| الثقافية
* وقعت على مقالة للأستاذ عابد خزندار ليس فيها من ذلك الفنان المبدع الذي أعرفه شيء، ولا أظنه تخلى عن مشروعه الفني والأدبي والإبداعي الكبير، ولكني أرى أن هذا الاستاذ الذي أبدع في يوم من الأيام كتابات أدبية وفنية راقية عن حياته الأولى في مكة المكرمة، وقدّم لنا كتباً إبداعية كثيرة ليس أجملها (حديث الحداثة) اصبح يغيب عنّا شيئاً فشيئاً حتى بدأت صورته الأدبية الحداثية الراقية في التلاشي عن المشهد الأدبي، إلى حين عودة قلمه المأمولة.
وأمامي الآن كتابه (حديث الحداثة) والذي أهداه إلى الاستاذ/ عبدالله العبدالجبار الأديب والانسان، وهو الذي حرّض الأديب عابد على الكتابة حين كان تلميذاً في مدرسة ثانوية بمكة المكرمة، وكان الأديب السعودي المعروف عبدالله عبدالجبار مشرفاً على مكتبة المدرسة قبل أن يعين مراقباً عاماً للبعثات السعودية في مصر، ومنح الطالب عابد خزندار فرصة الكتابة وإلقاء ما كتبه في ندوات المدرسة ثم عيّنه مشرفاً على تحرير صحيفة الطلبة حين سافرا للدراسة بالقاهرة.
يسأل الاستاذ عابد في كتابة: هل هناك حداثة عربية؟ أو بكلمات أخرى هل أستطيع أن أقول إن الحداثة العربية بدأت بأبي تمام؟ وإن حداثيي اليوم ما هم إلاّ ورثة ابي تمام؟ .
ويواصل: مهما يكن موقفنا من الحداثة أو الحداثية رفضاً او قبولاً، فلا بد أن نعترف شئنا أم أبينا بأن ثمة حداثة أو حداثية إلى حد التعبير المحلي ذلك لأن الحداثة تخترق حياتنا وتقتحمها بل وتطبقها وتحيط بها، حين نغدو ونروح وحين نصبح ونمسي بكل ما هو ميسر لها ومتاح لديها من وسائل سلعية وإغرائية وإعلامية لعل من أخطرها شأنا التلفزيون وما يدعمه من أقمار صناعية لا تدع صغيرة أو كبيرة إلاّ وقد أحاطت بها وأحصتها وجسمتها وأقحمتها علينا دون أن نريد وحيث لا نريد في أخص ما نملك وهو المنزل والمسكن بل وغرفة النوم وحتى عالم الأحلام أو ذلك العالم الذي نتوهم أن لا أحد غيرنا يملكه وهو عالم اللاوعي أو العقل الباطن .
وتواصلاً مع هذا الهم المطروق يحسن بنا أن نشير الى بعض الكتابات الصحفية التي تمر أحياناً على موضوع الحداثة بالذات في الأدب مروراً ساخراً لا معنى له ولا فائدة منه، وهم على اية حال قليلون ولكنهم يجهلون او يتجاهلون ان الحداثة ليست لغة فقط، وليست مجرد كتابة أدبية، ألفاظ أومفردات جديدة، الحداثة رؤية وموقف قبل كل شيء، رؤية تبدأ من داخل الكاتب أو الفنان، رؤية جديدة للحياة وللواقع الذي نعيشه، رؤية تخرج من تراكم تجارب ومن تراكم ثقافي ومعرفي ومن وعي عميق بأهمية التجديد أولاً وأخيراً، يسبق ذلك إحساس مرتفع وإدراك بأن الفن لا يمكن أن يكون فناً راقياً وجديداً ومغايراً ومبدعاً إلاّ من خلال رؤية راقية وواعية ومبدعة يمتلكها الفنان، كما ان الفن الحقيقي من جهة اخرى لا يمكن ان يطور ذاته إلاّ حين يكون مدركاً لأهمية الرؤية الجامعة بين الاصالة والمعاصرة، إذ من الصعب ان تقدم رؤية جديدة وأنت اسير مساحة تفكير ضيقة لا تتجاوز التراث الأدبي مثلاً بدعوى الوفاء له مع رفض صارم لكل رؤية جديدة ولكل مفردة حديثة ولكل أفكار متقدمة، وهنا يجدر الإشارة الى الكثير من الكتب الإبداعية العربية والمحلية التي صدرت في العقدين الاخيرين في مجالات القصة والشعر والرواية، والتي قدمت إبداعاتها برؤية حديثة تجلى فيها الوعي والعمق والأدب وتجاوزت ما سبقها في وعي مفهوم الأصالة والمعاصرة.
وبعيداً عن الحداثة والمحافظة والأصالة والمعاصرة وبعيداً ايضا عن التزام الكاتب وحريته الفنية، اجد ان كل من ينطلق من افكار مسبقة ومن ذهنية متوقفة عند نقطة معينة رافضة لكل افكار جديدة لا يستطيع ان يقدم شيئا يستحق الحوار، وكل كتابة لا تستحق الحوار هي كتابة تلغي ذاتها بذاتها، الحياة تتقدم الى الأمام متذكرة ماضيها الجميل، والأدب العربي والمحلي في كثير من نماذجه يسير وفق هذه النظرية البدهية ولا يلتفت كثيراً للخلف، وهنا نعود قليلاً لكتاب الاستاذ عابد خزندار حديث الحداثة الذي يتساءل في هذه الاسطر: ما يحدث الآن في العالم يضعنا إزاء واقع جديد وهو واقع ما ان نشرع في التعامل معه حتى نفاجأ بواقع جديد متغير، الأمر الذي يجرد كلمات مثل الواقع والحاضر والحديث أو الحداثة نفسها من اي محتوى بحيث لا نملك إلاّ ان نقرر انه ليس ثمة حاضر او حديث هناك الماضي والمستقبل وحسب وليس بينهما زمن او فراغ ,, ولكن المستقبلية والحداثة تتداخلان أحياناً، في مسألة الجدة أو التجديد، وهي التي تضفي على الحداثة قيمتها الأساسية كما يقول (بودلير)، وهنا نتوقف للقول ان المسألة اخيراً ليست حداثة فقط وإنما ما ننتظره من الأدب ومن العلوم ايضا وفي كل جوانب الحياة نظرة تجديدية دائمة تحرك المياه الراكدة ولا تظل تدور حول محورها فقط من أجل المحافظة على بعض المكتسبات القليلة فقط؟!
نأمل ان يعود الى الساحة الناقد والاديب والفنان المتجدد عابد خزندار، على أمل محاولة الاقتراب من كتب أخرى في الأسابيع القادمة.
|
|
|
|
|