Saturday 26th January,200210712العددالسبت 12 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

إلى صاحب السمو الملكي الأمير نايف
د. عبد الرحمن عبد اللّه العتيبي*

أطرح هنا ملخصاً للوثيقة «الخطة» الإعلامية التي تم إعدادها «في أكثر من 60 صفحة» ورفعها إلى صاحب السمو الملكي الأمير نايف بصفته رئيس المجلس الأعلى للإعلام منذ تسع سنوات تقريباً .. وذلك حول بداية الاتجاهات السلبية للتقارير الإعلامية وما ينبغي أن يكون في دائرة الاهتمام المباشر للسعودية ليس فقط التأثير الفوري لأي مقالات سلبية على اقتصادها .. وإنما التطور السلبي لكيفية فهم العالم الإسلامي والمملكة العربية السعودية في الصحافة الغربية. وأن ذلك ناتج في أغلبه عن الجهل وليس المؤامرة من جانب الإعلام الغربي ضد السعودية. وقد جاء في نص الوثيقة ما يلي:
تتغير البيئة الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية العالمية بسرعة مذهلة، وتتضاءل الحواجز التي تتحكم في حرية تدفق المعلومات سواء كانت طيبة أو سيئة بسرعة كبيرة مع بداية عصر الإرسال عن طريق الأقمار الصناعية . وقد تزايدت إلى حد كبير أهمية الإتصال لأن الإعلام عبارة عن قوة في ضوء حقيقة أن كل دولة كبرى تحاول بالوسائل الحصيفة وغير الحصيفة التأثير على تفكير بقية أجزاء العالم. وإذا أرادت دولة أن تنجح في تحقيق أهداف سياستها الخارجية ينبغي عليها أن تقنع الأجانب وأن تنظر بعين الجد لوجهة نظرها . وهناك احتمال كبير في تحقيق ذلك إذا توفر للدول الأجنبية وشعوبها مفهوم جيد عن الدولة المعنية وشعبها وقيمها وتقاليدها ومعتقداتها.
وهكذا لعب الرأي العام الأمريكي دوراً كبيراً في التأثير على الحكومة الأمريكية في إنهاء الحرب الفيتنامية، حيث أن الرأي العام نفسه في الولايات المتحدة والرأي العام في أوروبا الغربية يستطيع ممارسة الضغط على الحكومات الغربية لإسداء مساعدة فعالة للمسلمين في البوسنة طالما كان الرأي العام الأوروبي وفي أمريكا الشمالية مؤيدا للإسلام.
لقد كانت النتائج من دراسة الصورة العالمية التي أجريت لصالح دول مجلس التعاون الخليجي في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية في عام 1980م سيئة للغاية لدرجة أنها ظلت سرية في طي الكتمان . ولم تكن نتائج تقرير «سوفرز» حول البحث الذي أجري في الفترة من 20 إلى 26 يناير 1984م لمعهد العالم العربي في فرنسا أفضل من ذلك بكثير. وكل هذا يؤثر بصورة مباشرة أو غير مباشرة على المملكة العربية السعودية .
كما أكد تقرير «ماك برايد» المقدم لمنظمة اليونسكو حول النظام الإعلامي العالمي على ذلك وذكر بوضوح أن وسائل الإعلام الرئيسية «غالبا ما يملكها الغرب» قد أصبحت أقوى الوسائل في رسم الصورة العامة في العالم الآن . ووسائل الإعلام اليوم هي أكبر قوة في تغيير المفاهيم وتحويلها إلى واقع لا مناص منه بغض النظر عن دقة المفاهيم الأصلية، وعلى عكس ما قد يتصور البعض فهذه ليست مؤامرة موحدة من جانب الإعلام الغربي ضد المملكة العربية السعودية .. بل هذا ما ينتج دائما عن الجهل . وعلى سبيل المثال حتى عام 1985م لم تعقد ندوات عن العالم العربي وخاصة المملكة العربية السعودية في المركز الأوروبي لتخريج الصحفيين في فرنسا .
وفيما يتعلق بالاهتمام الفائق الذي تستحوذ عليه وجهة النظر الإسرائيلية في أوروبا الغربية والولايات المتحدة فإن إسرائيل تستفيد من الشعور بالذنب والتعاطف معها بسبب الحرب العالمية الثانية وقد سارعت إسرائيل باستثمار هذه المشاعر عن طريق الترحيب بالمراسلين الأوروبيين والسائحين من أوروبا الغربية .
هذا علاوة على الميزانية التي تخصصها إسرائيل سنويا للإعلان والتي تصل إلى 840 مليون دولار سنويا «عدد سكان إسرائيل 2.4 مليون نسمة» ، وتخصص نسبة كبيرة من هذه الميزانية للإنفاق في الغرب لأهداف تكوين صورة لها مباشرة أو بشكل غير مباشر من خلال الخطوط الجوية أو برامج التنشيط السياحي أو من خلال مشروعات أخرى .
أما المملكة العربية السعودية فتنفق سنويا 227 مليون دولار على الإعلان مع أن عدد سكانها 17 مليون نسمة . كما أن إجمالي إنفاق الوطن العربي سنويا يبلغ 700 مليون دولار أمريكي في مجال الإعلان والدعاية وعدد سكانه يزيد عن 150 مليون نسمة . ونجد أن نصيب الفرد في إسرائيل من الإنفاق على الإعلان والدعاية يبلغ 200 دولار أمريكي بينما في حالة السعودية يبلغ 4.13 دولار ويبلغ 6.4 دولار للفرد في الوطن العربي كله.
كما أن إسرائيل ترحب بالصحفيين والمراسلين من الغرب بينما هؤلاء المراسلون لا يقومون إلا برحلات وزيارات قصيرة للمملكة العربية السعودية.
وما ينبغي أن يكون في دائرة الاهتمام المباشر للسعودية ليس فقط التأثير الفوري لأي مقالات سلبية على اقتصادها من حيث قيمة الريال بل التأثير المائل إلى السلبية لهذه المقالات على المجتمع السعودي بصفة عامة . ومن المؤكد أنه إذا استمرت الاتجاهات الحالية للتقارير الإعلامية عن العالم الإسلامي والمملكة العربية السعودية في الصحافة الغربية دون توقف، فقد يكون لذلك عواقب وخيمة مما يعطي مصداقية ودرجة من الصحة لرأي رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد بأن الإسلام سوف يكون الهدف القادم للغرب عقب انهيار الشيوعية وانتهاء الحرب الباردة .
ومن ضمن أسباب ذلك الاهتمام الزائد من الصحافة الغربية بالأعمال المتطرفة التي يقوم بها حفنة قليلة من المسلمين الذين دفعوا العالم غير الإسلامي إلى الاعتقاد بأن الإسلام يحض على العنف مع أن هذا في الواقع انحراف عن روح الإسلام.
لقد تم تصوير العرب في القرنين السابع والثامن إبان العصر الصليبي على أنهم نبلاء وشجعان ويتمتعون بحضارة وثقافة متقدمة .
وقد تحولت صفات النبل والشجاعة إلى الكسل والخمول خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بهدف تبرير الحروب الاستعمارية . ولكن تحويل صورة العرب من النبلاء الشجعان إلى كسالى قد استغرقت عدة قرون .
وقد أدت هذه العملية المستمرة التي تركزت بوسيلة أو بأخرى على مختلف النماذج العربية من حيث صورتها في الغرب إلى تصوير هذه النماذج على أنها إرهابية وأولها الفلسطينيون ثم اللبنانيون والمهاجر الفقير والأمير الغني بآباره البترولية كما صورت صحيفة «صنداي تايمز» في مقالتها عن السعودية بتاريخ أغسطس 1993م .
وأسوأ تطور سلبي عن كيفية فهم العالم الإسلامي في الصحافة الغربية هو الذي يجب أن يكون محل اهتمام كامل من المملكة باعتبارها راعية وحامية الحرمين الشريفين هو التغيير الحثيث في الأسلوب الذي تم به تصوير الإسلام في الثمانينيات أولا باعتباره درعا ضد الشيوعية أما الآن فقد أصبح يصور على أنه خطر على السلام العالمي .
وقد أصبح التخويف من الإسلام صرعة في الصحافة الغربية خلال السنوات العشرة الأخيرة. وقد بدأ تصوير العدو الجديد المحتمل على أنه هو العالم الإسلامي عقب اختفاء الستار الحديدي «الشيوعية» مما يؤكد ما يفكر به رئيس الوزراء ماهتير محمد .
وليست مقالة مجلة إكسبريس الفرنسية المنشورة بتاريخ 29 أبريل عام 1993م عن الإسلام إلا مثالا ضمن العديد من المقالات المماثلة .
ورغم أن الأصولية المتطرفة لا تمثل العالم الإسلامي برمته وإذا كان هذا هو الجانب الوحيد الذي تصوره الصحافة الغربية من الإسلام فإن هذه التغطية القاصرة تخلق خوفا زائفا قد يتحول إلى واقع وحقيقة .
فإذا كتبت الصحافة الغربية يوميا عن حوادث القطارات في العالم فلن يركب أي شخص غربي قطارا بعد ذلك لأنه رغم اهتمام الصحف في هذه الحالة بحوادث القطارات بالمقارنة بمئات الألوف من القطارات التي تصل في موعدها سالمة يوميا فهي لا تركز التغطية الصحفية في مجال القطارات كما ينبغي بل تقصر هذا التركيز على الحوادث .
وفي هذا الصدد يلاحظ أن التغطية الصحفية لكل منطقة ترتكز في نماذج معروفة كالتالي:
أوروبا الشرقية القديمة = انهيار اقتصادي.
الكمنولث المستقلة = فوضى وتفكك .
أفريقيا = كوارث طبيعية وحروب قبلية .
آسيا المحيط الهادي = طفرة، القوة الاقتصادية الجديدة في العالم .
الولايات المتحدة = رجل الشرطة العالمي .
أوروبا الغربية = تفاوض لإيجاد دور عقب انتهاء الفترة الاستعمارية .
الشرق الأوسط = النزاع العربي الإسرائيلي الحروب الأهلية اللبنانية والأصولية الإيرانية.
المملكة العربية السعودية = كل شخص فيها شيخ صاحب بترول .
ولم تخصص مساحة حقيقية لإيضاح وإلقاء الضوء على المجتمع السعودي الحديث وعاداته وقيمه وتقاليده، ومعتقداته وآماله والواقع الاجتماعي الاقتصادي فيه والتنمية الإيجابية الجارية .
ومن كل ما تقدم يتضح تزايد الحاجة إلى إنشاء مؤسسات ثقافية سعودية في الخارج مثل «معهد العالم العربي» في باريس ومكاتب العلاقات العامة الذكية على غرار مجلس هونج كونج .
وبناء عليه فإن المقترحات الواردة في هذه الوثيقة هي إلى حد ما سباق ضد الزمن. ولتحقيق ذلك نقترح ما يلي:
تحليل ودراسة الاتجاهات في وسائل الإعلام العالمية والمصادر المحتملة لجميع المقالات والأخبار في وسائل إعلام الدول الكبرى حول السعودية والإسلام لأن هذا أمر حيوي .
استخدام ما بين 50 و250 شخصية إعلامية رئيسية حتى يبدأون في الاهتمام بالسعودية وينظرون إليها بنوع من التعاطف والتفهم لأن هذا أمر حيوي إذا أردنا وضع حد للتعليقات السلبية المضللة عن المملكة في الصحافة الغربية بما في ذلك البرامج العربية في هيئة الإذاعة البريطانية .
الحاجة إلى تسريب مقالات مواتية وأفلام ...الخ حول المملكة بأسلوب حصيف وهو أمر حيوي أيضا.
وعلاوة على ما تقدم نقترح أيضا إنشاء بنك معلومات أو بيت خبرة لتناول مشكلة الإتصالات بين الغرب والمملكة العربية السعودية وقيادتها ونقترح تحديد فكرة مظلة اتصالات دولية للمملكة والإسلام بصفة عامة تعمل في إطارها كل مبادرات الإتصال والإعلام الموجه إلى الأجانب لتطوير فهم أفضل وتفهم مواتٍ عن المملكة وشعبها وقيمها وتقاليدها وقيادتها .
ويمكن أن تتألف هذه اللجنة من شخصيات غربية مثل بول بالتا بمؤسسة سي.إي.أو.سي «مركز الدراسات الشرقية المعاصرة» والشاذلي القليبي الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية ومارسولونج نائب رئيس مجلس الدولة الفرنسي وإدوارد سابليه والأمير تشارلز وشخصيات يابانية وأمريكية مختلفة وسفراء المملكة في واشنطن ولندن وطوكيو .
كما نود أيضا تكوين بيت خبرة يتألف من مفكرين إعلاميين خلاقين أمريكيين على غرار من تستخدمهم شركة كوكاكولا مؤخرا، مثال بيتر دراكر وتيد ليفيت خبير التسويق بجامعة هارفارد والباحث المتخصص آرثر نلسن وكذلك مايكل أوفيتنز بوكالة هوليود للفنانين.

* قسم الإعلام جامعة الملك سعود

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved