أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 31th March,2001 العدد:10411الطبعةالاولـي السبت 6 ,محرم 1422

مقـالات

ألبان مقدونيا ومخاطر الحرب الأهلية
تفاقمت الأحوال في مقدونيا الدولة التي لم ترسخ أقدامها في المجتمع الدولي ككيان سياسي مستقل بعد.. بالرغم من أنها الدولة التي انفصلت عن الاتحاد اليوغسلافي السابق بدون حروب أو منازعات تذكر.
مقدونيا دويلة صغيرة تبلغ مساحتها قرابة عشرة آلاف ميل مربع وتعداد سكانها حسب إحصاء عام 1992م يقارب )2050000( تمثل تلك الدويلة «جسراترابيا» بين عدد من دول البلقان وهذا الجسر الترابي يمثل «الشريان الحيوي» بالنسبة ليوغسلافيا وبدونه تصبح معزولة عن عدد من الدول المهمة مثل اليونان وألبانيا مما يضاعف أهميتها لدول البلقان ولحلف الناتو والدول الأوروبية، ثم انها تحفل باحتواء العديد من الأجناس المختلفة التي قطنتها عبر التاريخ والتي يمثل الألبان المسلمون فيها قرابة ثلث السكان.
لم يكن تفاقم الأحوال في مقدونيا أمرا مستبعدا فهي حديثة عهد بواقع سياسي جديد والأقلية الألبانية المسلمة تحس في الماضي القريب والواقع الحالي بأن مواطنتها من الدرجة الثانية فهي مهمشة سياسيا ومهملة اقتصاديا وتتعامل السلطات الرسمية معها بقسوة ومتابعة..
ربما أدت الى حالة من الاحباط ومن ثم التكتل والعودة الى البحث في التراث والتاريخ لأخذ الحقوق كعادة التجمعات البشرية في كل مكان.
قبل ثلاث سنوات أعلن الحزبان الألبانيان الرئيسان في مقدونيا وهما حزب الرفاهية الديمقراطي PPD والحزب الديمقراطي الألباني PDSH التوقيع على اتفاقية اتحادية فيما بينهما لتوحيد المواقف تجاه المشاركة السياسية في الحكومة المقدونية ودعت الاتفاقية بين الحزبين الى قيام دستور مقدوني جديد يأخذ في الاعتبار ان ألبان مقدونيا يشكلون 40% من السكان وأن يعاملوا كمواطنين من الدرجة الأولى وان ينص على أن مقدونيا متعددة الأعراق وليست للمقدون فقط كما ينص الدستور الحالي.
وتلك الاتفاقية تنم عن التململ من مشكلة لأقلية في مقدونيا تعاني من التهميش الذي ربما حسب بعض التقارير ذهب أبعد من ذلك الى التمييز العنصري.. والديني والاستخفاف بالقيم الدينية التي يؤمن بها الألبان،
وعدم دمج الألبان في وظائف الدولة، الأمر الذي تعاني منه الكثير من الأقليات في العالم عند غياب «روح التسامح» المؤسسة في بنية المجتمع القانونية والاجتماعية والثقافية.
لم يطرأ تحسن في بنية الدولة المقدونية الحديثة والفقر والبطالة في ازدياد فهي الدولة الثانية في بلوغ مستوى الفقر بعد ألبانيا في دول البلقان.. مما شجع على حمل فئة من الألبان السلاح تحت مسمى «جيش التحرير الألباني» والمطالب التي ينادي بها المسلحون ليست بعيدة مما نادى به الحزبان السابقان في الجوهر وإن كانت تختلف في الأسلوب، فقد نادى الجناح السياسي الجديد للمسلحين وهو «الحزب الديمقراطي القومي» بأمرين:
1 اعتماد نظام فدرالي.
2 اعتبار اللغة الألبانية اللغة الرسمية الثانية في البلاد.
والواضح ان المقصود من هذين المطلبين هو إعطاء اعتبار للألبان باعتبارهم مواطنين أساسيين لا ثانويين.
الواقع ان المشكلة المقدونية تختلف في جوهرها عن غيرها في منطقة البلقان، وهي ذات أهمية للمسلمين من عدة مناحٍ لأنها جاءت بعد تعاطف دولي مع المسلمين في كوسفو وقبل ذلك في البوسنة والهرسك.
لقد تحركت قوات حلف الناتو لدعم المسلمين واستطاعت ان تحافظ على الكيانات المسلمة وان تصنع تاريخا جديدا للمسلمين بشكل أو آخر وقد ساعد على ذلك سوء إدارة حكومة بلغراد للقضية والتوفيق الذي حالف الرئيس علي عزت بيغوفيتش الذي استطاع ان يدير الصراع بحنكة وذكاء لصالحه،
وأن ينتزع من الدول المعنية اعترافا قانونيا بحقوق المسلمين في المشاركة السياسية. أما قضية الألبان في مقدونيا فالمسلمون هم الخطر وهم مصدر الزعزة حسب التغطيات الإعلامية.. لأنهم لم يهيئوا الرأي العام لتفهم قضيتهم، وليس لهم جناح سياسي يملك المهنية والمقدرة والعلاقات الدولية التي تؤهله لإدارة الصراع لصالحه قبل وأثناء إعلان التمرد وحمل السلاح.
ولذلك وجدت مقدونيا تعاطفا من الدول الأوروبية ومن حلف الناتو وكذلك وجدت تحالفا من الدول البلقانية المحيطة بما في ذلك اليونان التي لم تعترف بمقدونيا بعد كدولة ويوغسلافيا التي لا ترغب في انفصالها، ولذلك ربما يؤدي الوضع المتفاقم الى «قمع» الألبان أو الى «حرب أهلية» ليست في مصلحة عموم الألبان خاصة الذين لا يتعاطفون مع حملة السلاح في جيش التحرير.
إن اندلاع حرب أهلية في مقدونيا شبيهة بالحرب الأهلية في لبنان قبل عقد من الزمان الى حد كبير، وستؤدي عند اندلاعها الى خسائر في الأرواح والممتلكات، والنهاية هي وجوب العودة الى المصالحة الوطنية المبنية على التسامح والمشاركة السياسية.
ولعل من المفيد للألبان المقدونيين وكذلك للمسلمين في كوسوفا وفي ألبانيا وفي دول البلقان أن يتم «نزع فتيل الحرب» وهذا ربما يتطلب تدخل جهات إسلامية ذات قيمة على المسرح الدولي مثل منظمة المؤتمر الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي والأزهر الشريف وغيرها من المنظمات ذات الفعالية في أوروبا وأمريكا والمغرب العربي والعالم الإسلامي للعمل على تفادي الحرب الأهلية التي طالما عانى المسلمون من أمثالها الويلات في القرن العشرين.
الحرب في مقدونيا ومثلها الحروب الطاحنة في الشيشان وأفغانستان وألبانيا وغيرها ستؤدي الى نتائج سلبية على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ولعل من أهم ذلك: ترسيخ الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين وهي التطرف والدموية والبربرية،
وانتعاش «الجيوب العسكرية» في صفوف الحركات والتجمعات الإسلامية ولا شك ان تلك الجيوب تبحث عن مناطق التوتر لاثبات نظرتها ونظرياتها التي تنظر للعالم بعين «المؤامرة» وتسعى الى المواجهة بصرف النظر عن الخسائر.. فهي لا تملك شيئا تخشى أن تخسره، ثم ان هذه النزاعات والمواجهات، العسكرية خير وسيلة لاستنزاف الموارد المالية والبشرية والعلمية لدى المسلمين في قضايا تثير الأعداء وتستنفرهم وتبعد المسلمين عن أساليب النهضة الحديثة المضمونة العواقب.
المسلمون بحاجة الى الاستقرار وبناء الشعوب على أسس تربوية سليمة تؤدي الى رفع مستوى معيشتهم واستنهاض هممهم للبناء والمنافسة العلمية والاقتصادية. ثم ان المسلمين بحاجة أكثر مما يكون الى بناء علاقات طيبة مع «الآخرين» خاصة الأقليات المسلمة المنتثرة في العالم تحتاج الى ان تقدم نفسها للعالم من بوابة «التسامح» و «المشاركة» في القضايا الوطنية والقوة الاجتماعية والعلمية،
ولا شك ان انخراطها في نزاعات مسلحة هو «الطريق السريع» لشرذمتها أو القضاء عليها في مقدونيا وغيرها من دول العالم.
خلاصة القول ان للمسلمين الألبان في مقدونيا حقوقا مشروعة، ومطالب عادلة.. ولكن الحصول عليها يحتاج الى الآلية المقبولة دوليا والوقت الكافي لبلورتها إعلاميا وسياسيا، وحمل السلاح لن يضمن التعاطف المطلوب وسوف يحمل الآلاف من العزل على الهجرة والعيش في مخيمات الإغاثة، فهل الى «نزع فتيل» الحرب الأهلية للحفاظ على سابق المكتسبات وتقليل الخسائر المتوقعة من سبيل؟
د. خليل بن عبدالله الخليل

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved