| العالم اليوم
للسلام مفهوم واحد من غير المفيد أن يسعى أحد من الناس أو دولة من دول العالم أن تضفي عليه تفسيراً أو أكثر, السلام يعني، باختصار، أن يعيش الناس مع بعضهم بعضا في وئام, وفي مجال هذه الرؤية، فإن السلام يتنامى في أرجاء العالم من دون أن تترتب على الالتزام به أية واجبات سوى احترام حق الغير بأن يعيش بعيدا عن الارهاب أو الابتزاز أو ما شابه ذلك, وحين تدعو جهة ما أو منظمة ما إلى مؤتمر أو إلى ندوة من أجل السلام، فإن ما يتبادر إلى الذهن، أولاً وقبل كل شيء، أن يتناقش المؤتمرون حول السلام، على أرضيّة الواقع وليس أبعد من ذلك، على نحو ما يحدث احيانا حيث توجّه الدعوة لحضور مؤتمر أو ندوة، ولا يتفق الحضور على مفهوم محدد حول السلام لخلافات في وجهات النظر، وتبقى النظرية في إطارها المعلّق ما بين النظرية والواقع، وينفضّ الاجتماع الأخير من دون نتائج.
هذا ما يحدث مؤخرا في نيويورك، حيث دعت المنظمة الدولية للهيئات المحلية غير الحكومية إلى عقد ندوة لمناقشة نص لميثاق يؤسس لإرساء أسس جديدة للسلام العالمي، وذلك بناء على مبادرة من أمين عام الأمم المتحدة، ومع ذلك لم يصدر عن الندوة ما يحقق طموح البشرية حول سلام عالمي حقيقي, وربما كان السبب في ذلك أن السلام العالمي يجب أن يقوم على أسس معترف بها ومقنعة في الوقت ذاته، لأن سلاماً كهذا لا يعني شعباً بعينه أو دولة بعينها, إن سلاما كهذا يندرج تحت مفهوم العالمية، لابد أن يقترن ليس بتوصيات بل بقرارات ملزمة، بيد أن كون الجهة الداعية هي جهة غير حكومية، فإن ما انتهى إليه الحضور لا يتعدى التمنيات على غرار التمنيات الفردية أو تمنيات الجماعة وصولا إلى حالة استقرار عالمي، تنتفي فيه روح المغامرة والمنافسة غير العادلة، ينعم الناس من خلاله وعلى أرضيته الثابتة بحياة هادئة وهانئة.
إن سلاما عالمياً حقيقياً ، يتطلب رؤية عالمية عبر جهة رسمية قادرة على أن تفرض ما تراه مناسبا كي تستقر حالة السلام على سطح الأرض، وهذا ما لم يحدث في منطقتنا العربية تحديداً منذ أن وضعت الحركة الصهيونية هذه المنطقة في موقع الدريئة لتصوب سهامها باتجاهها من منطلق خداع النفس، وليس الادعاء فقط بأن هذه المنطقة لها أو أنها وُعدت بها من قبل السماء، وكلا الأمرين ينهضان على المراوغة والكذب.
ويعلمنا التاريخ أن شعوبا كثيرة كانت ضحية لمثل هذه المحاولات، ومع ذلك فقد تبددت محاولاتها ونالت الشعوب حقوقها، فمن الولايات المتحدة الأمريكية، إلى فرنسا، إلى القارة الآسيوية ومناطق الشرق الأدنى، يمكن للذاكرة البشرية أن تستعير الأمثلة والبراهين، على أن تحرر شعوب تلك الدول والمناطق، لم يتحقق إلى بفعل المقاومة الشعبية، إلا بالإصرار على متابعة المقاومة، بغض النظر عن فقدان التوازن في القوى المادية بينها وبين المحتلين لأراضيها والمغتصبين لحقوقها الوطنية، ومن هنا يتنامى التفاؤل لدى الإنسان العربي، بأن انتصاره على معوقي تقدمه هو انتصار حتمي، مهما كان وقت الانتظار.
* كاتب سوري
|
|
|
|
|