أود أن أحدثكم حديثاً من الأمانة التي على أعناقنا وخوفاً مما تحمله أعناقنا,, لأبث إبراء للذمة إكمالاً لما كتب قبل فترة الأستاذ الكريم (حمد بن عبدالله القاضي) في الجزيرة تحت عنوان يا أمة ضحكت من فضائياتها الأمم!
والذي بأدبه الجم مس جزءاً من ألم الجرح الذي يصطرخ داخل الأعماق,, والسؤال مشيع: ماذا تقدم (الفضائيات)؟,, وهذا سؤال بالطبع كبير لا لأن جوابه كبير فقط بل لأنه ذا مضمون مؤلم!!.
والسؤال,, بدأ:
هل من أدب إسلامنا العظيم جل ما يقدم!؟ وهل من رسالتنا إلى الأمم فضلا عن رسالتنا إلى الأجيال هذا المنحى السقيم العقيم، الذي إن كلّ عن جوانبه,, قدم مما يستر عوراته وفي ساعات البث الميته (في عرف المتابع),, بعض برامج حسبناها في تقييمنا أنها دينية !!
والمضحك المبكي هنا أن الخطوط العريضة التي قامت عليها تلك القنوات أو ما يقول عنها أصحابها في الرسائل السنوية التي تتصدرها انها خدمة للدين الحنيف، ولتقديم إعلام يماشي أو يوازي أدبنا وقيمنا و,, و,, مما يضحك به على السذج,, أو أهل ثقافة العناوين !.
ثم تجد بنفس وقت مراجعتك لها ما يناقض جملة وتفصيلا,, تلك السطور العريضة التي تطلق,, فقط ليس حياء من الله وليتها كذلك بل تكميما للأفواه، والانعتاق من المسؤولية التي لا شك نتحملها سوياً هم بما يبثون,, ونحن سواء سكوتنا,, أو تقبلنا حتى ولو كان بعفوية مطرحة برغبات النفس والهوى والشيطان,, قال المعري:
والمرء يعييه قوة النفس مصبحة للخير، وهو يقود العسكر اللجبا |
وايم الله لأن أصابوا بعض أهدافهم فما ذاك لضعفنا,, بل هو أننا أمام رغبة الذات!
أيضا إن ارتأت تلك القنوات أن تستر عوراتها من (فضائحها),, وفظائعها فماذا تقدم؟
عدا برامج سفه سحيقة الهدف من مطبخ الفنان,, أو أسرار الفنان أو ما لا تعرفه عن الفنان,, الخ هذا الخليط الذي ما ان تخرج يدك والفحوى من سواده حتى لا تكاد تراها.
وأما عن حشمة تلك القنوات فطلع على قائمتها في شهر الخير بخاصة فإذا هو سوقها الرائج الرابح، حين تستقبله وقد أعدت العدة للإمتاع بزعمها من يتسمرون أمام عرضها فيتسممون بما تفيء به على متابعيها,, وهي تنسى أو تتناسى أنها تقضي بذلك على أثمن وقت يمر على المسلم (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن),, الآية.
هذا غيض من فيض ذلك التسويق لأندية العهر الكازينوات أو الخيم التي تنقل مباشرة دون حياء من الله,, ولا من خلقه وما فيها من معايب ومفاسد وسكباً لنعم الله من مطعم ومشرب ومحرمات وأجساد ورقص,, ولا حياء ولا مراعاة لتلك الأسر التي تستقبل بلا رقيب ولا حسيب داخلها,, ما يبث وما يدغدغ به الأفئدة، وخواطر المراهقين والمراهقات تنعكس بسبب ذلك أن يكون ذلك أعز حلمها وجل أمانيها الوصول,, لذلك!
وهكذا دواليك فمن مناسبة إلى أخرى، ومن جفره إلى دحديره، ومن خد إلى وادٍ,, إلى الخ.
وأتى اليوم على بعضها ما يسمى بشهر الموسم وقد بدأ لدى بعض مدن الإسلام والذي لا يصدر من معينها في القنوات إلا كل ما يخجل المسلم من ذكره,, فكيف بوصفه!,, كل ذلك وغيره ما لم يستطع البنان ذكره,, أو حتى حصره.
يلتفت المرء عنه ليتذكر عهداً قريباً كنا نتوجس به الخطر قبل قدومه ونحذر من مصائبه قبل وقوعه,, فإذا هو ينسل إلينا,, وبأيد ثلة أخجلونا بمرادهم من هذه القنوات أنها تدفع به خطر ما يأتي,, فإذا الخطر الذي منها أشد تنكيلاً!!
وإني لأذكر قبل عقد ونصف تقريباً,, وكنت أدرس (هناك) ذلك العهد الذي لم تعرف به أجواؤنا هذا الغزو الفضائي على أذواقنا وعقولنا,, لم أجد من قنوات ذلك العالم هذا الزخم الذي لا يعرف أدناه شيء من عراة العفة,, سوى ببعض قنوات لا تأتي إلا عن طريق الاشتراك بها وهذا طريق آخر .
أما هنا فحدث ولا حرج وقل ولا تخجل فيها,, وعنها, وما بها دروس في الغناء وسباق إليه وفرز في تذوقه,, مع ترويج لأجساد ووجوه تكسر الطرف حين يستمرء جمال بهاها، ومسلسلات تسلسل العقول لتهضم بدون وعي أثمن ما يملك المرء الوقت الذي أسهل ما يفرط به ,, وهو أغلى ما نملكه, وتحاليل فنية مبتذلة المنهج وضيعة الصنعة,, ركيكة الصدى,, وهذا يتبع بمنوعات هابطة تدور في تسفيل الذوق، وتحقير القدرات، فلا تماري منها ملكتك إذا ما أبصرتها بما يماثل ما تنفقه من سويعات حولها.
وأخيراً,, هذا الباب الكبير الحريات السياسية والفكرية التي يروج بها كثير من سفلة المواد,, وأناس ليس لهم في الميزان إلا مقدار ما يعلو به عويلهم ونعيقهم!
فأصبحت هذه الفضائية تركز على مجاعتين أو مكبوتين جسدية وإن لم تفلح ففكرية ,, وإن أخذت بعضاً منها مسمى الحرية السياسية والنقد للإصلاح,, و,,و,, من هذه التي ترفع وتخفض في ملكات ضعيفي القدرات من إجمال سذج القوم لزرع الفتنة أكثر مما هي للإصلاح أقرب,, إلا ما شاء الله.
ثم إذا نجوت بنفسك من كل أولئك,, وبحثت عما ترى فيه عزك الكان في تاريخك وما حوى من قصص,, هي قياساً,, على حال اليوم للأساطير أقرب منها مع واقع اليوم.
فتبحث عندئذ عن مسلسل يحمل سمة الدين، أو معركة جرت، فإذا المادة المعروضة بها كثير من المغالطات والسقطات والخنا الذي حشد ربما للتسويق أو لما تستهويه النفس ويرفضه العقل، وأقرب مثال ذلك المسلسل بأحد جوانبه أحداث من حياة الأديبة الغزيرة ولادة بنت المستكفي رحمها الله، فقد صورت أنها فتاة تعرض جمالها ودلالها وفتنتها وحسنها وتعبث بالأفئدة في معرض ذلك لتصل إلى بعض خيالات مراهقتها,, وللإيقاع في حبائلها,, حتى معارضي أبيها كان لهم نصيب من شركها,, سامح الله من فعل ذلك لاحتمال أنه ربما لم يقصد
وشيء من كذا فعل بمسلسل أبي فراس الحمداني حتى التاريخ لم يسلم من سقطات تلك القنوات.
وحتى لا أظلم,, أو أعمم فإن التعميم منهي عنه فإن في طياتهم (رماح),, لكنها ضائعة وسط تلك الأجواء,, أو متوارية خلف أوقات ميتة في تصنيف المشاهد المتابع
أقول ما قلت واستغفر الله من قبل ومن بعد لي ولهم,, ولكم أيها القراء، ولأن ند البيان من وهن الإيصال للمراد فعذري أمام الله أني ناصح مشفق, برح بي شيء من تقييمي على جوفي فعرضته هنا ابراءً للذمة أولاً، وللنقد ثانيا,, وللإيضاح ثالثا,, ثم لاستنارة البصيرة عما تستشفه,, ويصعب إيراده، والقلم أمانة تحمل في أعناق الكتاب ممن لهم تأثير وحسن التذكير وصواب التقدير, ويعلم ربي على ما في تقصيري، وتواضع ذاتي من ان تكتب في هذا المنحى ,, ان الغيرة على أهل الحق من القائمين على تلك القنوات هو أول دافع للكتابة إليهم من خلال هذه الكلمات فعسى أن يصل إليهم ما بين هذه الأسطر نصحاً وشفقة بهم وعليهم.
ثم للمشاهد لتلكم القنوات عامة صدق نصحي، ومراد إيضاحي قال صلى الله عليه وسلم (والله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) الحديث.
ولأهيب هنا أولي الأمر في تلكم من وزراء إعلام وأهل رؤوس الأموال القائمة ,,, والممولة لتلك القنوات أن يضطلعوا بدورهم في صدق الرقابة، والاختيار الموفق لمن يقومون عليها القيام المباشر، وحسن الإشراف والمتابعة لثقل الأمانة,, التي غيابها من علامات الساعة,,! ألا هل بلغت، اللهم فاشهد
لكن بعد كل ذلك أبشر أن الأمة بخير، وما التواصل والاتصال مع برامج الفتاوى والنصائح، وأحاديث العقل والمنطق، وهموم الأمة,, إلا مؤشر يسر رؤياه.
لأشكر,, (ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله) القائمين على القناة الأولى على حسن توظيف الرسالة الإعلامية، وما برامج الحج إلا صورة جلية للإعلام المسلم الملتزم.
ثم اختتم بهذه التوجيهات لنفسي ولأخي وأختي في الله من القراء الكرام:
قال تعالى: إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا وقال سبحانه: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وقوله تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم وقال صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن (أربع) إحداها,, وعن عمره فيما أفناه وقال صلى الله عليه وسلم: العين تزني وزناها النظر والأذن تزني وزناها السمع,, الحديث
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس |
ثم أوجه هذه الأسطر تلقاء قوله تعالى: وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ,, ومن قول الصحابي الجليل من مبايعة للرسول صلى الله عليه وسلم بالنصح لكل مسلم .
أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا ويجعل ما نقول حجة لنا يوم نلقاه,, لا علينا، هو ولي ذلك,, ويعلم ما في الصدور والحمد لله والصلاة والسلام على خاتم رسله.
عبدالمحسن علي المطلق الرياض
|