| مقـالات
ساءني جدا ما كتبه الأستاذ الفاضل تركي العسيري في جريدة الجزيرة في عددها 10207 الصادر في يوم الجمعة 10 جمادى الآخرة 1421ه بعنوان قبل الانفجار ، اذ قال: فالزيادة العشوائية في التناسل تعني ضمن ما تعنيه زيادة في الأعباء على البلاد، زيادة في الخدمات المختلفة: الصحية، التعليمية، المستشفيات، الطرق، السكن، الكهرباء، الماء، الزيادة السكانية تعني المزيد من الضغط السكاني والأمني والسياسي والاجتماعي والانساني , وقوله: ولذلك فطنت بعض تلك البلدان الى ما يمكن ان يسببه هذا الانفجار السكاني المرعب فوضعت استراتيجية عملية لمواجهته، عن طريق توعية الناس بخطورة ذلك على الفرد وعلى المجتمع وعلى الدولة نفسها، فالزيادة تعني القليل من التربية السليمة، والقليل من فرص تعليم أمثل، ولما رأت بعض الدول ان توعية الناس لم تثمر عن ضبط معدل التناسل المتزايد، وضعت شروطا صارمة لتنظيم ذلك ساهمت بدورها في وضع حد لمسألة التوالد الأرنبي! واعتقاده ان زيادة النسل تعني نشوء طبقة الفقراء والمعدمين ونشوء التمايز الاجتماعي الذي يؤدي بدوره الى نظرات الحقد والغبن وحتى الانحلال؟! ، وزعمه انه قد ذهب زمن التفاخر بكثرة الأولاد والأحفاد ، خلافا لقوله تعالى: والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين الفرقان 74، وفيما ذهب اليه كله خلاف كبير لمبادىء أساسية حث عليها الاسلام ودعا لها، فكيف غابت عن ذهنه وبات يردد عبارات مكررة مألوفة ينعق بها أعداء الاسلام.
قديمة جدا دعوى مخاطر النمو السكاني واعتقاد ان زيادة السكان تؤدي الى نضوب الموارد وشحها وانعدام الثروات الطبيعية المتاحة أو ما يعرف بنظرية الندرة، فقد نعق بهذا الراهب توماس مالتوس منذ عام 1798م,
يزعم مصدقو نظرية الندرة ان البشر يتزايدون وفق متتالية هندسية أي يتضاعف عددهم من 1 مثلا الى 2 الى 4 الى 8 الى 16 في حالة افتراض متتالية الضعف، أو يزداد عددهم من 2 الى 4 الى 16 الى 256 الى 65536 في حالة افتراض متتالية الأس المضاعف في حين أن الموارد المتاحة للناس تتزايد وفق متتالية خطية أي تزيد الموارد المتوفرة من 1 الى 2 الى 3 الى 4 الى 5 الى 6 ، وهذا يعني ان عدد البشر يزيد بنسبة بين 16 الى 256 ضعفا في حين ان الموارد المتاحة تزداد بنسبة لا تزيد عن 4 أضعاف فقط، مما ينذر بالخطر المحدق بالبشر اذا استمر معدل النمو السكاني بالارتفاع.
تقول سوزان جورج فاضحة دوافع الغرب لتبني مثل هذه النظرية وبثها بين شعوب الدول نحن الغربيين من الأفضل لنا دراسة بواعثنا أو دوافعنا الأصيلة، أكيد اننا نخاف من النمو الديغرافي للعالم الثالث الذي سيطالب بقسطه من الرقي الاقتصادي الذي هو من نصيبه وسيعمل على تخفيض مستوى معيشتنا ، هذه هي احدى دوافع الغرب وراء النداء لتحديد النسل وخفض معدل النمو السكاني في دول العالم الثالث عامة والدول الاسلامية خاصة.
لا أعتقد ان أخي الفاضل الأستاذ تركي العسيري يغفل عن هذا عندما ازداد خوفه من ارتفاع نسبة المواليد في المملكة العربية السعودية وقال بأنها نسبة عالية بكل المقاييس وأشار الى ان ذلك ينبغي ألا يقابل بالصمت، بقدر ما ينبغي أن يقابل بدراسات جادة وعملية لما يمكن ان يحدث لنا في المستقبل، والمستقبل القريب على الأقل ، وقد ذكر ان هناك دولاً كثيرة تحولت بفعل الانفجار السكاني من دول غنية مرفهة الى دول فقيرة معدمة، من دول دائنة الى دول مدينة، سبحان الله هكذا دول بكاملها؟.
لقد كان كلام الحق سبحانه وتعالى واضحا وجليا ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون الأعراف 96، وقوله تعالى: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا نوح 10 12 ، وقوله تعالى: وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون الذاريات 22 23، ووضوح هذه الآية الكريمة جعل ذلك الأعرابي يعجب من قسم الله ويسخر ممن يشقيه تلمس الرزق أو يعجز عنه.
وأين دعوى التخويف من الانفجار السكاني أو مخاطر النمو السكاني من قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة أخرجه أبو داود، وخرج ابن ماجة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ، وأخرج البيهقي قول الرسول صلى الله عليه وسلم: خير نسائكم الولود الودود ، لقد أحسن الدكتور جعفر عبدالسلام نائب رئيس جامعة الأزهر عندما قال بشأن تنظيم النسل في جريدة الشرق الأوسط في العدد 5733 بتاريخ 9/8/1994م لا يجوز لأحد بما في ذلك الدولة بسلطانها وسلطتها أن تتدخل في اجبار أحد على التنظيم، لأنه من الأمور التي يستقل الأفراد بتقديرها، فالزواج وهو الطريق الى الإنجاب من الحقوق المقدسة التي تقررها المواثيق للإنسان، كذلك فان الأطفال مهما كان عددهم يستحقون رعاية خاصة من قبل الدولة .
ان تحديد النسل بدعوى الانفجار السكاني قضية خطيرة تخالف تعاليم الدين وتوجيهاته النبيلة، ويسعى الغرب جاهدا لترسيخها في الأذهان خوفا من ظهور الدول النامية وزيادة أعداد سكانها، فقد ضمن الله تعالى لكل مخلوق رزقه كما كتب له أجله، ولا يمنع هذا من التخطيط السليم وإيجاد الفرص الممكنة، مع اليقين التام أن ليس هناك عشوائية في خلق الله وتدبيره وتقديره، وليس صحيحا أبدا انه كلما زاد عدد السكان زاد الفقر وتضاعف الحرمان وكثر الجوع، بل ان قضية الرزق مرتبطة ارتباطا وثيقا بالإيمان بالله والطاعة واتباع الشرع، ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون الأعراف 96.
وما أسوأ من تلك السخرية التي ختم بها الأستاذ تركي العسيري حديثه، اذ قال: يبقى أن أنبه الناس في بلادنا والذكور منهم على على وجه الخصوص الى وجود هوايات أخرى مفيدة وممتعة غير تناول الرز البسمتي، وممارسة التسلية الوحيدة آخر الليل، وكأن الدنيا خلت من المتع الجميلة، ولم يعد يؤرقنا غير أن نتباهى بفحولتنا التي تزف لبلادنا مع كل صباح طازج 720 فماً حتى ولو كانت تلك الفحولة مزيفة ، ومن صنع الحبة الزرقاء اللعينة، عفا الله عني وعنه وألهمنا طريق الرشد والصواب وجعلنا هداة مهتدين.
|
|
|
|
|