| وَرّاق الجزيرة
* اختيار وتحقيق:فائز بن موسى البدراني الحربي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن الحديث عن شخصية الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله وبطولاته وشيمه وانجازاته لمجال خصب للكتابة التاريخية لكل كاتب يتشرف بصدق الانتماء لهذه البلاد المتميزة بين البلدان بأنها أرض العروبة ومهبط الوحي ومنطلق السلام والاسلام، حيث أضاف الملك عبدالعزيز يرحمه الله إلى تلك الخصائص التاريخية أمجاداً جديدة ومفاخر فريدة.
ولهذا فإن الكتابة في تاريخ الملك موضوع ترتاح إليه النفس ويطمئن إليه البال ويتشرف به الكاتب المنصف، وخاصة من لديه أدنى اطلاع على تاريخ المنطقة العربية قبل قيام الدولة السعودية التي غيرت مسار التاريخ على هذه الارض الطاهرة، وأوقفت نزيف الفرقة والتناحر، وأبدلت بفضل الله لباس الجوع والخوف والجهل بلباس الكرامة والأمن والعِلم، وأعادت للعرب كرامتهم وللاسلام توهجه وصفاءه.
فقد شاء الله ان يأتي الملك عبدالعزيز مجدداً لهذه البلاد امجادها ومعيداً لها تألقها بعد أن تكالبت ظروف اوقفت مسيرة المد السعودي الأول والثاني، فيستعيد ملك آبائه وأجداده ببطولات تشبه الأساطير، ويضيف عليها مزيداً من مزايا الاعجاب بشخصيته الفريدة وأخلاقه الحميدة وحنكته السياسية وبُعد نظره وصفاء منهجه الاسلامي، ليترك للتاريخ وللمؤرخين وللرواة والسامرين ان يكتبوا وأن يتحدثوا إلى ان تضنيهم الكتابة ويعجزهم الحديث عن انجازاته وبطولاته وشخصيته المتميزة.
وقد قيض الله لهذا الملك العادل ابناء ساروا على منهجه وترسموا خطاه فواصلوا مسيرة الامجاد التي حققها الملك الراحل حتى وصلنا إلى ما نحن عليه في هذا العهد الزاهر من رخاء وتطور ونماء علمي وفكري واستقرار سياسي واجتماعي يضرب به المثل وتفتقر إليه معظم بلدان العالم اليوم.
ولا أتجاوز الحقيقة إذا قلت إنني أعتبر نفسي محظوظا أن أتيحت لي الفرصة لأساهم مساهمة بسيطة في الكتابة عن جزء بسيط من تاريخ الملك عبدالعزيز وأخباره من خلال تحقيق هذا المصدر التاريخي المحلي الهام، حيث ان خدمة تاريخ الملك عبدالعزيز تظل هاجسا وطنيا وأخلاقيا لكل من عرف الملك عبدالعزيز عن كثب أو قرأ تاريخه قراءة واعية منصفة.
أردت من خلال هذه المقدمة الدخول إلى هذا الموضوع التاريخي الذي رأيت أن أنشره على حلقات في هذه الصفحة، آملا أن يجد القارئ الكريم في هذه الحلقات معلومات جديدة عن تاريخ مؤسس هذا الكيان لم يسبق نشرها، وأن يكون فيه اضافة لمكتبتنا التاريخية، التي بدأت تؤتي أكلها بفضل الله ثم بفضل النهضة العلمية المباركة التي تمر بها بلادنا والدعم غير المحدود الذي تقدمه الدولة للبحث والباحثين.
ونظراً لطبيعة هذا البحث الذي يهتم بتحقيق مصادر تاريخ الملك عبدالعزيز رحمه الله وتتبع اخباره، فقد اخترنا من نصوص المؤرخ ما له علاقة بحوادث توحيد هذه البلاد على يد مؤسسها وموحدها مما يخص غزوات الامام عبدالعزيز وعلاقته مع القوى المحيطة به, ولعل أحد الباحثين المؤهلين يتصدى لتحقيق الجوانب الاخرى من هذا المؤلف التاريخي المهم.
** تعريف بالراوي محمد العبَيّد:
للأسف الشديد فإن هذا المؤرخ الصادق لم ينل حقه من التعريف من قبل مؤرخينا وخاصة أبناء بلدته، ولهذا فقد واجهت صعوبة كبيرة وأنا أحاول الترجمة له في هذه المقدمة المقتضبة.
ومع ذلك فقد جمعت اشارات من رواياته ونتف من روايات غيره عنه، وخاصة ما افادني به الأخ د, عبدالله الصالح العثيمين، والأخ الشيخ عبدالرحمن البراهيم البسام، والشيخ عبدالله العبدالرحمن البسام وغيرهم.
هو محمد بن علي العُبَيِّد من أهل مدينة عنيزة في منطقة القصيم، ولد حسب افادته سنة 1303ه في بلدته عنيزة، وكانت إذ ذاك من كبريات البلدان في نجد، بل إنها كانت أكبر بلدان القصيم حينئذ (1) .
ويستفاد مما كتبه الشيخ عبدالله البسام في كتابه علماء نجد ان الشيخ محمد العبيد من آل أبي غنام من ذرية زهري بن جراح الثوري الذين منهم أمراء عنيزة آل سُلَيم، وهم بطن من الرباب دخلوا في قبيلة سبيع (2) .
نشأ الراوي محمد العبيد في مسقط رأسه وتعلم مبادئ الكتابة والقراءة، في ظروف سياسية متقلبة، حيث كان الصراع على أشده في نجد بين القوى السياسية، وعلى رأسها آخر أمراء البيت السعودي في منطقة العارض والأمير محمد بن رشيد في الشمال، الذي بدأ نجمه يسطع ونفوذه يزداد ابتداء من آخر القرن الثالث عشر الهجري وبداية القرن الرابع الهجري.
وفي السنة الخامسة من عُمر الراوي محمد العلي العبيد أي سنة 1308ه وقعت معركة المليداء بين محمد بن رشيد وبين أهل القصيم، وكان أكثر المتضررين من تلك الحادثة المؤلمة هم أهل عنيزة وعلى رأس القتلى أميرها زامل السُليم وعدد كبير من خيرة رجالات عنيزة وشجعانها.
وكما يحكي الراوي عن نفسه فقد نشأ يتيماً وعانى مرارة تلك الظروف القاسية والحروب الدامية التي شهدتها منطقة نجد بالذات بعد أفول نجم الدولة السعودية الثانية وسيطرة البيت الرشيدي على الامر في وسط نجد.
وعند بلوغه سن الرابعة عشرة اي سنة 1317ه خرج العبيد في أولى رحلاته لطلب الرزق وغادر بلدته الغالية متجها إلى مكة وبدأ فيها ممارسة تجارته البسيطة، ثم انطلق منها في بضاعة يبيعها للبادية في عالية نجد وأطراف الحجاز.
وإذا ما تتبعنا بعض الاشارات التاريخية العابرة عن المؤرخ من خلال مذكراته بعد ذلك، فإننا نستطيع ان نعرف عنه ما يلي:
في سنة 1321ه (3) استقر به المقام لفترة قصيرة كما يقول عند الشيخ هذال الشيباني شيخ قبيلة الشيابين، وكان عمره حينئذ 18 عاماً، ثم رجع إلى القصيم واشترك مع أتباع الملك عبدالعزيز في حصار بريدة سنة 1322ه (4) .
ذكر انه كان في مكة المكرمة سنة 1327ه (5) .
ذكر انه كان في بلدة الخرمة سنتي 1330ه و1331ه (6) .
ذكر انه كان في مكة المكرمة اثناء قيام الشريف بثورته ضد الدولة التركية سنة 1334ه (7) .
ذكر انه كان في الطائف سنة 1351ه (8) .
وبعد ذلك أمضى العبيد حياته متنقلا بين العارض والقصيم والحجاز في تجارته أحيانا وفي غير ذلك احيانا أخرى، وشارك في بعض الوقائع التاريخية في قوات موحد الجزيرة العربية، كما اشتغل في خدمة الملك عبدالعزيز في آخر حياته (9) ، ثم عاد إلى بلدة عنيزة واستقر به المقام بها إلى ان وافته منيته المحتومة سنة 1399ه بعد ان كبر وضعف بصره.
وهكذا فقد كانت حياة محمد العبيد حافلة بالصعاب والمغامرات، فعركته الحياة وعركها وعاش مع شيوخ البادية فعرف طباعهم وأخبارهم, وعاش في الحاضرة وعرفها تمام المعرفة، وعاصر ثورة الشريف واكتوى بنارها, كما عاصر بداية ظهور الاخوان وبداية تشددهم الديني، وشهد نهاية ذلك العهد وبداية عهد الاستقرار والبناء، حتى صار موسوعة في معرفة الرجال والاخبار والاشعار، يتميز بقوة الذاكرة كما يتميز بصدق الحديث والانصاف, غير ان هذه الاشادة به كراوية وكمؤرخ مجتهد لا تنفي عنه ما يلاحظ عليه من وجود بعض الاخطاء في روايته، وخاصة في رواية الاشعار, ولكن ذلك ربما يعود لكونه لا يملك ملكة الشعر التي تمكنه من معرفة البيت المستقيم من البيت المكسور، كما انه لا يجيد اللغة العربية، مما أوقعه في ايراد بعض الابيات الفصيحة ملحونة، فضلا عن اخطائه اللغوية في مخطوطته التي تدل على ضعف تمكنه من اللغة العربية، مما يعطينا مؤشراً جيداً لتقييم مستواه العلمي.
ولعله في ذلك لا يخرج عن منهج المؤرخين النجديين الذين يكتبون بلغة محلية هي خليط بين العامية والفصحى، اضافة إلى انهم درجوا على نقل الاخبار كما يسمعونها من غير تحقيق ولا تمحيص، وخاصة تلك الاخبار التي لا ينقلونها عن مشاهدة شخصية.
غير ان هذه الاستدراكات لا تقلل من الجهد الذي بذله العبيد في حفظ كثير من الاخبار او التفاصيل التي انفرد بها عن معاصريه من الرواة والمؤرخين، كما انها لا تقلل بحال من الاحوال من القيمة التاريخية لمخطوطته كمصدر تاريخي محلي لا يقدر بثمن.
وكما اسلفنا فإن حديث العبيد ينم عن اخلاق كريمة وصدق في اللسان وميل إلىالتقوى في كلامه واستشهاداته من الآيات والأحاديث وجميل الاشعار.
** تعريف بمخطوطة العبيّد:
ورغم أهمية مخطوطة العبيد وقيمتها التاريخية، إلا انها تأخرت كثيراً في الظهور، وتعرضت لتكتم شديد وتحفظ لا مبرر له في نظري من ابناء المؤلف، وتكتم بعض من وصلت إليهم المخطوطة، لأسباب ربما تتعلق بحساسية بعض الآراء والمعلومات الواردة في المخطوطة، وخاصة فيما يتعلق بالأنساب وبعض الأخبار التي أوردها المؤرخ بصراحة متناهية مما لا يتماشى مع أسلوب المجاملات والمداهنات والحساسيات المفرطة التي يتميز بها مجتمعنا هذه الأيام!
ومع أن مَرويّات الشيخ العبيّد لا تقتصر على مخطوطته فقط، حيث ان له بعض الروايات المسجلة على اشرطة كاسيت والتي حصلت على بعضها، إلا اننا سنقتصر في هذا الحديث عن الكلام عن المخطوطة التاريخية التي خلفها العبيد وخلدت اسمه وشهرته، رغم انها لم تتداول بشكل كبير حتى عهد قريب.
وأول اشارة اطلعت عليها على هذه المخطوطة هي اشارة الدكتور عبدالله العثيمين عندما أوردها في قائمة مصادر كتابه: نشأة إمارة آل رشيد الطبعة الثانية 1411ه (10) .
ومنذ تلك اللحظة التي اطلعت فيها على تلك الاشارة وأنا أبحث عن تلك المخطوطة إلى ان يسر الله حصولي على نسخة منها سنة 1415ه.
وأعتقد أن أول تعريف موجز نشر في الصحافة عن هذه المخطوطة، هو ما ورد في مجلة الغدير في عددها (37) لشهر يونيو 1967م، ص101، وإن لم يكن ذلك التعريف دقيقا في وصف المخطوطة أو اعطاء معلومات مفيدة عن صاحبها وعن مكان وجود نسخها!
** وصف المخطوطة:
تقع المخطوطة التي بين أيدينا في 193 ورقة (386 صفحة)، من الورق العادي، وقد قسمها صاحبها الى ثلاثة أجزاء متداخلة من حيث اتصال الموضوعات، وهي كما يلي:
الجزء الأول : وهو من ص3 إلى ص126، وهو مقسم إلى فصول وعناوين كما يلي:
فصل : في بداية شعر النبط بالجزيرة العربية.
فصل : في مسير العساكر إلى نجد.
فصل : في ابتداء امارة الرشيد.
فصل : في وقعة بقعاء.
فصل : في وصول قوات عباس باشا إلى المدينة.
فصل : امارة جلوي بن تركي في عنيزة.
فصل : سنة 1277ه.
فصل : سنة 1279ه.
الجزء الثاني : من ص127 إلى 276.
وهذا الجزء متصل ولم يتم تقسيمه إلى فصول، أو عناوين رئيسية.
الجزء الثالث : ويشمل بقية الكتاب، وهو كالجزء الثاني.
(1) لقد ذكر ذلك كثير من المؤرخين المعاصرين لتلك الفترة، مثل داوتي في مذكراته، ولوريمر في كتابه: دليل الخليج ، وأمين الريحاني الذي سماها: باريس نجد في كتابه: ملوك العرب او رحلة في بلاد العرب ، وانظر كتاب: مدينة عنيزة بين الأمس واليوم للدكتور محمد بن عبدالله السلمان، الطبعة الثانية 1411ه.
(2) علماء نجد خلال ستة قرون، تأليف: الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام، ط1 سنة 1398ه، ج3، ص862.
(3) اشار المؤرخ إلى ذلك في ص106 من المخطوطة.
(4) أشار إلى ذلك في ص118 من المخطوطة.
(5) أشار إلى ذلك في ص149 من المخطوطة.
(6) أشار إلى ذلك في ص130 وص157 و166 من المخطوطة.
(7) أشار إلى ذلك في ص185 من المخطوطة.
(8) أشار إلى ذلك في ص237 من المخطوطة.
(9) أشار العبيد إلى انه أحب الملك عبدالعزيز وصاحبه في بعض مغازيه، ص114 وص243 من المخطوطة.
(10) نشأة امارة آل رشيد، د, عبدالله الصالح العثيمين، ط2، 1411ه 1991م مطابع الشريف، ص266.
|
|
|
|
|