أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 18th December,2000العدد:10308الطبعةالاولـيالأثنين 22 ,رمضان 1421

عزيزتـي الجزيرة

بين ربى مرخ ومشارف الكسر
لا أقول : بم تكون السعادة؟! فذاك يعرفه من منحه الله نعمة السعادة على حقيقتها، ولكني أقول: بم يكون الأنس؟ وهذا يأتي على أوجه كثيرة، إذ يراه البعض في الصحة والجاه، كما يراه البعض الآخر في الأولاد والمال، وهذان الصنفان زينة الحياة الدنيا ولا ريب وهما مطلب كل سوي عاقل، كما يرى الآخرون أن الأنس في الزوجات والقصور الفارهة، والأولى من هذا الرأي تتفق والاوامر والنصوص الشرعية ولما في ذلك من توافقها مع سنن الله الكونية, وما ورد فيه النص الشرعي لا يؤخذ رأي أحد به، ولا يطلب توافقه مع تلك الاراء، والغاية من استعراض هذا لما له من صلة في : بم يكون الأنس؟ ولكلٍ وجهة نظره فيما لا يخرق قاعدة ثابتة، أو يتعارض مع نص شرعي، وهنا ومن وجهة نظري الخاصة وإضافة إلى ماذكر والى غيره مما لم يذكر مما تدخل فيه المناصب ومما يكون به المرء باباً يقصده الناس لقضاء حوائجهم إلخ,,, أقول: إن الأنس أنسان، أنس في طاعة الله وتقواه وهو ما ليس بموضوع الحديث هنا، وأنس في المباحاة وهو ما يجده طالبه كلما ابتعد عن صخب الحياة وضجيجها، وعاش الحياة على طبيعتها ومتع نظره وسمعه بما يجلي عن القلب صدأ المنغصات في المباحاة منها ويتأكد هذا في الاسفار بعامة وبخاصة في الصحاري والقفار في الازمنة المناسبة، منفرداً كنت فذاك فيه الانس, أو مع رفقة تسلي وتؤنس فذاك قمته وجماعه، ولقد وجدت هذا في تجارب كثيرة من خلال الاسفار وفي الرفقة الفاضلة، إذ من الرفقة من تكره السفر بسببهم ولو كان لعبادة، ومنهم من تتمنى أن السفر لا ينتهي بوجودهم معك, وأقرب وقت وجدت فيه هذا الأنس لا جعل الله له آخراً أنني سافرت يوم الجمعة غدوة في 28/8/1421ه فوجدت هذا اليوم من أيام الانس حقاً لا قطعها الله وما أكثر ما نعيشه أنساً في الكثير من أيامنا ادام الله ما نحن فيه من نعمة الامن والرغد والصحة، ولكن لهذا اليوم مزيته وخاصيته، إذ سافرت من الزلفي الى الرياض وكان الجو غائماً وحالما شرعت في السفر، أخذت السماء ترسل شآبيبها فاتصل ما بينها وبين الارض حتى بقيت أسير في لجج من الماء يحسبه الرائي بحراً لجياً، وتعالى من قدره فأنشأه فأرسله ، وتذكرت مع هذا المنظر العجيب, وأنا بين شعب وادي مرخ الى الشرق من الغاط وكنت أشد ما أكون اشتياقاً الى رؤية البرق وسماع الرعد ومشاهدة المطر تذكرت زمن الصبا وريعان الشباب ومراتع الطفولة، تذكرت ذلك كله يوم أن كنت يافعاً يارعى الله تلك الأزمنة فما الانس الا بها زمن خلو القلب من المشاغل والفكر من الشواغل بل وخلو النفس من المنغصات التي تعتور الانسان في هذه الأزمنة، تذكرت يوم أن كنت في قريتي قرية المنسف في الزلفي إذ كان كل شيء على طبيعته في كل ما نعيشه وما أن نرى السحاب وقد نشأ وسد الافق مترادف الطباق مختلف الالوان، من الأبيض إلى الأصفر، إلى المشوب بالحمرة أو السواد لما يصحبه من الغبرة التي تثيرها الثائب، وهي الريح التي تصحب السحب وتسبق المطر، أقول: ما إن نشاهده على تلك الحالة نحن شباب القرية حتى يجتمع بعضنا إلى بعض فنخرج الى أعلى مرتفع فيها والرياح تكرنا، فيكتمل الانس اذا هطل المطر وتبللت الثياب، ويالله ما أقوى المناعة لدينا آنذاك ونحن على تلك الحالة من اللعب والمرح ولا ننصرف للقرية حتى يأخذ منا البرد ما أخذه فيقع لاسناننا من شدة القرقعة فنلجأ الى البيوت حيث النار الموقدة في كل بيت للطهي والتدفئة اذ لا يعرف الغاز بل ولا يسمع به بيننا ذلك الوقت, وهكذا حالنا حيث لا شاغل ولا مشاغل، وهنا فما أشد الحنين لذاك وهيهات أن يعود، وفي اليأس سلوة،!! وفي هذا اليوم 28/8/1421ه عشت حالاً ورؤية ما أخذبي إلى تلك المرابع والذكريات ، والسماء تنهمر والارض تجري وما بينهما ضباب ورباب وسحاب اتصل بعضه في بعضه حتى طبق الارض فلا يكاد المرء يميز بين أرضه وسمائه وبينما أنا في حالة انتشاء الرؤية وانتشاء تدافع الذكريات وما أجملها اذا كانت مما يشرف به المتذكر سمواً ونزاهة اجتزت وادي مرخ الى الشرق من الغاط, ولولا خبرتي وقديم معرفتي في مواقع المنطقة ما عرفته جارياً من المواقع الاخرى والتي تجري كلها، وبقيت على هذا ما مررت بواد إلا وقد عض في جنبيه وقد كان يسري هوناً لما أنا فيه من تدني الرؤية، وغزارة المطر، وخطورة السرعة، حتى وقت صلاة الجمعة إذ توقفت في استراحة ومحطةالعتش وعلى طول المسافة التي اجتزت منها والسماء تجود بما أمرها الله به وحين عدت الى الزلفي يوم الخيمس 4/9/1421ه وبعد سبعة أيام من ذلك اليوم وفي اليوم الثامن منه وهو يوم الجمعة 5/9/1421ه وبعد سبعة أيام من ذلك اليوم وفي اليوم الثامن منه وهو يوم الجمعة 5/9/1421ه طلب مني الاخ الفاضل/ صالح بن عبدالمحسن العصيمي أن نخرج صباح هذا اليوم غدوة لمشاهدة آثار تلك السيول التي كونت بحيرة أجمل ما تكون من بحيرة في مثل موقعها في الكسر وأم الذيابة الى الشمال الغربي من السبلة على بعد ستة عشر كيلاً تقريباً وقد وصلنا إليها من جهة جزرة العين المعروفة هنالك في طرف ما برز من جبل طويق الى الشمال قبل أن تعلوه النفود فتحجبه رؤية كاملة، أو سلسلة متصلة، وصلنا الى هذه البحيرة من الشمال الغربي قصداً الى الجنوب الشرقي حتى وقفنا على طرفها الشمالي الغربي ثم جعلناها يميناً وصعدنا من خلال مرتفعات ومشارف نفود الضويحي مما يلي هذه البحيرة ومع طريق وعر جداً صعوداً وهبوطاً وانحناء والتواء حتى وصلنا الى أعلى نقطة مما يشرف على هذه البحيرة مما يطل على داحورة الكسر كما تسمى عند البعض أو خابية الكسر عند البعض الآخر وسمى الكسر كسراً لانكسار الماء به حيث تمنعه النفود فيتردى راجعاً على الجنوب ثم يفيض الى الشمال الغربي فيكون تلك البحيرة، وقد تبين أن طول ضلع هذه البحيرة مما يلي نفود الضويحي يزيد على خمسة وعشرين كيلاً متعرجاً وهناك تتضح أثار وثمار ذلك اليوم المبارك يوم الجمعة وما سبقه بفضل الله، في منظر يا له من منظر ، حين تبدو تلك البحيرة وعلى طولها كأجمل ما يكون، في موقعها الطبيعي ولما يكتنفها مد المناظر الطبيعية إذ تحيط بها الرمال بشواهقها وأدعاصها، ذهبية، وبنية، وحمراء وشعلاء، وبنفسجية متلونة على امتزاج وتعدد في الرؤية، خاصة اذا ما سطعت بها أشعة الشمس حين تسقط متكسرة فوق أمواج هذه البحيرة ثم تصدر منها مرتدة إلى ما أحاط فيها مكونة تلك المناظر المتناسقة في عمومها المتضادة في بعضها، وتكمل الرؤية جمالاً، وتطرب تناسقاً في الأصيلين، وقد تجلت هذه البحيرة لتجمع بين صورتي السماء والأرض حين تقف إلى جانبها فتشاهد السماء من خلال صفحات الماء وإلى جوارها تشاهد الشواهق الرملية المطلة على هذه البحيرة، ويزداد الجمال جمالاً حين تنقل الأمواج المتعاقبة هذه الصور من جهة الى أخرى في صور فنية رائعة فهي حين تأخذ بهذه الصور الى الرمال المحيطة بها من الشمال والشرق تنقلها بما يسمو على الخيال تعددية وألواناً وحين تأخذ بها الى تلك الحزون والمرتفعات الفضية والكحلية التي تكسوها الخضرة والمحيطة في البحيرة من الغرب والجنوب تعطي ألواناً مختلفة ومتعددة أيضاً وحين تأخذ تلك الأمواج بتلك الصور الى داخل ما في هذه البحيرة من نقر مستديرة أو مستطيلة أو بأشكالها المختلفة تعطي مناظر تختلف عما هي عليه مما سبق لما يقوم بين تلك الأمواج ولما يفصل بينها من الحواجز الرملية الطبيعية الجميلة، مكونة بتلك البحيرات داخل هذه البحيرة أشكالاً هندسية رائعة فريدة، بدوائرها ومتسطيلاتها ومثلثاتها، الخ,,, بما يجل عن الوصف، ويكبو النعت دونه، وهنا ومن لم يشاهد ماذكر لا يتصوره على حقيقته ولهذا المشهد ولتلك الذكريات جاءت في هذه القصيدة:
أيام السعود


صفا لك يوم ما تقطب حاجبه
وذكرني عهد الشباب ملاعبه
فيا لك من يوم مطير أهاجني
إلى حيث أيام السعود تداعبه
إذا ما رأته العين والأفق قاطب
تبهج قلب أثقلته متاعبه
بدا مستريضاً عانق الارض عاشقاً
كعشقي لها فارفض في الخذ ساكبه
مرته جنوباً إذ نشا وأراضه
صبا الشرق واستمرا من الغرب ثاعبه
فآنسني مرأى رأيت ومثله
لعمرك يسلي كل من جد ناعبه
قبيل ليال والوهاد كوالح
غبار ومحل أهلك الحرث لاحبه
وماهي إلا برهة فتبدلت
من السوء حسناً تستبيه أجاد به
يعز على وصف البليغ وإنه
ليملي إذا ما الوصف قام يقاربه
طباق تعالى بعضه فوق بعضه
يقرر أن الله لا شيء غالبه
لك الله كل الحمد والشكر والثنا
وكل عطاء كان فالشكر واجبه
فكم قد بدت من شدة ففرجتها
بلحظة كن إذ أنت للخير واهبه
مجل مسف مستجيش مجلجل
تساق الى تلك الوهاد ركائبه
فلما علا تلك القنان وطمها
وماج بها قلت: القنان تحاربه؟!
كأني به بدء انهمار ذنوبه
وما جد، صوت القعب إذ جد حالبه
سكوب دفوق مغدق متجهم
أجش شماريخ الجبال طحالبه
أناخ على الربع المحيل ركابه
فضاقت به مما أفاض مذاهبه
وعادت به تلك القنان كأنها
غريق، طفا أو غاص، فالموت سالبه
حبي تحابى مزنه وجهامه
إلى بعضه فاستقبلته مشاربه
دناذا، إلى هذا، وحط بثقله
دنو حبيب من حبيب يراقبه
ولم يكفه فيض الدموع وعبرة
سوى أن تضم النحر ضما ترائبه
محن مرن مدلهم بياضه
غطا الارض ليلاً مظلمات جوانبه
أسير به حال اجتوال ربابه
كأني ربان ترنح قاربه
يدهدي مصاليق الحجارة عارماً
تساوت به أقنانه وخرائبه
تلون فوق الارض جوناً حوانياً
وبيضاً وسوداً مدجنات سحائبه
ضحى فاستحال النور في الحال ظلمة
فما كاد يدري وجهة الدرب ساربه
إذا انفرجت عن قنة النيق فرجة
يخيل أن النيق قام يجاذبه
كأنك في البحر الجنوبي ماخر
محيط به لا تستقر مراكبه
فما عدت أدري، الارض من فيض وبله؟!
أم الارض فاضت، أم تفيض مذانبه؟!
إذا ما رأى الرائي إليه تعجباً
أجابته فيما لا يلم عجائبه
فيالك من يوم بهيج ومنظر
أهيم به ماهام في الماء طالبه
يخدد وجه القاع كالكي ظاهراً
على حر، وجه ميسم الكي شائبه
تغير ذاك الوجه، حتى أحاله
أخاديد قعراً يرهب العين شاعبه
وطم بما قد طم آطام أمة
لها أثر ماكان يعرف كاتبه
بدا دامياء الغيث في كل موضع
مباركة أنواؤه وثوائبه
وساق إلىام الذيابة فيضه
من الكسر أمواج البحار تصاحبه
أفاض بتلك الروضتين بعامه
خياماً تعالت كالقباب تواكبه
وقام إلى الأدعاص حالاً مناصباً
بجؤشوشه فانهار دعص يناصبه
يطوف بها في جيشه فكأنه
يحاسبها أو أنها ستحاسبه
يقيم عليها لحظة فيلفها
بقاصفة كالرعد زمجر صاخبه
فيجتثها من فوره من جذورها
فتأتي على تلك الفلول كتائبه
أزال الشعاف النبابيات فأصبحت
مع الماء عهناً خف إذ خف هاربه
لحاها وسوى حدها وأقامه
كحد بناء أحكم القطع شاذبه
كأن به إذ قام يلغط فاتكاً
بأعجازها قصفاً يقوم يعاتبه
إذا حفها أو حف فيها تراقصت
تراقص مجنون لجن يشاغبه
يقبلها حيناً وحيناً يضمها
كما ضمت الاطياف شوقاً خراعبه
فتبدو عياناً زبدة في سقائه
يد صدصها حتى تطيش رواسبه
تراها إذا قامت تقصف فوقه
تقصف رعد لم تخنه قواضبه
تمطى إليها صلبه وهو فاغر
بفيه لهاً يستافها إذ تناكبه
يسير كسير الأفعوان تدافعاً
إذا ما انتحى للدعص قامت نوادبه
إذا جسها جس النطاسي مرة
تلين له اوراكها ودبادبه
إذا ما بدا سرعان ما تأتلي له
وقدراعها مما رأته خضاربه
يسخرها تسخير صولة فاتك
كما سخر القين العصي مكاتبه
كأني به حين استقام مساره
مجرتها تطفو عليه كواكبه
فقرت هناك الدهر منه بحيرة
يناسبها في وصفه وتناسبه
وحفت به أدعاصها فكأنها
شقائق نعمان تكاد تخاطبه
تألف منه الحسن يالجماله
ثلاثة أركان الجمال تكاربه
فيا لك من أنس تجدد متعة
يناغيه طير فوق موج يلاعبه
ولولا فؤاد كلما رمت سلوة
تفاجئه أعباؤه ونوائبه
أقمت عليه العمر غير مبارح
إلى حين يدعو الحر في القبر نادبه

عبدالعزيز بن محمد آل غزي

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved