استقراء الأحداث والتعامل الواقعي والبرغماتي مع المتغيرات الدولية دفعت العديد من الدول إلى المبادرة لالتقاط الإشارات التي توجه لها من بعض القوى الدولية المؤثرة وتتعامل معها إيجابياً لتجاوز إشكاليات وأزمات ظلت تبحث عن حلول تعثرت بسبب تعنت الأطراف المحلية وتدخلات إقليمية، وانشغال القوى الدولية بقضايا أخرى، إلا أن أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر وما أعقبها من الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب والتي فرضت على أمريكا كسب حلفاء جدد وتصفية بؤر الأزمات الإقليمية لتجفيف منابع الإرهاب، ومنها الحركات الانفصالية، جعلت واشنطن تتحرك بجدية لإشراك لاعبين دوليين آخرين لتحريك ملفات إقليمة ظلت غائبة، أو تركت لجهود القوى الإقليمية التي أفشلت مصالحها كل محاولات الحل السابقة.
من هذه الملفات الإقليمية التي ظلت أزماتها عاصية على الحل لتضارب مصالح وتدخلات الوسطاء الإقليميين الحرب في جنوب السودان التي كانت من أهم أسباب صعوبة معالجتها تدخلات جيران السودان من جهة الجنوب وبالذات أوغندا وكينيا وإثيوبيا وإرتيريا إذ أدت تدخلات ودعم هذه الدول للمتمردين وتوظيفهم خدمة لمصالحها أو للضغط على السودان ومقايضة ذلك التدخل مقابل وقف الدعم المضاد وغيره من المصالح السياسية الأخرى إلى إفشال كل مبادرات «الإيجاد» وغيرها من المبادرات.
ومع أن الولايات المتحدة الأمريكية كان لها جهود ورغبة في تحقيق حل في السودان، إلا أن هذه الجهود أصبحت عملية وأكثر جدية، والأهم من ذلك اقتربت من الحيادية، بعد أن وضحت حاجة واشنطن إلى حلفاء في معركة مواجهة الإرهاب، وهكذا استعانت بالحليف الأوروبي سويسرا حيث أنتج هذا التعاون اختراقاً كبيراً في مسيرة إعادة الهدوء والاستقرار لجنوب السودان وإنهاء الحرب الدائرة هناك منذ عام 1983م والتي ذهب ضحيتها أكثر من مليوني قتيل.. حيث نجح الأمريكيون والسويسريون في إقناع الحكومة السودانية والمتمردين الانفصاليين في جنوب السودان لتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بمنطقة جبال النوبة لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد.
الاتفاق مرحلة أولية يرى كثير من المتابعين لأوضاع السودان أنه سيمهد لاتفاقات أخرى خاصة إذا صمد وتجاوز محاولات التخريب التي عادة ما تأتي من جيران السودان.
|