| مقـالات
إذا كان علينا أن نستثمر طاقات العاملين الاستثمار الأمثل في بناء الوطن وتحقيق أهدافه التنموية توجب علينا وضع الإنسان المناسب في موقع المسؤولية العملية المناسب له.
والفرد الذي لا يوضع في المكان الذي يناسب قدراته وخبراته واستعداداته وإمكاناته تنتابه بعض الاعراض اثناء ممارسته للعمل أو الاداء الوظيفي مثل فشله في التكيف مع الوظيفة او مع بيئة العمل او مع متلقي الخدمة من المواطنين، يضاف إلى ذلك فقدانه للحماس والاهتمام بالعمل، وعدم القدرة على اتخاذ أي قرار والالتجاء إلى مسلكيات غير عملية وغير اجتماعية ثم الوصول الى عدم الثقة في النفس.
ولذا يلزم على جهات التوظيف ان تعطي اهتماما بمعطيات التوجيه المهني لمساعدة الفرد على دخوله للمهنة التي سبق ان اعد لها، وحصل على تأهيل مناسب لممارستها، وحصل على الترقي والنمو فيها.
والذي يدعونا لهذا القول هو ان الافراد ليسوا على وتيرة مهنية واحدة لوجود فروق فردية بينهم، فهم يختلفون فيما بينهم في الذكاء والقدرات والاستعدادات والامكانات والميول وسمات الشخصية وما إليها, في نفس الوقت الذي ارتقى فيه المجتمع وتطور وتعددت فيه المهن والوظائف، وكلما زاد تقدمه ورقيه زادت الفرص المهنية المفتوحة امام شباب العاملين، وتأهيلهم العلمي والمهاري المناسب لتقلد وشغل المواقع الوظيفية, ومن المسلم به ان المهن ليست كلها واحدة من حيث متطلباتها من استعدادات وقدرات ومؤهلات علمية وخبرة مهنية.
ونضيف إلى ما سبق ذكره انه رغم القرب في التشابه بين الافراد اصحاب المهنة الواحدة في مؤهلاتهم العلمية وخبراتهم العملية إلا انه يوجد ايضا فيما بينهم فروق فردية كما ذكرنا، ولا يمكن التغاضي عنها خصوصا ما يتعلق بخاصيتي الذكاء والقدرات العقلية فضلا عما تضفيه المهنة على الشخصية, ولنعطي مثلا بمهنة الخدمة الاجتماعية مهنة كاتب هذا المقال فالاخصائيون الاجتماعيون جمعيهم ينتمون الى مهنة واحدة ذات خلفية علمية واحدة وخبرة عملية تكاد تكون واحدة، وتطلعات مهنية واحدة إلا انهم يختلفون في القدرات والاستعدادات فثمة اخصائي لخدمة الفرد الذي يضطلع بتشخيص وعلاج المشكلات الاجتماعية، وأخصائي لخدمة الجماعة الذي يعمل على تعديل سلوك الجماعة من خلال تشكيل الجماعات المختلفة تبعا للمؤسسات النوعية وديناميات الجماعة وقيادتها وشبكة العلاقات السائدة، وأخصائي (مجتمع) اجتماعي الذي يعمل في مشروعات وبرامج التنمية الاجتماعية، واخصائي اجتماعي معالج الذي يقوم بعلاج المسلكيات اللاسوية، لذلك توجد المعاهد والكليات التي تؤهل فئة الاخصائيين الاجتماعيين للقيام بأعباء هذه المهنة بما تتطلبه من استعدادات وقدرات مختلفة.
ويعمل افراد هذه المهنة (الخدمة الاجتماعية) في مجالات شتى ومتعددة فمنهم من يعمل في مؤسسات الرعاية الاجتماعية والمؤسسات العقابية وفي المدارس والمعاهد والكليات وفي المستشفيات وفي مكاتب الاستشارات الاسرية والجمعيات الاهلية والمراكز التنموية.
ووضع الانسان المناسب في المكان المناسب يساعده على احراز التفوق والنجاح والترقي في المهنة التي يعمل بها.
من هذا كله يتبين ان الدخلاء على المهنة الذين لم يؤهلوا علميا وخبرويا ومهاريا للدخول فيها يحط من شأن هذه المهنة ويعوق تطورها ويحول دون تقدمها ورقيها مما يجعل اللجوء الى عملية التوجيه المهني هدفا أساسيا لمساعدة الفرد للدخول في المهنة المناسبة وتكيفه تكيفا سليما معها حتى يسعد فيها ويتفاعل معها تفاعلا سليما، وينمو في احسن الظروف المواتية.
ونحن نعيش في مجتمع متغير يعتمد على التخصص المعرفي المعلوماتي المتجدد لنمو الفرد في مجال مهنته وتقدمه بتقدمها، حيث يتساير مع التطور لامكانية اعداده لحياة مهنية منتجة لا تبعد عن خلفيته العلمية لأن ما حصله في هذه الخلفية من مناهج دراسية ما هي الا خبرات داعمة لاعداد الفرد للمهنة التي يمارسها، التي يصلح فيها، فثمة اندماج بين الخلفية العلمية، والخبرة المتحصلة، والممارسة العملية، ومردود هذا الاندماج هونجاح العمل وبلوغ غاياته.
ان عملية الالتزام بالتخصص المهني فيها تقرير مصير لمجال العمل إما التقدم او الاخفاق، إما الكفاية او الجمود، اما التطور او السكون, وهذه مشكلة من مشكلات التوظيف، واتجاهات حل هذه المشكلة تتلخص في: عدم الدخول في اي مهنة الا للمعدين لها اعدادا جيدا، وان تعتمد جهات التوظيف على معطيات التوجيه المهني والعمل على انشاء مراكز للتدريب بكل وحدة رئيسية من وحدات العمل لتنمية ودعم الخبرات المهنية، اتخاذ خطوات المنهج العلمي في تطوير العمل الحالي بالوحدات الادارية, ونعطي مثلا بالادارة الاجتماعية فنقترح ان يشمل التطوير تقييم الاستعدادات المهنية لدى كل من العاملين والوقوف على نواحي القوة ونواحي الضعف في الاداء الوظيفي عن طريق تفحص الخبرات المهنية القائمة والموزعة على مجالات العمل المختلفة، وتفحص نوعية التعليم المتوافق مع المهنة ونوع المران الذي حصل عليه الموظف ومدى ارتباطه بمهام الوظيفة ومسؤولياتها، وقياس الاستعدادات والقدرات ومستوى الذكاء بمعرفة المختصين في القياس العقلى وهم كثر بجامعاتنا، يلي ذلك اكتشاف ميادين العمل التي تناسب القدرات والاستعدادات الفعلية لدى كل من الموظفين، واكتشاف بعض العوامل والاسباب المعيقة للاداء الناجح والمتميز في ميادين العمل الاجتماعي المختلفة, وذلك في ضوء التعرف على التغيرات التي طرأت على ميادين العمل الاجتماعي المختلفة, ثم يعقب ذلك حتمية اعادة توزيع العمالة ليوضع الانسان المناسب في المكان المناسب لنتائج فحص القدرات والاستعدادات والميول والامكانات والخبرات العلمية والمهارية.
إنها نظرة تجديدية تعتمد على فلسفة التوجيه المهني وأصوله وممارساته في نشاطات الخدمة الاجتماعية في مجتمع تظله نهضة اقتصادية وعلمية واجتماعية وثقافية وابداعية وتعليمية، وفي ضوء الوعي الذي يسود مجتمعنا المعاصر.
|
|
|
|
|