أسفت جدا أن تتناول الصحافة المحلية والإقليمية والعالمية في هدوء شديد تصريحات الحاخام المتطرف عوفاديا يوسف الزعيم الديني لحركة شاس المتخلفة التي لمَّت شتات الشخصيات المنبوذة والمتشردة من هنا وهناك,, وجمعتهم في أرض الرباط، في فلسطين الحبيب.
لن أنعته بالمعتوه,, فقد وصف بهذه الصفة ذلك الإرهابي المتوحش الذي حمل رشاشه وحصد العشرات من المصلين في المسجد الإبراهيمي في الخليل,, ومن ثم بُرئت ساحته,, وماكان منه كأنه لم يكن.
ولن أنعته بالعنصري المماطل المخادع الناكر,, لأن هذا هو حال أمثاله منذ الأزل,, وقصصهم معروفة للداني والقاصي,, ولنتأمل على سبيل المثال لا الحصر قصة البقرة الصفراء الفاقع لونها واللاشية فيها ,, وقصة قولوا حطة ,, وقصة الذين اعتدوا في السبت ,, و,, إلى آخر هذه القصص الجلية التي وردت في القرآن الكريم عن أسلافهم ,, وما نراه في أيامنا هذه وما سوف نراه في مستقبل الأيام منهم ومن خلفائهم.
ولن أنعته بالصفات التي يستحقها,, لأني بكل بساطة لن آتي بجديد.
وأنا في الواقع لا أوجه كلمتي هذه له,, وأثق أن كل الذين تطرقوا إلى هذا الموضوع لم يقصدوا الرد عليه,, وإنما أوجه خطابي هذا إلى اولئك الذين يلهثون خلف هذه الفئة التي أوجدت كيانها بالمكر والخيانة والخسة,.
أوجه خطابي إلى كل ذي فكر حضاري له القدرة على معايشة الواقع بكل آلامه وآهاته.
وأوجهه قبل كل شيء وبعده إلى نفسي التي تحترق حزناً على ما آلت إليه أمة الإسلام من العرب وغيرهم من ضعف وتشتت وهوان بعد ان كانت تتقدم الأمم وتسابق الزمن وترفع رأسها عاليا شامخة بإيمانها وكريمة بعزتها,, نعم,, لقد غاب السيف فعمَّت الفوضى,, الأمر الذي جعل أعداء الأمة الإسلامية يتمادون في تمردهم وطغيانهم وغيهم.
فهذا هو أحد الرجالات غير العاديين, وكما يقال عنه رجل سياسة ودين,, ويمثِّل الغالبية العظمى من بني صهيون لدرجة أن باراك سعى إليه متوسلاً منه التأييد والمباركة في حملاته الانتخابية وفي كامب ديفيد الفاشلة ,, إذن الرجل ذو مكانة ليست عادية بين أبناء جنسه,, وهذه هي تصريحاته يقولها على الملأ وأمام أنصاره الذين مُزجت دماؤهم بافكاره وسمومه.
ماذا قال اليهودي:
قال: إن الفلسطينيين ثعابين .
فأقول : سبحان الله ,, هل هو الفلسطيني الذي سُلبت أرضه,, وتيتم طفله,, وسُبيت أمواله,, وانتُّهك عرضه على مسمع ومرأى من العالم أجمع,, وعاش أكثر من نصف قرن مشرداً بلا وطن ولا هوية,, نعم ثعبان هذا الفلسطيني في نظر رجل الدين اليهودي,, سبحان الله!!
وماذا قال أيضا:
قال وهو ينتقد باراك :لماذا تقرِّبهم منا؟ أنت تأتي بالثعابين إلى جوارنا, كيف يمكنك إقامة سلام مع الثعابين؟ .
واقول: سبحان الله ,, لقد أحال هذا اليهودي تشرده إلى الفلسطينيين ,, وأجلس نفسه ليكون هو صاحب الأرض ومالكها,, أصبح هو الإنسان والآخرون من حوله ثعابين أو ربما أقل,, أمسى يختال في مشيته ويترنح في حركته ويتسكع في لفظته رافضا السلام مع الفلسطينيين,, سبحان الله!!
وماذا قال أيضا؟
لقد قال هذه المرة واصفاً ضحايا المحارق النازية من اليهود ب الأرواح الفاسدة ,, وهذه لن أقف عندها كثيرا.
وماذا قال أيضا؟
لقد فجَّر قنبلة قوية عنيفة,,ولكنها تفجرت في نفسه وفي أنصاره وحاملي معتقداته,,لقد قال: ان الله ندم لأنه خلق بني إسماعيل,, وأنا هنا لن أقف عند ما يثيره هذا القول من حقد وضغينة تجاه العرب والمسلمين,, لأن هذه لا تحتاج إلى بيان هذا من جانب,, ومن جانب آخر لأن الفكر العربي والمسلم يتسم بالسمو والنبل والخلق الكريم، ولم يعرف عن الذات الإلهية هذا الأمر.
ولكني باللوعة والأسى وقفت وأطلت الوقوف إزاء كلمة الندم التي تفوه بها عن الله,, ف: سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر ,, سبحانه وتعالى عما يصفون,, إنه يخطئ في حق الله!!
وهنا تعود بي الذاكرة إلى أستاذ كريم كان يقص علينا رواية ملك الروم نيوفيل بن ميخائيل الذي طمع في بلاد المسلمين، فخرج قائداً على مائة ألف من الروم لقتال المسلمين، فوصل إلى زبطرة فقتل الأطفال والشيوخ، وخرَّب البلاد، وأسر النساء وسباهن، وانتهك أعراضهن، ومثَّل بكل من وقع في يده من المسلمين، وكان من ضمن النساء امرأة اقتادها جنود الروم للأسر، فصرخت هذه المرأة، بكلمة: وامعتصماه ، ووصل الخبر إلى المعتصم خليفة المسلمين فاستشاط غضباً لله وحرمات الله، قائلاً: لبيك اختاه ، وأعدّ العدة وخرج على رأس جيشه المسلم المؤمن لنصرة المسلمين في زبطرة، فوصلها ليجد الروم قد رحلوا عنها بعد ما ارتكبوه بأهلها من جرائم.
ولكن المعتصم أصرَّ على تتبع الروم وقتالهم، فسار إلى بلادهم، وسأل عن أقوى حصونها، فعلم أنها عمورية، حيث لم يتعرض لها أحد من القادة المسلمين من قبل، وأنها أفضل عند الروم من القسطنطينية نفسها، فصمم المعتصم على فتح هذه المدينة، وبتوفيق الله سبحانه وتعالى ثم بإيمانه الصادق كان له ما أراد,, فحاصر عمورية حصاراً شديداً، حتى استطاع ان يحدث ثغرة في سورها، فاندفع جنوده المؤمنون داخل المدينة، وحاربوا أعداء الله حتى سيطروا على المدينة وانتصروا على الروم تلبية لكلمة وامعتصماه وانتصارا لحمية الإسلام.
ورحم الله أبا تمام إذ قال:
السيف أصدق أنباء من الكتب في حدِّه الحدُّ بين الجدِّ واللعب |
,, إلى آخر القصيدة المعروفة للجميع.
واليوم يسمع العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه ومن شماله الى جنوبه هذا اليهودي وهو يخطئ في حق الله ولم يحرك ساكناً.
الحقيقة انني أستغرب هذا الصمت من المسلمين,, لدرجة أصبحت معها أتساءل: هل الله يندم؟ كلا وحاشا ,, إن الله سبحانه وتعالى لا يندم, ولكنه جل شأنه يغضب,, وهو الصبور الحليم ,, يمهل ولا يهمل,, وإذا حل وعده أنزل عذابه,, وأصناف عذابه أشكال وألوان تعرف جانبا منها الأقوام السالفة، ولعل أكثرها رحمة كونوا قردة خاسئين .
فيا أيها المسلمون ,, لعلكم تفيقون على حقيقة ما تخطط له الصهيونية العالمية من خلال ما يسمى إسرائيل.
ولعلنا نحن العرب المسلمين ندرك العداء البغيض الكامن في نفوسهم تجاهنا!! لعلنا نفيق من سباتنا العميق ونبصر واقعنا المرير,, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
* نائب الأمين العام لمؤسسة الملك فيصل الخيرية
|