أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 25th July,2000العدد:10162الطبعةالاولـيالثلاثاء 23 ,ربيع الثاني 1421

الاقتصادية

الجدل الدائر حول العولمة!!
هل العولمة مصدر للنمو الاقتصادي أم خطر على الترابط الاجتماعي والنظام البيئي؟
د, زيد بن محمد الرماني*
يتم في أغلب الأحوال تناول العولمة كظاهرة اقتصادية، تتحدد خصائصها في بروز الأسواق العالمية للسلع ورؤوس الأموال، وفي ايجاد نظم الانتاج المدمجة لكن العولمة تتطلب وجود عناصر مجتمعة أكثر شمولاً لا تقتصر على البعد الاقتصادي وحده.
فالعولمة تعمل على انتقال الأفكار والمعلومات والأمراض والمشكلات الاجتماعية، لكن أثرها الحاكم يتمثل في كونها تعمل على إنتاج الهويات والمؤسسات العابرة للحدود القومية.
وبشكل عام، فإن عملية العولمة تقدم المظاهر نفسها في المكان الذي تتبدى فيه، بما أن كوكب الأرض ليس كلاً واحدا كما يريد لنا بعض المنظرين والمفكرين أن نتصور.
ومع ذلك، لم تعمل العولمة على ايجاد عالم موحد، فهي ليست مرادفا لتعبير عالم موحد ، بل هي تتجه أكثر فأكثر إلى إيجاد نظام متشابك لعوالم متصلة أي مرتبطة فيما بينها.
وبالشكل نفسه، فالعولمة الثقافية لا تنتج ثقافة عالمية، ولكنها تنتج بالأحرى كوكبا تختلط فيه الثقافات، وتتعايش أو تتصارع.
وفي المقابل، نجد الشيء نفسه بالنسبة للانترنت، فشبكة الاتصالات العالمية عملت على توالد أسواق الغش ، وأسواق الجماعات الصغيرة.
فلم تعد العولمة بناء على ما سبق تحدياً اقتصاديا او سياسيا أو تقنيا ولكنها تمثل بالإضافة إلى ذلك تحدياً للفكر الإنساني عامة وبالتالي هي تحد للتعلم والتربية والثقافة والفكر.
وعليه، فإن من واجبات النظرية التربوية أن تلتفت باهتمام إلى آثار العولمة على تلك الجوانب الفكرية الإنسانية.
ومن ثم، يجب ألا نتخيل العولمة على أنها لعبة نتيجتها بالقطع فالسوق العالمية لا تمحو الفوارق بين الدول, وتفاعل البلدان المختلفة لا يأتي بالضرورة بالسلام، فهي تعني أنه في حالة المنافسة، لن يكون هناك منتصر حقيقي.
ولا يتردد بعض المفكرين في النظر إلى العولمة باعتبارها نوعاً من النهضة, يقول جورج تادونكي, أحد الجوانب الأكثر ظهورا للعولمة هي سرعة انتشار النماذج الثقافية الخارجية التي عملت على نقل المظاهر الديمقراطية.
وعلى الرغم من الثورة المعاصرة في المواصلات والاتصالات، والتقدم المحسوس الذي أحرزته عملية تحرير التجارة العالمية على مدى العقود الثلاثة المنصرمة، فإن الاقتصاديات الوطنية لا تزال معزولة عن بعضها بعضا بدرجة كبيرة, وتتضمن هذه العزلة حقيقة مهمة أكدها,, الباحث الاقتصادي بول كروجمان وهي أن العولمة ليست هي السبب فيما تعانيه غالبية الحكومات في الغرب الصناعي المتقدم من متاعب ومشكلات، بالقدر الذي يتصوره الناس عموما، يقول داني رودريك:
إن الفرضية القائلة: إن الاقتصادات المحلية أصبحت غارقة في سوق عالمية موحدة عديمة الملامح، فرضية غير صحيحة.
كما أن المخاوف المثارة من جراء سياسات العولمة بدت في الظهور العلني أكثر فأكثر فبينما تزيد العولمة الطلب على الانفاق الاجتماعي فإنها أي العولمة تتسبب في الوقت نفسه في الحد من قدرة الحكومات على التجاوب الفعال مع هذا الطلب ويترتب على ذلك أنه كلما تتعمق العولمة يتآكل الانفاق الاجتماعي المطلوب للإبقاء على الأسواق المحلية مفتوحة أمام التجارة العالمية.
ومن ثم فإن السؤال المطروح هو: كيف يمكن تخفيف التوتر بين العولمة من جانب والضغوط المبذولة لتقليل المخاطر من جانب آخر؟ ذلك أنه إذا أغفلنا عن إدراك الدور الحيوي الذي لعبه الانفاق الاجتماعي في التوسع التجاري، وتركت شبكات الرعاية الاجتماعية لتذوى، فإن ذلك سيؤدي إلى تآكل الإنفاق المحلي المحبذ للأسواق المفتوحة.
إن التوترات التي يمكن أن تحدثها العولمة باستمرار توترات حقيقية، بيد أنها توترات دقيقة، والمصطلحات المتداولة في النقاش الدائر حولها لاتساعد كثيراً على فهمها، فعبارات مثل منافسة الأجور المنخفضة وتمهيد ساحة اللعب والسباق نحو القاع ليست إلا عبارات مضللة، غالباً ما تتسبب في أن يسيء الناس فهم القضايا الحقيقية, إن الحاجة ماسة إلى لغة نقاش أكثر ذكاء وأقدر على التعبير عن الاختلافات وعن المعاني التي لا تزال غير واضحة.
جاء في كتاب عالم واحد,, جاهز أم غير جاهز,, المنطق السحري للرأسمالية العالمية ,, لمؤلفه وليم جريدر: إن التوسع العالمي للاسواق يضعف التماسك والترابط الاجتماعي، ويفضي إلى أزمة اقتصادية وسياسية كبرى.
ومع ذلك يجب ألا نفزع من العولمة، كما يجب ألا نأخذها مسلمة، فالعولمة تفتح آفاقا وتتيح فرصا لأصحاب المهارات والمؤهلات لتمكنهم من الحركة والازدهار في الأسواق العالمية كذلك يمكن أن تساعد العولمة الدول الفقيرة على الإفلات من قبضة الفقر.
بيد أن للعولمة، من الجانب الآخر، ضغوطا لخفض أجور العمال غير الفنيين في الدول الصناعية المتقدمة، وتفاقم الإحساس بتناقض الأمان الاقتصادي، وتعرض أشكالاً من النظم المجتمعية للخطر، وتضعف مظلات الضمان الاجتماعي.
إن أسباباً وجيهة تدعو إلى القلق من مستوى الجدل الدائر حول العولمة، فالمحبذون للتوحد العالمي يقفون ضد خصوم العولمة باعتبارهم حمائيين أي من دعاة رفع الضرائب على الواردات لحماية الإنتاج المحلي، ولا يفهمون مبدأ الميزة التفاضلية وقوانين التجارة ومؤسساتها.
بينما يعمد منتقدو العولمة من الجانب الآخر إلى اتهام الاقتصاديين وخبراء التجارة بضيق الأفق التكنوقراطي، ويرون أن الخبراء الاقتصاديين مفتونون بالنماذج الاقتصادية الغربية التي يبتدعونها، ولا يجيدون التعامل مع الحركة الواقعية للعالم.
وحصيلة الجدل لا يعدو أن يكون كثيرا من المشادات العدائية وقليلاً مما يمكن أن يتعلمه أحد، من كلاالجانبين.
وسيستمر الجدل حول العولمة وستبحث أسئلة عديدة عن إجابات سديدة، ومن مثل: هل العولمة، كما يعتقد غالبية الباحثين الاقتصاديين وكثير من صانعي السياسات، مصدر للنمو والازدهار الاقتصادي؟ أم هي خطر على الاستقرار الاجتماعي والنظام البيئي؟ وهل حققت العولمة تقدما كبيراً إلى الدرجة التي أصبحت فيها الدول الوطنية عاجزة بالفعل عن ترتيب شؤونها الاقتصادية واستخدام أدواتها السياسية لدعم برامجها الاجتماعية؟ وهل نقل الأنشطة الصناعية إلى بلاد العمالة الرخيصة يتسبب في إضعاف القوة الشرائية العالمية، ومن ثم يوجد فائضا سلعيا يمتد من السيارات إلى الطائرات؟
وختاماً أقول: رغم ما قيل قديما ويقال حديثاً وسيقال مستقبلاً، فإن العولمة ربما لا تكون إلا أحد المصطلحات العالية الرنين التي ليس لها كل هذه النتائج!!.
* عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved