أجل فلقد نعمت واستبشرت فتاة الزلفي كغيرها من أخواتها في المملكة العربية السعودية ممن تحقق لهن المبتغى، وإنه لا يشكر الله من لا يشكر مستحق الشكر، وإن من أكرم الصفات حفظ الفضل لأهله، وأهل الفضل هم الذين يشكرون على الفضل، وكذا فكل حمد يعرفه ذووه، وما أجمل أن يقال للمحسن أحسنت، وفي المعادلة يقال للمسيء أسأت، كائناً من كان، وهنا يعرف المرء أنه متعقب بعمله وأن سجله ومقامه بما يقدمه حالاً وما سيخلفه مستقبلاً، وكم من مسؤول نجد الناس زرافات عليه في جلسته الخاصة طالما أنه على رأس عمل وإذا ما نحي عن العمل انقطعت تلك الزيارات واختفت تلك الوجوه، لكن أهل الأخلاق الفاضلة، والمبادئ الواضحة لن تنقطع صلات الناس بهم في العمل أو خارج ذلك العمل، ويتأكد هذا حين ينقطع ذلك المسؤول من عمله، لأن مقومات هذا المسؤول ودواعي الزيارة له إنما هي في ذاته وأخلاقه وحسن تعامله وصدقه وحبه للناس وحب الناس له وبما يقدمه مما يستطيع عليه من خدمات ونحوها، ومن المسؤولين من تجد الناس حال انقطاعه عن العمل هم أسرع ما يكون انقطاعاً عنه إما بتدرج أو بمصارمة فورية، وعلى هذا الأمثلة الكثيرة، منقطعاً ومنقطعاً عنه، وهنا يكون جني الثمرة أو عدمه في الحالتين، على أن السعيد من وفّق لفعل الخير، وهناك يكون الذكر:
فاجعل لنفسك ذكرها من بعدها
خيراً تكن في الخالدين مخلدا
لولا التنافس والشواهد حية
ما عاش ذكر الخالدين مردداً
وبحق فسجل التاريخ لا يداهن، وإن زورت بعض صحائفه حيناً فالحق أبلج والباطل لجلج، وسرعان ما يزول الباطل ويتقرر الحق، وما عملت يد إلا وسطرت لذاتها حقيقة ما هنالك، على أن طلب السلامة من النقد أو ألا يجد المرء ضداً أو ناقماً حتى ممن أسدى إليهم الجميل كطلب الثلاث، وكل عَلَم سيختلف الناس حوله ولكن السوي والموفق، من قصد الله في عمله، فأدى أمانته ونصح لأمته، ويكفيه حياً:
إذا رضيت عني كرام عشيرتي
فلا زال غضباناً عليّ لئامها
وفي معاده فإن الله لا يضيع عمل عامل، وكل عمل محفوظ!!
وهنا ولكلمة الحق المجردة، فإن أهالي الزلفي وبقدر ما تغمرهم السعادة في محافظتهم مدينة أو قرى وأريافا، وهجراً، حاضرة وبادية، وقد عبروا عن ذلك سلفاً فإنه لا يسعهم إلا أن يشكروا الله ثم ولاة أمرهم ثم الشكر المزجى إلى معالي الرئيس العام لتعليم البنات فضيلة الشيخ الدكتور علي بن مرشد المرشد، وإن من اللؤم نسيان أو تناسي الجميل أو التطاول على أهل المقامات وأقبح صفة ألا يشكر المحسن وأقبح منها أن يكفر، وإن أهالي الزلفي لا ينسونها يداً لمعاليه، يعرف هذا من عرف تلك المعاناة التي يتجشمها من نجده كل يوم يتهيأ ويستعد للسفر من الزلفي إلى المناطق المجاورة، أو نجده ينتقل بأسرته كافة إلى الرياض لتدرس ابنته أو أخته في الكليات المناسبة وبما يتفق وطموح فتاة الزلفي إذ بقيت الكلية المتوسطة في الزلفي آنذاك لا تفي بالغرض ولا تقوم بسد الاحتياج من المعلمات بل وكانت تحد من طموح الفتاة في تلك المحافظة، وهي وإن قامت بالغرض وقتاً فإن الضرورة ومسايرة الخطط التعليمية والتطور التعليمي تحتم ما تكرم به معاليه، إذ امتلأت البيوت بالفتيات المتخرجات من هذه الكلية ليس لهن من مجال في عمل إلا في تدريس المراحل الابتدائية وهذا مجال ضيف في المحافظة، وما كان لهن من مجال لإتمام الدراسة بما يهيئهن مدرسات متوسط وثانوي وبما يهيئهن كذلك لإتمام الدراسات العليا وقد مثل هذا شبحاً أمام كل دارسة وكل متخرجة ممن لم يتح لها العمل كمدرسة لتستفيد وتقضي على الفراغ المهلك، وأمام هذا ومتى ما تحدثت العقلاء، تحقق المبتغى، إذ أنه حينما عُرض هذا الطلب على معالي الشيخ لم يتأخر من السعي لتحقيقه بل هيأ نفسه واصطحب معه مسؤولي الرئاسة ممن له الصلة في هذا الموضوع واجتمع بمسؤولي تعليم البنات في الزلفي وببعض المواطنين هنالك واطلع عن كثب، وتحدث فأقنع، واستقبل فاستمع، وأجمل ما يكون عليه المسؤول الصفح عن الجاهل ممن لا يحسن السكوت حتى يحسن الكلام، ومع كل المؤثرات فإن أهل المبادئ الثابتة، والمواقف الجادة الصادقة، لا تغير تلك المؤثرات من مسارهم شيئا، وتلك هي قمة الخلال السامية، وإذا ما اقتنع المسؤول من أمر يرى تحقيقه واجباً أوصى، بل وسعى في تحقيقه وهذا ما عرف عن معالي الرئيس العام لتعليم البنات كما عرف بالواقعية والأناة بما لا يعطل مصلحة، ولا يكون به اندفاع يخل بضوابطها.
وسبق لي وأن تحدثت عن معاناة فتيات الزلفي في هذا الشأن من خلال كلمة ألقيتها في حفل خطابي أقامته إدارة تعليم البنات في الزلفي على شرف معالي مدير تعليم البنات سابقاً الشيخ عبدالملك بن دهيش بعد افتتاح الكلية المتوسطة للبنات ذات السنتين، ولقد كان متجاوباً ومع ما بيني وبينه من خلاف في واقعة ما، فقد كان وفياً صادقاً حقق كل ما تقدمنا بطلبه تلك الأمسية وهو افتتاح مجموعة من المدارس في محافظة الزلفي فله الشكر سلفاً ولخلفه معالي الشيخ الدكتور علي المرشد موصول الشكر، وجميل الثناء، وصادق الدعاء، على ما حقق، وعلى ذلك الصفح الجميل، كما هو الشكر لكل مسؤول مخلص في هذه الرئاسة وغيرها، وبحق فما أجملها بشرى حين زفها معاليه إلى من يراهم أهلاً حين أخبر أنه قرر تحويل الكلية المتوسطة في الزلفي ذات السنتين دراسة إلى أن تكون كلية تربية للمعلمات ذات أربع سنوات تتخرج معها الطالبة مؤهلة لتدريس ما فوق الابتدائي من متوسط وثانوي، وتؤهل كذلك إلى مواصلة الدراسات العليا من ماجستير ودكتوراه وقد توج هذه البشرى أن تحقق هذا الأمل، فأصبح واقعاً معايشاً يدرس الفتيات فيها هذا العام 1421ه كزميلاتهن في كليات جامعات المملكة الحبيبة، وبحق وللتاريخ فإن ما نعيشه من رغد وأمن وما تحقق من مطالب في الكثير من الاحتياجات ما هو إلا نعمة كبرى نحمد الله عليها ونسأله المزيد من فضله والشكر أولاً وآخراً لله ثم لولاة الأمر في هذه البلاد الطاهرة وللمسؤولين المخلصين وإلى المزيد من البذل والعطاء، حرس الله بلادنا وحفظ علينا أمننا وأدام علينا نعمه الظاهرة والباطنة.
وهو المستعان.