| الاقتصادية
قطع المجتمع السعودي شوطا طويلا في طريقه نحو التحديث من خلال برامج التنمية الطموحة التي انجزت وتلك التي في طريقها الى الانجاز.
وإزاء حركة التغيير والتحديث السريعة والمفاجئة التي تعرض لها المجتمع على مدى عقدين محققا خلالها إنجازات، حققتها كثير من المجتمعات الأخرى في قرون، كان لا بد أن يصاحب تيار التحديث دون شك قدر من عوامل الوهن التي تعمل داخل بنيان المدينة الحديثة، ولعل اخطرها ما كان متعلقا بالإنسان نفسه صانع التنمية وهدفها في الوقت ذاته.
ولعل أحد المظاهر المهمة في مسار التنمية الوطنية وخططها المستقبلية الاهتمام ببذل الجهود العلمية والعملية لدراسة الأخطار المصاحبة للتنمية في مجال البعد الإنساني خاصة.
فقد اصبحت مثلا مشكلة حوادث المرور ظاهرة وبائية تفتك بحياة الناس في كل عام وتتسبب في عجز وإصابة الآلاف منهم وتؤدي الى إهدار اقتصادي كبير في الأموال والأنفس والممتلكات.
في احصاءات 1405ه بلغ عدد السيارات المسجلة في المملكة حتى نهاية ذلك العام حوالي 4,144,245 سيارة، أي بمعدل سيارة واحدة لكل شخصين من سكان المملكة, بينما كان هذا العدد في عام 1391ه حوالي 144,768 سيارة أي أن الزيادة كانت بمعدل 29 ضعفا عما كانت عليه ويعتبر ذلك من أعلى معدلات نمو ملكية السيارات في العالم.
هذا في عام 1405ه، فكيف بالعدد والمعدل، اليوم 1420ه إن العدد سيكون مضاعفا بشكل مذهل والمعدل سيكون كبيرا بشكل هائل.
نعود الى تلك الاحصاءات إذ تشير الى ان عدد حوادث المرور خلال تلك الفترة 1391ه 1405ه بلغ حوالي 254008 حادث، نتج عنها 187923 اصابة، و31890 حالة وفاة.
وإذا سلطنا الأرقام على عام واحد مثلا 1405ه فسنجد أن عدد حوادث المرور في تلك السنة بلغت 29052 حادثة مرور أي بمعدل سبع حوادث لكل ألف سيارة، وقد نتج عنها 22630 حالة اصابة بمعدل خمسة مصابين لكل ألف سيارة وحوالي 3276 قتيلا بمعدل وفاة واحدة لكل ألف سيارة، بمعدل عشر وفيات وأربعة وستين اصابة يوميا، ويعتبر هذا من بين أعلى معدلات الحوادث في العالم.
إنها حقا ارقام مزعجة ومعدلات مبكية واحصاءات خطيرة وحوادث مروعة واصابات محزنة.
ومن أراد المزيد من تلك الأرقام والاحصاءات والمعدلات فيمكنه الرجوع الى دراسة قام بها د, عبدالله النافع ود, خالد السيف (اعضاء اللجنة الوطنية لسلامة المرور) عن الخصائص السلوكية لقيادة السيارات بالمملكة، المنشورة بإدارة البحث العلمي مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ليطلع بشكل أوسع وأشمل على حقيقة الإهدار الاقتصادي والاجتماعي والإنساني والأمني نتيجة حوادث السيارات.
إن من بين عناصر المرور الثلاثة وهي الإنسان والمركبة (السيارة) والطريق، يعتبر الإنسان المسبب الرئيسي لتلك الحوادث فقد بلغت النسبة المئوية للعوامل الراجعة للإنسان والتي كانت سببا في حوادث المرور خلال عام واحد ما يقارب 84% اما 16% الباقية فتعود الى أسباب خاصة بالسيارة او الطريق.
وتبين الاحصاءات ايضا ان السرعة الزائدة تمثل 55,11% من نسبة حوادث السيارات تليها قطع إشارات المرور البالغة 13,52% يتبعها التجاوز غير النظامي بنسبة 8,12% والدوران والتوقف غير النظامي بنسبة 5,24% أما القيادة تحت تأثير مخدر او مسكر فبلغت نسبة 0,75% فقط.
ويتضح مما سبق ان السرعة الزائدة تعد أحد أهم أسباب حوادث السيارات, ومن الملاحظ ان كثيرا من أخطاء السائقين أثناء القيادة اصبحت تشكل خطرا وفي الوقت نفسه تمثل أخطاء شائعة انعكست في شكل عادات اجتماعية يتعلمها الأفراد ويقلد بعضهم البعض وأصبحت جزءا من السلوك الفردي.
لقد ظلت بحوث سلامة المرور لعدة عقود من الزمن تدور حول موضوع مهم هو محاولة التعرف على السائق المشكلة وتحديد صفاته.
فمن الملاحظ من احصاءات المرور ان من الناس من يرتكب عددا كبيرا من حوادث المرور وإذا كان ذلك صحيحا فهل يتميز أفراد هذه الفئة بصفات او مميزات يشتركون فيها جميعا ويتميزون بها عن غيرهم؟
وبالرغم من صعوبات تحديد ذلك، بيد أن بمقدورنا أن نكون صورة معينة عن أولئك السائقين الذين يقعون في الحوادث أكثر من غيرهم من خلال علامات فارقة وسمات مميزة منها:
(1) السائقون المشكلون لهم سجلات مرورية حافلة بالحوادث والمخالفات المرورية أكثر من غيرهم.
(2) السائقون المشكلون هم في الغالب الأعم أصغر سنا من غيرهم.
(3) السائقون المشكلون يرتكبون مخالفات يعاقب عليها غالبا بسحب رخصة القيادة.
(4) السائقون المشكلون غالبا هم من فئة السائقين المبتدئين إذ الخبرة لديهم ناقصة.
إذن السائق المشكل حسبما تشير العديد من الدراسات هو غالبا قليل الخبرة، صغير السن، ذكر، فقير، أقل تعليما او غير متعلم ويحتوي سجله المروري على أكثر من مخالفة.
وخلاصة القول فإن النمط العام لسلوك قيادة السيارات في المملكة يتسم بالميل الى المخاطرة وعدم اتباع قواعد السلامة والأمان، وعدم مراعاة النظم والآداب المرورية.
وهذا يستلزم تعديل سلوك الفرد السعودي وتوجيهه بوعي وحكمة للتعامل وفق نظم الأمان وآداب السلامة مع آلة تقنية خطرة كالسيارة اذ تتطلب قواعد معينة للسلامة والأمان كالانضباط الذاتي وحسن التقدير وتفهم النظم والضوابط من اجل سلامة الجميع.
* عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود - عضو جمعية الاقتصاد السعودية
|
|
|
|
|