Thursday 24th January,200210710العددالخميس 10 ,ذو القعدة 1422

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لبنان والمنعطف الكبير
عبدالكريم العفنان /بيروت

يصعب في الحياة السياسية المعاصرة الفصل بين الاقتصاد والسياسة. إذ تُسخَّر السياسة لخدمة الاقتصاد، والاقتصاد لخدمة السياسة، وبالتالي فإن أي حدث اقتصادي يمكن قراءته من زاويتين: الأولى اقتصادية والثانية سياسية. وهذا هو حال اتفاقية الشراكة الأوروبية المتوسطية التي وقعها لبنان مع الاتحاد الأوربي الخميس الماضي في بروكسل في أجواء توحي بأن لبنان أمام نقطة تحول كبيرة في تاريخه المعاصر.وقبل أن نتناول مدى أهمية اتفاق الشراكة الأوربية المتوسطية الذي وقعه لبنان لابد من التوقف عند مفهوم الشراكة نفسه. تعود إلى عام 1989م، أما تطبيق هذه الفكرة فيعود إلى عام 1995 عندما اجتمعت دول الاتحاد الأوربي والدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط من الجهة المقابلة في برشلونة لوضع الخطوط العريضة لاتفاقية الشراكة الأوربية المتوسطية، وأما الهدف من هذه الاتفاقية فكان تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول الأوربية والدول المتوسطية على قاعدة الاستفادة المشتركة، فالدول الأوربية تسعى للاستفادة من الموقع الاستراتيجي للدول المتوسطية بالإضافة إلى الموارد الطبيعية والحد من هجرة اليد العاملة، أما الدول المتوسطية فتسعى للاستفادة من الاسثمارات والمشاريع الاقتصادية الضخمة التي يمكن أن تقيمها الدول الأوربية على أراضيها.كما أن للاتفاقية أبعاداً سياسية وأمنية، ذلك أن أوربا، وبعد الأحداث التي حصلت في أوربا الشرقية مع بداية التسعينات، أصبحت أكثر حرصاً على تأمين نوع من الاستقرار والسلم في المناطق المجاورة لها خشية وقع هزات سياسية وعسكرية قد تؤثر على أمن وسلامة أوربا، ولذلك فإن أوراق اتفاقية برشلونة لم تخلُ من بعض النقاط السياسية والأمنية وحتى الاجتماعية.واليوم، يوقع لبنان هذه الاتفاقية املاً أن تساعده على حل مشكلاته الاقتصادية الخانقة، ومن هنا تأتي الأهمية المميزة التي يخصها المسؤولون اللبنانيون لهذه الاتفاقية، ففي الجانب الاقتصادي يسعى لبنان للاستفادة من:
الاستثمارات الأوربية التي من المتوقع أن تفد الى لبنان.
فتح الأسواق الأوربية أمام المنتجات اللبنانية ولا سيما المنتجات الزراعية.
الاستفادة من الإعلانات والمساعدات والقروض التي سيمنحها الاتحاد الأوربي للبنان بعد توقيع الاتفاقية.
الاستفادة من النظم الاقتصادية الأوربية المتطورة.
وقد وصل الحماس لهذه الاتفاقية حداً وصف فيه الرئيس رفيق الحريري الاتفاقية بأنها«مسألة جوهرية لأنها ستفتح المجال أمام لبنان» وزاد على ذلك أن«اتفاقية الشراكة ستجعل لبنان عملياً كأنه قطعة من أوربا من الناحية الاقتصادية». وبالرغم من الاحتفالية التي ترافق الاتفاقية والأحاديث المسهبة حول مزايا الاتفاقية والتأثيرات الإيجابية التي ستمارسها على الحياة الاقتصادية اللبنانية، إلا أن هناك من يقلل من أهميتها ويتهم الحكومة اللبنانية بالمبالغة في وصف المكاسب التي سيحصل عليها لبنان من الاتفاقية. ويستند هؤلاء في عدم تفاؤلهم إلى السرية التي تحاط بها حيثيات الاتفاقية وعدم جاهزية لبنان من الناحية التنظيمية والإدارية لهذه الاتفاقية ناهيك عن الضغوطات التي قد يتعرض لها لبنان من الدول الأقوى منه اقتصادياً والتي قد تؤدي إلى سيطرة هذه الدول علي الاقتصاد اللبناني، يضاف إلى ذلك الخسائر التي قد تتعرض لها وزارة المالية نتيجة خفض الضرائب على بعض السلع، أما القروض الاقتصادية والمالية التي يقدمها الأوربيون فإنهم سيقدمونها بحيث تخدم اقتصادهم أكثر مما تخدم اقتصاد لبنان.ولكن، وبكيفية عامة، وبالرغم من الخشية التي يبديها البعض من توقيع الاتفاقية فمما لا شك فيه أن هذه الاتفاقية ستعود على لبنان بالازدهار الاقتصادي والاستقرار، وإن كان مقدار ذلك الازدهار وهذا الاستقرار غير معروف، فالاتفاقية هي خطوة هامة بالنسبة لاقتصاد دولة تعاني من مشكلات بعضها لا يجد حلاً حتى في الأفق. وبالرغم من أن الاتفاقية اقتصادية وتجارية في جوهرها، إلا أن لها أبعاداً سياسية، فالاتفاقية تعني أن الدول الأوربية تأخذ بعين الاعتبار الموقف اللبناني الرافض عد حزب الله شكلاً من أشكال الإرهاب، وهذا واضح من القائمة التي أصدرها الاتحاد الأوربي للمنظمات والأحزات الإرهابية والتي خلت من اسم ذلك الحزب الذي تعتبره أمريكا منظمة إرهابية. وعلى ذلك فإن الاتفاقية ستضمن للبنان دعماً أوربياً لمواقفه في وجه الموقف الأمريكي المتعاون بشكل كامل مع إسرائيل التي لم تستكمل انسحابها من الأراضي اللبنانية التي تحتلها.وإذا كان إنجاح أي اتفاقية مرهونا باستعداد الفريقين لإنجاحها، فإن إنجاح اتفاقية الشراكة الأوربية المتوسطية يتطلب تنظيم شؤونه وتقديم برامج وخطط وسن قوانين تواكب حالة المنافسة التي سيدخلها لبنان مع شركائه الأقوياء، ولذلك لابد من أن يعمل لبنان أيضاً على إزالة كل الصعوبات والعوائق التي تمنعه من الاستفادة قدر الإمكان من هذه الشراكة وهذا طبعاً ليس بالأمر اليسير.

karim@postmaster.co.uk

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الرئيسية]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىmis@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved