أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 1st May,2000العدد:10077الطبعة الأولىالأثنين 26 ,محرم 1421

مقـالات

الثقافة والإعلام
محمد بن ناصر الياسر الأسمري
تختلف المفاهيم الفردية للحرية,, وتتفاوت، فقد يرى الفرد ان الحرية مطلقة في كل شيء، وهذا في نظرنا غلو، فالحرية المطلقة التي لا حدود لها ولا ضوابط في يقيني انها لا تصلح للانسان الذي يتوجب عليه اتباع سلوكيات معينة تفرق بينه كمخلوق له عقل وفكر وبين غيره، الفرد حر في ان يأكل ما يريد.
اما في المجتمع الذي يتكون من افراد عدة,, تربطهم روابط جمعية متعددة اهمها وأبرزها القيم والمثل الاجتماعية العليا التي ينظر لها على انها شيء جوهري ليس من حق الفرد وحده التقرير فيها بمعزل عن موافقة المجموع، فالامر يختلف لمفهوم الحرية لماذا؟ لان هناك ضوابط وجد المجتمع انها ضرورية للحفاظ على القيم والمثل العليا, الفرد حر بطبعه وخلقه,, له ان يمتلك ما يريد كفرد، على الا يكون امتلاكه لما يريد مترتباً عليه اخذ مال أحد أو إلحاق مظلمة بغيره من أفراد المجتمع، الفرد حر ان يأكل ويشرب ما يريد,, لكن المجتمع لا يوافقه على تناول السم مثلا,, لأنه عضو في المجموع والمجموع لا يقبل هذا السلوك الذي يتمثل في اختيار الفرد في شيء يخصه هو ذاتيا فإذا ترك هذا الفرد يتصرف بحرية مطلقة وينهي حياته التي هي منتهية بعد حين بأمر الله هل نسمي هذه حرية!!؟ جوابي أنا ككائن حي عاقل هو لا,, لأن حرية الفرد حتى في اخص خصوصياته لابد ان تكون لها ضوابط وأطر,, لا تمنع حرية التفكير في الاختيار,, للأساليب والبدائل لكنها تمنع العبث الذي يسيء الى المجتمع وقتل النفس التي حرم الله.
المرأة حرة في التملك والعطاء والهبة حتى في نفسها لمن تحب ان يكون لها زوجاً لكن هل يوافق المجتمع وليكن هنا الأسرة (مجتمع مصغر) على تحقيق رغبتها في الاختيار تحقيقا لمبدأ الحرية إذا كان ما اختارته بمحض ارادتها لا يتوافق مع المثل والقيم الاجتماعية السائدة في المجتمع!!؟
من هذا المنطلق لمفهوم الحرية نجد انه يمكن للمرء أن يبدع (فن) بما يشاء والابداع عندي هو المقدرة على ايصال الفكر الواضح محدد الأهداف والوسائل والغايات (الرسالة المعلومة) الى الجمهور المتلقي من خلال القنوات الصافية من التشويش الذي يؤثر على المضمون والمحتوى، وأن يكون لمصدر هذه المعلومة مصداقية جيدة تقنع الجمهور من خلال العمليات العقلية التي تمر بها المعلومة لدى الفرد من تقبل و/ أو رفض الفكرة في كلياتها أو جزئياتها.
وعليه فإن علاقة الحرية بالفن والعكس في مفهومي هي علاقة تبادلية شمولية، وبإمكان المفكرين والرواد وقادة الرأي والدارسين ايصال ابداعاتهم الفكرية متى ما كانت ملتزمة بالمثل والقيم الاجتماعية السائدة، وفي قمة هذه القيم والمثل عندنا ديننا الاسلامي السمح, ولعل خير مثال للحرية والفن يتمثل في اسلوب نشر الاسلام في أقطار الأرض,, فلقد جاء الرسول محمد عليه الصلاة والسلام داعيا الى الله بفكر جديد ينبذ عن الإنسان الوثنية ويرفع الإنسان الى التعامل مع المحسوسات الغيبية التي لا تدركها العقول ولا الأبصار والتي هي دلائل على القدرة الإلهية.
أسلوب دعوة الرسول كان الرغبة في إيصال الرسالة إلى الافراد والأسر والعشائر والقبائل والأمم جاء في مضمون ومحتوى الرسالة (تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله) ومن خلال هذا المنظور تتوالى القيم والنظم الاجتماعية.
لقد بدأ الرسول في التهيئة لمجتمع يتقبل الفكر الذي جاء به,, وحينما وجد المناصرين الذين وجدوا في هذا الفكر الجديد اقتناعا قبلوا ان يكونوا قادة رأي يبثون هذا الفكر في المجتمع المكي,, ومن ثم زاد الأنصار والمتقبلين للفكر الجديد حتى قامت دولة الاسلام في المدينة,, وبدأت الرسل تتوافد على الامم المجاورة يبلغون الرسالة بالحوار والإيضاح والإقناع وليس بالسيف أو الإرهاب بالسلاح أو المال، وعندما وجدت الأمم الفكر سليما يلبي حاجات الفرد والمجتمع بعدالة وسواسية اقتنعت به واختارت حرية اتخاذ القرار بالتخلي عن الموروثات السابقة ودخلت أمم الأرض في دين الله أفواجا دون إكراه أو قتال,, الا قتال من وقف في سبيل وصول فكر الدعوة الى الناس كم هو الحال اليوم حين تمارس الحملات الاعلامية المكثفة المبنية على نظريات في علم النفس والاجتماع للترويج للمبادىء والأفكار والمذاهب والمنتجات التجارية في سبيل اقناع المتلقي في تقبل أو رفض الفكر أو الإنتاج), باستخدام أساليب التدمير.
وفي اطار هذا الموضوع فان اي محاولة للتغيير، القائمون بها هم جزء من كل,, هذا الكل هو المجتمع الذي نعيش فيه,, له مثل وقيم عليا لا نقبل المساس بها وفي إطار ما تقضي به نظرية المسئولية الاجتماعية في الإعلام والاجتماع فان الحرية في الاختيار مطلب إنساني محكوم بالمحافظة على القيم والمثل.
مهما بلغت حرية الفرد أو المجتمع من انفلات او تفتح فانه لا بد من وجود ضوابط تحافظ على ما رضي به المجتمع كمعيار للحفاظ على مكاسب اجتماعية ترعى مصالح المجموع العام على حساب حرية الفرد الواحد.
في الولايات المتحدة الامريكية أول مادة في الدستور تنص على ضمان الحرية الكاملة للمواطن في التعبير عن نفسه وفكره ومبادئه ومعتقداته لكن هل هذا الضمان القانوني صريح على قدر وضوح عباراته!!؟ هل يستطيع زعيم مسلم ان يظهر على شاشات إحدى محطات التلفاز ليتحدث بوضوح عن جوهر ومحتوى ومضمون الدين الاسلامي؟ هل يستطيع التلفاز الامريكي ان يبث فيلما جنسيا تتجلى فيه كل حيوانية بعض البشر على شاشات التلفزيون؟ هل يمكن لصبي في سن 12 17 سنة في ظل القانون الامريكي ان يبتاع من البقالات زجاجة خمر؟ وهو حلال عند المجتمع الامريكي,, هل يستطيع مواطن روسي ان يسأل الكريملين لماذا يسكن قادة الحزب في قصور القياصرة والأباطرة!!؟
حتى في زمن العولمة,, واتفاقية الجات,, هل تقبل اوروبا وامريكا حرية التجارة والمنافسة من دول العالم؟ لقد رفض الكونجرس الامريكي تعيين احد اعضائه السابقين وزيرا للدفاع في ادارة الرئيس بوش,, لماذا؟ نشرت صحيفة عرب نيوز آنذاك اقتباسا من كلام عضو زميل للوزير المعين المرفوض قال فيه: لا استطيع وانا في كامل وعيي ان اوافق على تعيين شخص في منصب وزير الدفاع عرف عنه ادمانه على احتساء الخمر ومعاقرة النساء,, ويكون في منصب يتعامل شاغله مع بارجة في اعماق المحيط تحمل رؤوسا نووية تقوم بمجرد تلقيها إشارة ضوئية منه بالتدمير وشن الحرب,, او يكون تعامله مع قاعدة للصواريخ عابرة القارات, او احد الاساطيل التي تجوب البحار.
ترى كيف نفهم الحرية هنا,,؟ والفن (الابداع) والمسئولية الاجتماعية عن القيم والمثل والمبادىء.
لقد خالف القس سواجاهارت القيم المتعارف عليها في الديانة المسيحية في جزء من الولايات المتحدة,, وذلك بممارسة حريته الشخصية في الاتصال ببعض النساء حسب السائد هناك فماذا كانت نتيجة هذه الحرية,, بل كيف تعاملت بريطانيا في مفهومها للحرية مع سلمان رشدي وكتابه الآيات الشيطانية.
إذن هنالك فرق بين الحرية المسئولة التي تتطلع دائما الى تقديم الفكر السليم الصافي للامة متوازنا في الحفاظ على المثل والقيم العليا,, وبين التحلل الفردي والانعزالي الذي يرغب في إرضاء نزوات ونزعات شهوانية,, من منطلق الحرية الفردية.
ان مطالب الامة من المتعلمين المثقفين وليس المتعلمين فقط,, هو ان يمارسوا دورهم الاجتماعي بوعي كامل لدور هذه الامة الرسالي,, وكونها معقل العروبة ويطرقوا الأساليب التي تخدم قضايا الأمة بشكل يحقق السيادة والرفعة والتواصل الإنساني الملتزم بالثقافات والحضارات السائدة في عالمنا حتى يكون لدينا اجيال تفرض احترامها من خلال قدرتها على الحوار المتحضر والطرح العلمي العقلاني بعيدا عن الانفعال واسلوب العنتريات والتجريح والاسفاف,, واذا لم يقم المتعلمون المثقفون بدورهم الاجتماعي هذا,, فسوف تكون عليهم غضبة الاجيال اللاحقة.
لا نريد ان تتكرر مقولة (الجمهور عاوز كده) لأن من يملك القدرة على تلبية رغبات الجماهير هو الانسان المتعلم المثقف الذي يعي مسئوليته الاجتماعية في التوعية للناس في المسجد والمدرسة والجامعة والاندية,, والذي استثمرت فيه الدولة والمجتمع جزءا من رصيدها ليكون دينا عليه للامة والوطن,, ام هل يراد لنا ايضا ان نستورد من يعلمنا الثقافة والفن والحرية والالتزام من خلال مكاتب الاستقدام من شرق وغرب!!؟
يقول الدكتور توفيق الناصر في كتابه الخداع الذاتي ومفترق الطرق (بيروت 1986): ان التوعية الاجتماعية السليمة لا تنحصر فقط في ترويج او فرض قوالب فكرية سياسية جامدة تقوم على تنمية منطق عاطفي اندفاعي ومفعول قصير الامد لا يظهر الا بحكم الصدف والظروف الآنية,, انما تستوجب قبل كل شيء تعبئة الفرد بالمنطق العقلي الحر الذي يؤهله لتفهم المعالجة الاصلاحية المنشودة ومغالبة مهام مسؤوليته في اطار المجموع العام ص 92.
وبعد,, اجدني في حل ان اقتبس مرة اخرى من كتاب الدكتور توفيق الناصر نصا اجعله خاتمة لمحاولتي الكتابية هذه ليكون شاهدا لي وعلي بدلا من ان اقول انا من غزية,,, الخ.
من المعروف ان التركيب الاساسي الجوهري لعقلية الفرد ما هو الا حصيلة تأثير التنشئة الاجتماعية وما تقوم عليه من الضوابط او القواعد الاجتماعية السائدة في المجتمع المعين كالمبادىء الدينية والقيم والاعراف والعادات والتقاليد الاجتماعية.
ان قوة التأثير التوجيهي وسلطة الضوابط الاجتماعية ودورها في تعيين معالم السلوك العام وممارسة الرقابة الاجتماعية تظهر في مدى تأصلها في شخصية الفرد وقوتها الإلزامية وديمومتها الزمنية، فبغض النظر عما يطرأ من تغيير بعض عناصر التوجيه الاجتماعي وضعف مفعولها عبر المراحل التاريخية والأجيال.
تتميز الطبيعة الجمعية بسطوة ضوابط التوجيه الاجتماعي العام والركود النسبي وبطء الحركة التغييري وبما ان التركيب الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع العربي يعكس صورة من الطبيعة الجمعية التي ترجع اصولها الى بقايا النظام القبلي او العشائري او الى نظام العائلة الكبيرة ومركزية القيادة الابوية العائلية اولا، وإلى سطوة الضوابط والرقابة الاجتماعية العامة, نجد ان الفرد العربي يقع تحت وطأة تأثير كثير من الضغوط والتوقعات الاجتماعية المختلفة التي تسوقه دائما الى الحرص الشديد على إرضاء المجتمع خشية الزلة او الرفض الاجتماعي تترك اثرها على تركيب طبيعة شخصيته العامة وسلوكه وردود افعاله.

أعلـىالصفحةرجوع






















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved