أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 26th April,2000العدد:10072الطبعة الأولىالاربعاء 21 ,محرم 1421

محليــات

لما هو آتٍ
كيف هي مسألة النشء؟ (1)
د, خيرية إبراهيم السقاف
الساعة الخامسة صباحاً,,.
رنين هاتفي الجوال يتلاحق، ثمة ما زاد في تسارع نبضاتي,,.
لهثت إليه، بمثل ما تخيلت مَن خلفَه يلهث,,.
جاءني صوتها كأنه قادم من هوّة سحيقة: أحتاج إليكِ,,, والبكاء يدفع إلى أذني صوتها يتقطع,,, لم أجد من ألجأ إليه غيرك ,,, إني أضيع ,,.
صوتها لا أعرفه، هي تعرفني جيداً,,.
وما شعرت بأن ثمة ما يؤلمني سوى لحظة لا أعرف فيها من يعرفني,,, وعلى وجه الخصوص في مثل هذا,,, وهي لا تراني ولا أراها,,.
تساوت لديَّ الرغبة في معرفتها، بالرغبة في الاستماع إليها: أُعطيت الكثير من ربي، ومن أهلي، لكنني أضيع ,,.
وعند كلمة الضياع توقفت,,, انحدرت أسئلتي تحملها في إجاباتها إليَّ فوَّهة البئر الذي جاءتني منه,,.
كيف تكونين في اللحظة هكذا؟
كان هذا هو السؤال الذي طرَحته هي على نفسها,,.
وكيف كنتِ تثقين أن ثمة من سيستمع إليكِ فيها؟!
كان هذا هو السؤال الثاني الذي طرَحته على نفسها,,.
أما أنا,,, فلم يكن يعنيني زمن مهاتفتها، لحظتها، كنتُ مشغولة شغوفة بأن أعرفها لأنني أدركت حالها,,.
واحدة من ضمن مئات من الشابات الهاربات إلى فسحة الضياع والهدر,,, لأن ثمة من لا يعنيه أمر إشباع هذه الفسحات بما يبقيهن داخل أطر الوعي بقيمة الزمن، والصحة، والنجاح، والجمال، والخير، والحق، والنور، والوضوح,,.
وأخذت صور كثيرة تتداعى إليَّ وهي تتحدث,,, وتتحدث، تبكي وتضحك، تلقي باللائمة على الصاحبات تارة، وعلى الوالدين تارة أخرى، وعلى الزمن في ثالثة، وعلى يسر الحياة في رابعة، وعلى شح الظروف في خامسة,,, وما تلبث أن تعود للبحث عمن يسمعها,,.
ولأنها ليست الوحيدة في مثل ما هي,,.
ولأنها لن تكون الوحيدة في ذلك,,.
ولأن الدولاب يلف بمثلها الكثيرات,,.
ولأن الدائرة ستدور بمثلها ألوفاً,,.
ولأن الناس تتعالى أصواتها من أجل: الوعي والتوعية، والتعليم والتعلّم، والحضارة والتحضّر، والثقافة والتثقيف، والتخلّق والتربية،,,, وبناء مجتمع فاضل في زمن لم يعد فيه أفاضل ولا فضائل إلا كالعملة النادرة,,, إذ فيه تلبَّست الفضيلة ثياباً غير التي عُرفت عليها وعنها، وارتدت المفاهيم أزياء صُمِّمت كي تناسب أهله، واختلفت طرق وطرائق التعامل مع حالات العصر بما فيه وبمن فيه، فوقعت نتائج كل ذلك على الأجيال الهشّة، النديّة، طريّة العود في التجربة والخبرة وممارسة البقاء بقوة في وجه أي تيار قوي,,, فقد ذهبت هذه الفئات كي تكون أمام الريح تعصف بها,,, تُسقطها ولا تبقي عليها,,.
ومن المسؤول عن ذلك؟!
ربما يبدأ الإجابة عنه المسؤول الأول عنه فيقول: المدارس، المجتمع بما فيه من وسائل إعلام,,,، الصَّحب,,, وينسى أنه هو الأول، وهو الثاني، وهو الثالث، بمثل ما تكون المدرسة, ويكون المجتمع بأسره بما فيه وبمن فيه هم مسؤولون في الدرجة الأولى والثانية والثالثة عن أي قصور يلحق بهذه الفئات من الشابات والشباب,,.
أما كيف فتلك هي المسألة,,.
ذلك لأن المجتمع الذي يتخلى عن قيمه الراسخة فيه أبناؤه,,, سينحل بناؤه ولو تدريجياً وستسقط من دعائمه أسسها,,.
والتربية ليست فقط تغذية الجسد بالأكل ما لذَّ منه وطاب، وما شمل عناصره الأساس ولم يتخل عنها,,, التربية أيضا ليست تعليم وتدريب الإنسان على عادات سلوكية ذات ركائز فقط,,.
التربية عناية بالنفس البشرية تفوق العناية بالجسد وبالسلوك، ذلك أن مقود الإنسان إليهما هي نفسه,,,، فمتى تصح نفسه، يصح عقله، ويصح جسده فتصح قراراته ويتخذ منها ما يفيده ، ولا يؤذيه,,.
إن صحة النفس ليس بمفهوم النفسانيين وإنما بمفهوم احتياج الإنسان الفعلي تتخذ مسارب جديدة نحو تكوينها في الإنسان كي يقوى على الريح,,,، وكي يواجه ما يقوّض بناءه، ويواصل المسير,,.
تلك هي هواجس
راودت منبثقة من صدى صوتها,,.
ولسوف أضعها أمامكم في الآتي,,, كي نكون معاً في شأن الناشئين والناشئات.
يتبع

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved