| مقـالات
الاخذ والعطاء، والتفاعل بين امم الارض ديدن البشرية، منذ وجودها على ظهر البسيطة فالمهارات مطلوبة للبشر بشتى انواعها،وهي كثيرة ومتعددة، فهناك مهارات تعين على الكسب وطلب الرزق، مثل معرفة البحار والامواج، وصناعة السفن، واتجاه الرياح، فكل تلك تعين على التجارة، ونقل البضائع من مكان الى آخر، كما تعين على صيد الاسماك، الذي هوعماد قوت كثير من البشر،وتعين على جمع اللؤلؤ من اعماق البحار، ومن المهارات التي تعين على كسب الرزق مهارات الزراعة، ومعرفة اوقاتها، وصناعة الادوات التي تعين عليها، ومعرفة اوقات المطر والرياح الشديدة والاعاصير، فلا زراعة بدون معرفة، وقد سادت الامم التي تقدمت في زراعة القمح، لانها تمنعه عمن تريد في الاوقات العصيبة ويتصل بمعرفة الزراعة معرفة الحيوان وتربيته، واماكن رعيه، وحمايته من الاوبئة والامراض.
وهناك مهارات تتصل بصحة الإنسان والحيوان، فلا حياة بدون صحة، ولذلك تسابقت الشعوب الى معرفة الامراض،والوقاية منها، والوقوف على مكان الالم في الإنسان، وتشخيصه، ومن ثم التوصل الى الدواء الذي ينجح في علاجه، وقد يكون التسابق الى معرفة العلاج مقدماً على غيره، لان المريض لايطلب غير البرء من مرضه، وهناك مهارات تتصل بالصناعة، التي تشعبت وخدمت مجالات الحياة المختلفة، ومما خدمته التقدم في صناعة الالة الحربية، فقد كانت الالة السيف والرمح والدرع وحسك الحديد، ثم تطورت فيما بعد, ومن المهارات التي تسابقت اليها البشرية مهارة الكتابة والعلم والمعرفة، وصناعة الكتاب ونشره، واذاعته بين الناس, هذه المهارات وغيرها مطلب للناس جميعاً، فأنَّي وجدت في شعب او امة فإن بني البشر يسارعون الى الاخذ عنها ويتتلمذون عليها، وقد نشأت المهارات المختلفة في احواض الانهار مثل حوض النيل،وحوض بردى، وحوض دجلة، وحوض الفرات، فقد عرضت مهارة الكتابة في العراق والشام،وتبلورت في ساحل الشام، حيث برزت مهارة الفنيقيين فيها، واسلمها الفينيقيون الى الاغريق، الذين استثمروها استثماراً جيداً حيث بنوا على اساسها حضارتهم العريقة التي تعد من الحضارات المعدودة على وجه الارض، فلا شك ان انتصارات الاسكندر المقدوني وتكوين امبراطوريته الواسعة ثمرة من ثمار الحضارة الاغريقية، التي مهر علماؤها في الطب، والهندسة والفلك، والعمران، وصناعة الالة الحربية، والزراعة والري، وعلم الحيوان، والفنون، ويعد الإغريق اصحاب التقدم في المهارات المختلفة، لانهم دونوها في كتب،واسسوا مكتبات مثل مكتبة الاسكندرية، ومكتبة بِرجَام، ومكتبة قبرص،ولايقل سكان الرافدين، وسكان الشام ومصر عن الإغريق في تلك المهارات، إلا ان اداة التدوين لم تكن متوافرة لهم، مثلما توافرت للإغريق، مهارات الإغريق، وضاعت مهارات غيرهم, وقد استفاد العرب من مهارات الإغريق، التي بقيت مدونة في المكتبات لقرون طويلة، فنقلوها من اماكنها في قبرص والقسطنطينية، الى بغداد، ومراكز الحضارة الاسلامية، حيث ترجمت، وشرحت، ومن ثم انطلق بها العرب في طريق بناء الحضارة الانسانية، فلم يقفوا عندما حققه الإغريق من مهارات، وإنما جعلوا علوم الإغريق خطوة انسانية، تجاوزوها الى خطوات اخرى، في الطب، والفلك، والرياضيات، والعمران، والفلسفة, فقد نقلت اوروبا عن العرب الارقام العربية، والصفر، كما اخذوا البوصلة، وتعلموا نسج الثياب القطنية، وقد شاع في اوروبا تعلم الحساب العربي، والجبر، والمثلثات، فتتلمذوا على كتب الخوارزمي، وابن الهيثم، في الرياضيات، كما تتلمذوا في الطب على كتب ابن سينا، وابن الطفيل، وابن رشد والرازي، واخذوا الفلسفة عن كتب الفارابي، وابن الطفيل، وابن رشد، وقدم العرب لأوروبا كتاب المجسطي مشروحاً مفسراً، وقد وضحت في حواشيه الكواكب، وقربها او بعدها من الارض, ونقلت اوروبا عن العرب من العمارة، ومازالت شواهده موجودة في اسبانيا والبرتغال الى يومنا هذا, هذه المهارات التي برع فيها العرب، واخذتها أوروبا هي القواعد الاساس للحضارة الاوروبية، فقد احسن الاوروبيون استثمار المهارات العربية في العلوم المختلفة، حيث طوروها، وانطلقوا بها في طرق الرقي الحضاري فتبلورت لديهم مهارات مختلفة، في الطب، والفلك، وعلم الآلة، وفن الحرب، ومعرفة البحار والمسالك، وقد مكنتهم تلك المهارات من الوقوف على الهرم الانساني، فاصبحوا سادة الدنيا في العلم، والطب، والصناعة، وعدنا نحن العرب نستجديهم الخبراء، ليعلمونا من جديد، فكل مشروع تعليمي يستشار فيه الغرب، وكل آلة حرب يستشار فيها خبراء الغرب، ورجعنا نتعلم في جامعاتهم، ونقرأ كتبهم، ونتعلم لغاتهم، ومع ذلك لم نلحق بهم، كما لحقوا بنا من قبل.
|
|
|
|
|