أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 7th May,2001 العدد:10448الطبعةالاولـي الأثنين 14 ,صفر 1422

مقـالات

الشداد والطائرة
زهير إسماعيل الحافظ
زار أحد العرب صديقاً له في باريس، وكان هذا الأخير هو وزوجته مولعين بالتحف والآثار وكل ما هو قديم وتاريخي، لذلك أحضر العربي معه هدية لصديقه الفرنسي وكانت عبارة عن شداد )السرج الذي يوضع على ظهر الحصان( وكان هذا الشداد مطرزاً تطريزاً رائعاً أنتجته يدٌ خبيرة وبارعة.
ذُهل الفرنسي وزوجته لهذه الهدية، وأخذا يتفحصانها بدهشة واستغراب حتى أنهما نسيا أن يرحبا بضيفهما القادم إليهما من آلاف الكيلومترات ثم وضعا هذه الهدية في ركن من أركان غرفة الاستقبال وأخذا ينظران إليها من بعيد ويتحدثان مع بعضهما عن جمالها وروعتها.
وبعد فترة انتبه الفرنسي إلى ضيفه الواقف الذي بدا الخجل عليه فتوجه نحوه وهو يردد عبارات الأسف والاعتذار عن تقصيره في استقبال ضيفه ويبرر ذلك بالمفاجأة الهدية التي أذهلته وزوجته.
وبعد أيام قضاها العربي في أنحاء باريس وضواحيها برفقة صديقه الفرنسي وعندما حان موعد عودته الى بلاده قال الفرنسي: أرجو أن تقبل منا هذه الهدية المتواضعة وهي بالتأكيد لن تكون مثل هديتك.. لقد قررت وزوجتي أن نهديك طائرة مروحية خاصة تساعدك في تنقلاتك داخل بلدك.
ضحك العربي وقال: أشكرك على هذه الهدية، ولكن بلادي لا تسمح باستخدام وسيلة النقل هذه وامتلاكها من قبل الأفراد، كما أن أعمالنا ومصالحنا هناك لا تحتاج إلى هذه السرعة في التنقل والحركة.. شكراً لك. وأرجو أن نتقابل ثانية في بلادنا.
أسئلة كثيرة راودتني وأنا أقرأ هذا الخبر العابر:
هل الغرب فعلاً على استعداد ليبادل طائراته وآلاته وتقنيته الحديثة بتحفنا ومنتجاتنا التراثية القديمة؟
هل منتجاتنا وتحفنا الشعبية الفولوكلورية تعادل حضارة الغرب التقنية الآلية؟
هل زَهد الغرب بحضارته التقنية هذه، وقرر أن يعود إلى الماضي ليستعمل المحراث بدلاً عن الجرار ويستخدم المنجل بدلاً عن الحصادة، ويستخدم البغال والحمير بدلاً عن السيارة والطائرة...؟
وبتفكير لم يطل وجدتني أجيب: لا!!
الغرب لن يتخلى عن طائراته وتقنياته الحديثة ولن يفرط بها، بل هو جادٌ في تطويرها وإيجاد البديل الأكثر تطوراً وتقنية، لكنه في نفس الوقت لن يتخلى عن تراثه وتاريخه والذي كما يراه هو أساس حضارته الحديثة.
الغرب عندما يدهش بتراثنا والمنتجات التي توارثناها عن الأجداد، إنما يعبر بذلك عن إحساسه بروعة وجمال هذا التراث الذي كدنا نحن أنفسنا ننساه ونضيعه.
الحضارة لا تتناقض مع التراث والتاريخ.. معطيات حضارة اليوم بكل تقنياتها مجالٌ واسع لنا للأخذ بها بما لا يتعارض مع تعاليمنا الإسلامية السامية وقيمنا.
وإذا كان الغرب وهو في أوج تقنياته الحديثة لم ينس تاريخه وتراثه، فحريٌ بنا نحن العرب أن نتمسك بتاريخنا وتراثنا والذي كان بحق أساس نهضتنا وحضارتنا في فترة ماضية من التاريخ، بل كانت هذه النهضة والحضارة منطلقاً وأساساً لنهضة أوروبا الحالية كما يعترفون هم ولكن علينا في الوقت نفسه ألا نقف عند حد التغني بهذا التراث والتاريخ، بل أن نأخذ من حضارة اليوم ما نراه مفيداً لنا نمتطي الطائرة ولكن دون أن ننسى «الشداد».

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved