يا لهذه الحياة! كم تُنسي الإنسان نفسه وكم تنسيه واجباته ومسؤولياته تجاه من هم حوله وحقوق نفسه عليه!
يا لهذه الحياة! كم تجعل هذا الإنسان يركض ويلهث ويعطي ويضحّي ومع ذلك يستكثر على نفسه أموراً هو أحق الناس بها وأحوج الناس إليها وإلى معرفتها والعمل بها!
فمن هو ذلك الإنسان ان لم يكن انت؟ بكل ما فيك من لحم ودم وبكل ما تحتويه من مشاعر وأحاسيس؟ وبكل ما أنت في حاجه إليه من رضا ربك عليك واحساسك بمدى حاجتك لدمعة صادقة تُشعرك بتقصيرك تجاه ربك ووقفة صادقة تعيدك إلى رشدك وتشعرك ان الحياة لها معنى وانك بقدر ما تأخذ لابد ان تعطي وقناعاتك الأكيدة أنك بحاجة لرصيد كبير جداً تستطيع ان تلاقي به وجه ربك مما يشعرك بالرضا عن نفسك ويجعلك سعيداً مع نفسك.
اشياء كثيرة ربما نحن بحاجة ان نعيها جيداً ونتعامل بمقتضاها.
ولعل اولها ان نعرف من نحن بالنسبة لانفسنا وماذا نعني بالنسبة لغيرنا وماذا نشكله بالنسبة لحياتهم. أفلا وددت يوماً أن تسأل شخصاً ما بعينه وتقول له «من أنا بالنسبة لك؟».
يا الله! كم نحن بحاجة ماسة لوقفة صادقة وصريحة مع انفسنا لنخاطب منها أنفسنا، نخاطب فيها ذلك الإنسان الذي يسكن قلوبنا وعقولنا برضاها! ذلك الإنسان الذي كثيراً ما ارهقنا حبه واتعبنا التفكير فيه. ذلك الانسان الذي كثيراً ما تسبب في انزال دمعتنا، ذلك الإنسان الذي تعلقنا به واصبح جزءاً لا يتجزأ من حياتنا التي لم يعد لها معنى أو طعم من وجوده فيها!
ذلك الإنسان الذي قد يكون ابناً لم يعرف بعد مدى خوف والديه عليه أو حبيباً مازال بحاجة لوقت كبير ليدرك مقدار مكانته الكبيرة لدينا وحبنا الشديد له، ذلك الحب الذي كثيراً ما أتعبنا وأشقانا وذلك الحب الذي كثيراً ما كشفنا امام انفسنا وجعلنا نعرف حقيقة انفسنا واننا اضعف مما كنا نتصور، ذلك الحب الذي اوضح لنا بجلاء ان بداخلنا قلباً حياً ينبض بالمشاعر الصادقة ويخفق بالاحاسيس الشفافة المرهفة.
انت بالذات ينبغي ان تدرك بوضوح كل هذه الاشياء الجميلة بداخلك وفيمن حولك لتُسعد من هم بحاجة إليك وترسم البسمة على شفاههم ولا تتجاهلهم وكأنك لا تعرفهم أو تنساهم وتتشاغل بغيرهم بينما هم أولى الناس بحبك ورعايتهم وحنانك وعطفك.
انت بالذات يفترض ان تعرف ان هناك من يحبك بعمق وصدق مهما كان بعيداً عنك ويخاف عليك أكثر من خوفه على نفسه، ومن هو على استعداد للتضحية بكل شيء غالٍ لديه من اجل ان يظل معك وان يُسعدك.
ولا تعتقد ان هذا قاصر على فئة واحدة من فئات المجتمع بل قد تجد هذه الفئة الفريدة الرائعة ممن يحب بصدق قد تجدها في تلك الأم الحانية وذلك الأب الحريص وذلك الانسان الحبيب الذي ربما احبك بجنون دون ان تدري انت بذلك.
ان السعادة يا أخوان ويا أخوات ليست بارتباط وثائقي مكتوب ومصدّق من جهة رسمية أبداً! فكم هناك اناس كثيرون يعيشون معنا تحت سقف واحد ومنذ سنين عديدة ومحسوبون علينا، ومع ذلك لا تشعر نحوهم بتلك العاطفة الجياشة وبتلك المشاعر المتأججة التي نشعر بها تجاه غيرهم ممن هم خارج هذا السقف ممن غيروا مجرى حياتنا واحالوها حديقة غناء محاطة بالورود والزهور وممن فتحوا لنا أبواب قلوبهم فشعرنا بالسعادة ترفرف علينا ولا نعرف كيف نحتويها وجعلونا نستمتع بها كما لو كنّا نراها أو نسمع بها لأول مرّة.
نعم قد يعيشون معنا وقد يحسدنا غيرنا على ما نحن فيه ولكنهم قد لا يعلمون ان السعادة بالتقاء الأرواح وليست باجتماع الاجساد ولكنها على أي حال حياة تمضي وأناس تعيش وحب يدفن بداخلنا ومشاعر صادقة لا تجد من يقدرها أو يتفهمها ويحتويها ويخاف عليها فهل نكون كغيرنا؟ هل نقتل هذا الحب الطاهر الصادق بقلوبنا وهل نخسر أقرب الناس لنا فقط لأن الحياة اصبحت مادية وان الناس تغيروا؟ وهل نتخلى عن اعز ما نملك ونقتل أمانينا الحلوة بأيدينا؟ اذن ماذا تركنا لغيرنا ممن لايفهمون لغة المشاعر الحلوة الصادقة ولايقدرون معنى الحب الحقيقي بكل أبعاده السامية ومقاصده النبيلة.
ولذلك فانت بالذات مهما حدث لك ومهما حدث بيني وبينك ومهما حاولت ان تخاصمني وان تطلب مني ان اقاطعك، ومهما حاولت ان تدوس على قلبك وتدعي انك نسيت اجمل ما كان بيننا واروع ما كان يربطنا تأكد أنك سوف تجدني اتقرب منك ولو مع نفسي، وسوف تجدني أُراضِيك مهما كانت أراضيك بل وادعو الله ان يحفظك ويبقيك لان هناك رابطاً قوياً مازال يربطني بك، وان كنت لم تعرفه بعد، فابحث عنه وان لم تجده فابتسم وحينئذ سوف تعرف هذا الرابط بل ولا تستغرب حينها اذا وجدت اكثر من رابط لان ما جمعني بك وما قربني بك اشياء كثيرة لا استطيع حصرها بدليل حتى وانت بعيد عني الآن اكتشف فيك اشياءرائعة اشياء لا يمكن ان اعبر عنها سوى انها لطيفة لا ينبغي ان تنسى! أيعقل ذلك.
انها تجارب يمر بها كل منا ولكن ينبغي أن تُعرّفنا بأنفسنا ومن نحن بالذات كي نرتاح وتذوب بيننا الحواجز والفواصل وتُرفع بيننا الكلفة ونشعر اننا قريبون أكثر من بعضنا نخاطب بعضنا دون حرج أو تردد أو إساءة منهم مهما كانت درجة حساسية الموضوعات التي نتحدث عنها لاننا نخاطب انفسنا، أليس كذلك.
ان هذا هو ما نريده فعلاً في كل علاقتنا الاجتماعية مع اسرنا وابنائنا واحبائنا واصدقائنا وان كانت النسب متفاوتة بالطبع من علاقة لأخرى . وأنت أدرى.
همسة:
أنت بالذات..
من دون كل البشر..
لستَ في حاجة..
لأن تشرح..
ظروف عتابك لي..
أو خلافك معي..
أو بُعدك عني..
وكأنني أعرفك لأول مرّة!
وكأنني أنتظر سماعها منك..
بفارغ الصبر!
***
أنت بالذات..
لست في حاجة..
لأن تبرِّر موقفك معي.
وكأنك أخطأت في حقي!
أو وقفت يوما ضدي..
كي لا أغيِّر رأيي فيك..
حسب ما تظن..
وكي لا أسيء فهمك..
كما قد تعتقد..
***
انت بالذات..
لست بحاجة..
لأن تعتذر لي..
عن أشياء لم ألتفت اليها..
عن اشياء لم افكر بها..
فأنت لست بحاجة لكل ذلك..
***
أنت بالذات..
كل ما عليك أن تقوم به..
هو أن تقول لي..
كل ما في نفسك..
دون أدنى تردّد..
أن تتلفظه بشفاهك..
دون أدنى حرج..
وسوف تراني طوع أمرك..
ألبي لك ما أريد..
***
وصدقني..
ودون أدنى مجامله..
دون أدنى مبالغة..
سوف أفهمه فوراً
سوف اقدِّره..
سوف أعرف مدى حاجتك له..
وسوف لا اسألك عنه..
أو أجادلك فيه..
أو أفاوضك عليه..
***
لأنك بالنسبة لي
شيء آخر.. مختلف!
ويكفي ان تعرف..
أنك انت بالذات..
ومن دون كل الناس..
من حقك ان تقول لي..
ما لايحق لغيرك قوله أمامي!
وان تفعل بي..
ما لا يحق لغيرك فعله معي!
***
لانك تعرف..
أكثر من غيرك..
مدى ثقتي الكبيرة بك..
وراحتي المتناهية معك..
ورغبتي الشديدة..
في أن أكون نفسك..
وأن أكون لك وحدك..
وان أظلّ مصدر سعادتك..
وعنوان ابتسامتك
وراحتك من ألمك..
أبعده الله عنك..
وأراح قلبك..
بنور الإيمان وطاعة الرحمن..
***
ولأنك تعرف..
مدى حبي لك
ومدى اعجابي بك
***
ولانك تعرف ايضاً
ان ما سوف تقوله لي..
مهما كان قاسياً..
ومهما كان في غير مكانه..
أو في غير وقته..
تعرف كم سأتقبله منك..
بصدر رحب..
وكيف سأفسِّره..
بل وكيف سأشكرك عليه!
***
لأنني سوف اشعر حينها..
فعلاً.. لا ظناً..
كم هي مكانتي لديك..
وكم هي ثقتك بي..
وكم هو حبك..
فهل عرفت الآن..
لما أنت بالذات؟
***
وأرجوك..
لا تقل لي بعدها...
لم أعرف بعد..
وأحتاج المزيد
لأنك حينها..
تستحق الخنق!
بل والذبح أيضا!
|