* * كلنا نحلم باتساع هامش الحرية..
لكن إلى أي مدى تختلف أحلامنا..
وإلى أي مدى نحن نختلف حول مفهوم الحرية.. أساساً.. وفق ثقافتنا ووفق توجهاتنا.. ووفق البنية التحتية التي ننطلق منها في رؤانا وأفكارنا.. وفي الإعلام بالذات..
تكبر الطموحات وتتسع آفاقها وتظل تناشد وتجاهد من أجل أن توفر هامشاً معقولاً من الحرية يمكن للمبدع أن يناقش فيه ويطرح ويعالج ويتنفس.
وفي هذا السياق طرح التلفزيون السعودي وبالتحديد في برنامج «لقاء المساء» موضوع «الإعلام والأزمات».
وتحدث المنتدون حول الإعلام العربي في الأزمات ومدى تجاوزه لعجزه وتخلفه وسعيه للحاق بالإعلام الغربي التحليلي والمؤثر والموجه بسياسات تأثيرية عالية التقنية يحاول الإعلام العربي اللحاق بها!
* * وهامش الحرية كان يبرز بقامته الطويلة كلما حاول المتحاورون الفكاك منه!
وقد أحدثت مداخلة محي الدين اللاذقاني الإعلامي اللندني صمتاً موارباً وتساؤلاً غريباً حين قال في آخر كلماته.. برامج الحوارات الممتلئة بها فضائيات العرب هل تعني أن هناك انفتاحاً ثقافياً وهل تعني ان هناك حرية إعلامية والبرنامج هذا الذي تتحدثون فيه كم من الدوائر الحمراء تحيطكم.. وماهي حدود المساحة المسموح فيها للحوار.. بل أنه تجاوز ذلك للقول بأنه حتى هذه المداخلة مرتب لها ومعد وكأن محي الدين اللاذقاني يود أن يوحي للناس بأنه خرج بهذه التساؤلات عن سياق السيناريو المعد مسبقاً والمتفق عليه!
وقد بدا الإحراج على مقدم البرنامج د. البشر.. وثارت تساؤلات صامتة من د.علي القرني والاستاذ حسن الخليل ضيفا البرنامج.
والغريب ان إعلامياً كبيراً مثل اللاذقاني لا يحتاج إلى مزيد من الدعاية لنفسه لكي يقول ما قال ويظهر وكأنه المارد المتمرد على القمقم..
وليس هو أيضاً بحاجة إلى استثارة الرأي العام واستعدائه ضد التلفزيون السعودي وكسب مصالح شخصية له ولتلفزيونه (ANN).
* * لكن التساؤل عن ماذا يبحث التلفزيون السعودي في مثل هؤلاء إن اعلاميينا المخضلين بالخبرات الميدانية كرؤساء تحرير الصحف حتى وإن لم يكونوا من حملة (دال وأخواتها) هم أقرب وأكثر صدقاً من غيرهم.
ويستعان بهم في برامج حوارية وساخنة في فضائيات متعددة ولدينا إعلاميون سعوديون في مواقع خارجية ولهم احتكاكهم القوي بالإعلام الغربي ولديهم خلفية واضحة عن الرؤى الإعلامية المتنوعة.
* * في مسألة «هامش الحرية» لا نحتاج إلى اللاذقاني وغيره لكي نتعلم كيف نوجده.
هامش الحرية يحتاج إلى منهجية تأسيسية تتبناه مؤسسات التربية بدءاً من المسجد ثم المنزل ثم المدرسة بوسائطها التربوية من معلم يترك مساحة الحرية لتلاميذه لكي يقولوا ما يريدون دون أن يجرحوا أو يصادروا الرأي المخالف.. ونحتاج إلى بناء قاموس لفظي راق يعتمد على أسس الاختلاف والجدال القرآني الممنهج ويبتعد عن البذاءة اللفظية وحينها فان هامش الحرية سيتوفر وسينمو متضامناً مع النمو الأفقي والعمودي للمجتمع ولن يتأخر ويتخلف عن الركب.
ونحن الآن وفي ظل عدم التأسيس الممنهج للغة الحوار وقبول الرأي الآخر المضاد والمصادرة وتدني مستوى اللغة الحوارية لا وسع لنا باحتمال مايؤدي السمع من طعن وشتائم وقائمة مثقلة بالاتهامات يتبادلها الناس باسم هامش الحرية.
* * وكلمة أخيرة لابد أن نوقن فيها قبل وبعد الحديث عن هامش الحرية الذي يتسع ويتقلص حسب المستجدات ومصالح الأمة العليا.
فالحرية التي تلوح بها امريكا وإعلامها كورقة رابحة لا تسقط أبداً.. ضاق هامشها وتقلص في أزمة الصراع مع ابن لادن حتى منعت المحطات من بث رسائل ابن لادن.. واقتطع جزء هام من حديث سمو الأمير بندر بن سلطان حين تحدث عن فلسطين وضرورة القضاء على الإرهاب الممارس ضدها اسوة بالقضاء على الإرهاب العالمي. وهناك جمعيات وأحزاب يهودية تملك حصانة إعلامية فيمنع منعاً باتاً المساس بها أو الحديث عنها بما هو سلبي.مساحة الحرية هي مصالح عليا تقرها الدولة لحماية الأمن السياسي والأمن الفكري والأمن الأخلاقي وتتضامن فئات المجتمع معها حماية للأخلاقيات والأرواح وسلامة وصفاء الأفكار.
واذا كانت الحرية تحمي هذه المقدرات وتصنع لها مناخاً إيجابياً لكي تنمو وتتخلص من سلبياتها فهي الحرية الحلم التي حتماً سنتفق على حدودها سيان إن ضاقت أو اتسعت.
|