفي مع انهيار البرجين. ولعل اجابة نتنياهو الذي يشبه شارون في عنصريته، على سؤال لمراسل نيويورك تايمز تبين هذا الامر ابلغ تبيان، لقد سأله المراسل ماذا يعني الهجوم بالنسبة للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل؟ فقال: «انه جيد جدا. ثم استدرك قائلا: حسنا. ليس جيدا جدا، لكنه سيولد تعاطفا مباشرا مع اسرائيل».
حقا ان اسرائيل هي الدولة الوحيدة التي استفادت من الهجوم على مركز التجارة العالمية. ذلك ان تاريخها الارهابي الممتد خمسين عاما ألقى عليه الستار الرعب العظيم الذي نتج عن الهجوم الارهابي على المركز. وبطبيعة الحال، فإن امريكا هي التي عانت اكثر من غيرها وذلك بمقتل خمسة آلاف من سكانها، وتضرر اقتصادها والتضييق على الحريات الدستورية التي لم ير مثلها في تاريخها. وعملية لافون، والهجوم على السفينة الحرية وتجسس بولارد، ومقتل خمسة آلاف امريكي في الحادي عشر من سبتمبر، كلها حسنة بالنسبة لإسرائيل، لكنها سيئة لأمريكا.
ثم اختتم ديفيد ديوك مقاله بقوله:
متى تدرك امريكا ان ما هو حسن لدولة اسرائيل الارهابية مدمر ومميت لأمريكا؟ ومتى نمتلك قوة لنضع حدا للعملاء الاسرائيليين والخونة الامريكيين الذين جمعوا خلال خمسين سنة بين مساعدة الارهاب الاسرائيلي وخيانة بلادنا؟
ان حياتي مكرسة لامريكا حرة آمنة مستقلة: أمريكا موقوفة لشعبنا ومصالحنا الخاصة، لا لأغراض اجرامية لدولة اجنبية ارهابية. ومهما كانت النتيجة بالنسبة لي فسأواصل هذا الطريق، وإني لأحث كل مواطن ان ينضم الي. اني ارجو ان لا يبحث أي منا عن أمنه على حساب حريته وشرفه.
(1) ما ذكره ديوك عن عدد القتلى هو ما تردد في الأيام الاولى بعد ذلك الحادث.
ويبدو وفق النتائج التي توصل اليها حتى الآن ان العدد الحقيقي لا يتجاوز نصف العدد المذكور. وربما كشفت الوثائق مستقبلا ما ليس في الحسبان عن ملابسات تلك الجريمة.
|