قال ابن خلدون في مقدمته: المعرفة هي الأخذ من كل علم بطرف ، وقال لي أحد المتخصصين في الأدب العربي، ويحمل شهادة عليا، ويمارس كتابة يسميها شعراً: إنه لا يعرف بحور الشعر العربي، ولا يقيم وزناً لقصيدة التفعيلة، ولا يجترح شيئاً في قصيدة النثر,, بل إن شعره هو وليد ذاته، ولا يستطيع سكبه في القوالب التي يضعها الآخرون,, وعلى هذا فقد كانت قصائده قواماً بين ذلك كله!!
دهشت لما سمعت منه، ولما قرأت له,, ولا أدري كيف مرت بالبال مقولة ابن خلدون تلك,, وربما يذكر الشيء بنقيضه، فصديقنا المتخصص لا يعرف بالبحور، ولا بالتفعيلة، ولا بقواعد قصيدة النثر، ومع ذلك فهو يكتب كتابة تراوح بين مشية الحمامة ومشية الغراب,, ويدعي انها تعبير مختلف عن عالم مختلف.
ورغم ان هذه حالة شاذة بين الأدباء والمتأدبين في عالنا العربي، إلا أنها حالة واسعة الانتشار لدى الأغلبية في أغلب التخصصات لا في عالمنا العربي وحده، بل في العالم بأسره,, بعد أن طغى التخصص على كل ما سواه,, وأصبحت المعرفة في غيره ترفاً لا داعي له.
ونحن هنا لا ننكر على المتخصص التعمق في تخصصه، والاحاطة به,, بل ندعو إلى ذلك بحماس شديد,, ولكننا ندعو إلى جانبه بشيء مما قاله ابن خلدون,, فالأخذ من كل علم بطرف أدعى إلى تعزيز التخصص، وتثقيف صاحبه.
وأما إذا كانت تلك المعارف من صلب التخصص، كما هو الحال عند صاحبنا,, فإن نقصها منقصة لا تقبل التبرير,, فالمتخصص بالرواية العربية، لابد أن يعرف من الشعر وعن الشعر الكثير,, والمتخصص بالتاريخ الحديث لابد أن يحيط بجوانب التاريخ الأخرى، والمتخصص بجراحة القلب لابد أن يعرف في الطب العام.
وهذه دعوة إلى جميع جامعاتنا العربية,, ان تيسر لأبنائها الأخذ من كل علم بطرف.
محمد عيسى الحوراني
|