| الاقتصادية
إعداد د, زيد بن محمد الرماني
من الخطأ ان يجسم الناس اهمية مواردنا المادية، ويقللوا من وسائلنا غير المادية فالغالبية العظمى من الناس لا تفكر في الموارد الا بمدلول الماديات، ويغفلون عما تملكه الانسانية من موجودات وطاقات اعظم اهمية بكثير، هي العقلية الابداعية والوسيلة الصناعية الضخمة لاستخدامها.
ان اكثر ما يقلقنا: الكوارث والمجاعات والاوبئة، خاصة وان السجل الطويل للتاريخ الانساني حافل بالحقائق والوثائق التي تؤكد تأثير تلك الكوارث والمجاعات والاوبئة على تفكيرنا منذ قديم الزمن وحتى الآن.
فمنذ قرنين من الزمن ضمن احد الكهنة ويدعى توماس روبرت مالتس تلك المخاوف الانسانية نظريته التشاؤمية المعروفة ب المالتسية ،حيث رأى غالبية الناس المحيطين به يتألمون، لان لديهم من الاطفال اكثر مما يستطيعون امدادهم بالطعام والرعاية، وربما طال الموت كثيراً من الاطفال.
يقول مالتس في نظريته ان المجاعة تقلل من زيادة السكان وهدفه من ذلك تخفيف بعض الشقاء الذي يقاسيه الناس الذين من حوله بحثهم على انجاب عدد اقل من الاطفال.
بيد انه وآخرين عملوا على امتداد هذه الفكرة لتشمل معظم الناس، واصبحت نظريته بمثابة عقيدة يعتنقها المتشائمون حتى يومنا هذا.
والواقع، فان الكفاية الممتازة لدى الناس اليوم في تهيئة اسباب الراحة والتسلية لانفسهم جعل فيرفيلد اوسبورن يبكي على كوكبنا المسلوب الذي سوف نجرده في القريب من الوسائل التي تضمن حتى كياننا.
وافزعت دافيد برادلي قوة الطاقة الذرية واستنتج انه ليس لدينا مكان للاختفاء منها.
وافزع ويليام فوجت سوء استغلالنا بإهمال واسراف للارض، مما لابد من ملافاته لكي نمهد الطريق لمن يواصلون من بعدنا الحياة.
وهناك غيرهم من المالتسيين الذين لا يرون الا المستقبل الحالك السواد لسلالتنا لان ما لدينا من علم وتقنية وصناعات مبنية عليها بلغت بطريقة غريبة مرتبة الكمال، وهم يعتقدون ان الناس عاجزون امام ذلك النذير المخيف.
وقد ازداد هذا التشاؤم واتسع نطاقه ليشمل عدداً متزايداً من الناس لأنهم ليسوا على بينة ودراية بمجريات الاحداث وبما استجد من اسباب، وكيف ان تلك الاحداث والمستحدثات تستطيع التأثير في حياتنا.
ولذا، عنف كيرتلي مازر الانسان لخوفه من ان ازدياد عدد السكان سوف يلقي بعبء مستحيل على مصادر الطعام الممكن الحصول عليها، وقال: ان الاستغلال الذكي للمصادر المتجددة والتنظيم الحكيم للتراكيب والعادات حسب ما تمليه الظروف البيئية، يبدو كافياً لطرد ذلك الشبح المخيف.
يقول كلفر: واذا كان هناك اي شيء مؤكد عن عالمنا الذي نعيش فيه فهو انه لا يوجد ما يقدر له الاستمرار على الدوام، بل ان كل شيء يعتريه التغيير باستمرار.
لقد اصبحت البشرية الآن على بينة ودراية بالكيفية التي تنتج بها الوافر من الطعام وبالكيفية التي تحرر بها الناس من خوف الجوع وعبء ما يتحملون من اثقال السقام والامراض والشقاء.
ان حقائق مهمة ستسود مستقبلنا لتحيل يأس المتشائمين الى امل باسم للغد، فقد مارسنا فعلاً طرقاً ستزيد من رصيدنا ومصادر كوكبنا المتنوعة اكثر مما قد نتوقعه ولذلك سنتلافي في المستقبل المجاعات في السلع بواسطة توسيع مصادرنا الحالية وتبديل حاجاتنا بمواد اخرى، قبل ان تؤدي الندرة الى المجاعة.
وقد تبددت المخاوف المالتسية لتبكير المجاعة الانسانية بالثورات الصناعية والتجارية التي حدثت منذ قرنين مضيا, واصبحت الزراعة الآن على اهبة الخروج من الاعتماد الاعتباطي على الحظ والمواسم المتغيرة.
ولذلك، فان الانتاج المستقبلي للطعام واستهلاكه الحكيم يحمل آمالاً مدهشة لاحفادنا ومن اجل الوصول الى ذلك لابد من:
1 تحسين كل من قوة ومدى زراعة وخصوبة عقولنا واراضينا الزراعية.
2 صيانة اكبر نصيب من محصول الزراعة للاستغلال الانساني بالتغلب على الامراض والطفيليات.
3 تربية نباتات وحيوانات وانتقاؤها للتنمية الزراعية.
4 الانتقال بالتدريج من زراعتنا الحالية المعتمدة على التربة الى اخرى جديدة اكثر كفاية وكفاءة.
ان الانسان اليوم في خشية وقلق على مصيره, فالاعتقاد الشائع ان ما في العالم من مواد غذائية لن يكفي عدد السكان الآخذ في الازدياد بصورة مخيفة.
بيد ان الابحاث والدراسات والتقارير العالمية تؤكد على مستقبل مشرق لتحسين حياة الانسان ووفرة الطعام وسرعة نموه, ان مجال البحث العلمي يتسع باطراد، وذلك سيؤدي بالانسان الى صنع الاطعمة التي يحتاج اليها بطريقة اكثر كفاءة وفاعلية الى جانب الاستفادة من الجبال بزراعتها، ومن البحار باستغلال خيراتها واكتشاف كل مصدر غذائي يمكن ان يوجد في عالمنا.
وعندما نقوم بذلك يمكن ان يصبح العالم جنة ابعد مما تتطلع اليها آمالنا، ويمكن ان يكون مستقبلنا مليئاً بالوفرة ابعد من أوسع خيالاتنا.
واكثر ما نحتاج اليه لتأمين مستقبلنا، ولنضمن للعالم السلام، والرخاء للانسان، هو عدد مستمر من عقول حسنة التدريب وفوق المتوسط، تستطيع حل المشكلات حين وقوعها، ان لم تستطع تقديم الحلول الوقائية لها.
*عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود
|
|
|
|
|