لعدم كفاية الأدلة فوزية أبو خالد |
من المتعارف عليه قانونياً ان تحفظ بعض القضايا المعقدة لعدم كفاية الأدلة,, اما اجتماعيا فكثيرا ماتهدر كثير من الحقوق البسيطة والبديهية لعدم كفاية الوعي الحقوقي او لعدم وضوح الجهات الحقوقية القانونين او لعدم التقنين, او للشعور العام بعدم جدوى المحاولة, والمفارقة الجارحة انه في مجتمعات الغرب الذي نشجبه في الخطب ونغازله في المخادع يتيح تطور مؤسسات المجتمع المدني لكل مواطن بغض النظر عن اللون والجنس حماية حقوقه الصغيرة فيما لو اتبع القنوات القانونية للحصول على اي حق من حقوقه فيما لو تعرض للهدر (والاجحاف)، اما فيما يسمى المجتمعات النامية ومنها المجتمع العربي من رملة الى ملحة، فان المقولة المأثورة ماضاع حق وراه طلاب او الحقوق بحاجة الى حلوق تصبح ضرباً من ضروب المستحيل تضاف الى الغول والعنقاء والخل الوفي لو ان مواطناً سولت له وساوسه الرومانسية في الانتماء الىوطن للمطالبة بابسط الحقوق التي قد تتعرض للهدر او الضياع بسبب البيروقراطية او سواها من الاعاقات المزمنة في مؤسسات الخدمات العامة.
وحتى لايكون الحديث على عواهنه او يحمل ايحاءات سياسية قد تحمل رئيس التحرير على مصادرة حقي في مناقشة مسألة حساسة وملحة مثل مسألة حق المواطن في وجود قنوات واضحة وصريحة تحفظ حقوقه اليومية الصغيرة مع البقال والطبيب وشرطي المرور دون ان يصاب بالاحباط واليأس من التخبط في سراديب البحث عن تلك الجهات إذا كانت موجودة اصلاً فانني سأبرهن على سلامة مقصدي وحرصي على السلامة باعطاء بعض الامثلة البسيطة والتي يكشف بعضها كم التعقيد الذي يتعرض له المواطن فيما لو اراد ان يتصدى للمطالبة بحق صغير من حقوق تعاملاته اليومية حتى لوكان حقا مروريا او سلعيا.
المثال الأول أستعيره من رسالة البريد الالكتروني التي استلمها من احد القراء وقام بنشرها في عموده يوم الاثنين 21/12/1420ه، 27/3/2000م الزميل بدر آل سعود.
فالرسالة تحكي قصة الاحباط الذي واجهه احد المواطنين لمجرد محاولته الفاشلة في احقاق حقه في الحصول على استجابة فعالة ومجدية على بلاغه بسرقة سيارته, إذ ان التجاوب السلبي إذا صح التعبير مع مطالبته بذلك الحق والمتاهة البيروقراطية التي وجده نفسه فيها، جعلته ربما يندم على التصدي لحقه في التبليغ عن تلك السرقة.
هناك امثلة أخرى لابد انه بمجرد ذكرها سيتذكر عدد من القراء مواقف مشابهة مرت بهم واضطروا لابتلاعها طوعا او كراهية خاصة إذا لم يجدوا لحلها بسحر العلاقات الشخصية سبيلاً فمثلا على الرغم من انه تقوم في كثير من المدن العربية ومنها مدينة الرياض اسواق تجارية بمواصفات عالمية، وبعض محلات تلك الاسواق من فروع لبيوتات تجارية كبيرة في اوربا وامريكا ولا اريد ان اسميها حتى لا ازيد استنزافها لنا بإعلانات مجانية عنها، ولكن منها مثلا ماهو موجود في اسواق صحارى الجديدة واسواق الشرق بشارع الثمانين بالرياض وسواها، فان تلك المحلات مثل امريكا في تعاملها مع العرب تكيل بمكيالين، فبينما تعطي تلك المحلات في بلد المنشأ الأوربي او الامريكي الحق للمشتري في رد البضاعة بعد شرائها، فان ذلك الحق يمنع على المشتري في محلاتها او افرعها بالاسواق المحلية وقد بعثت لي مواطنة على بريدي الالكتروني ايضاً رغم ان عنواني الالكتروني غير معلن, رسالة طويلة عريضة، تشرح فيها كيف انها ابتاعت بضاعة في الغرب من احد تلك المتاجر واستطاعت ردها عندما عادت الى الفندق ولم تعجبها رغم انها جربتها في المتجر، بينما لم تستطع استبدال بضاعة اشترتها من فرع المحل بالسوق المحلي رغم انها لم تجربها في المتجر بالطبع وتقول صاحبة الرسالة الالكترونية انه اسقط في يدها رغم حنقها من البائع الذي رفض الاستماع لها إذ انها لاتعرف الجهة التي يمكن ان تراجعها لتفرض لمشتري الاسواق المحلية نفس الحقوق التي تتاح لمشتري الاسواق الاجنبية لنفس البضائع, ورغم عدم تعاطفي مع صاحبة القصة وتبضعها الصيفي من الغرب والشتوي من السوق المحلي الا ان القصة من حيث المبدأ تحمل قضية وهي قضية اهدار حق المشتري في المجتمعات العربية حتى من قبل أولئك الذين لايستطيعون ان يلعبوا على حق المشتري في الخارج.
هناك مثال آخر،وهو مثال حدث مع صديقة اعرفها حق المعرفة,, فالسيدة قامت بحجز مقعد لها على طائرة اكد لها موظف الخطوط انها رحلة مباشرة وعلى الطائرة اكتشفت المرأة ان الرحلة تتوقف لمدة تزيد على ساعتين في محطة اخرى, وعندما أرادت ان تتظلم قالوا لها اكتبي خطاباً للخطوط ففعلت الا انها بعد ملاحقات ومكاتبات طويلة حصلت على رد تحملها فيه الخطوط الخطأ لان السيدة المسافرة كما قالوا لها لاتفرق بين كلمة رحلة مباشرة ورحلة دون توقف , ومازالت السيدة تجهل ماهي الجهة التي يمكن ان تحتكم اليها لتعرف على من يقع الخطأ في اهدار مايزيد على ساعتين من وقتها دون علمها غير الجهة التي يبدو فيها الخصم هو الحكم ايضاً.
امثلة أخرى اشد خطورة عن ادوية تعطى بالخطأ للمريض من تشخيص خاطىء في المستوصفات التجارية المنتشرة كالجراد دون ان يدري المواطن لمن عليه ان يتجه لانصافه في متاهات تحمله الخطأ لانه لم يحسن توصيف مرضه للطبيب دون ان تسمع اقواله, أمثلة عن مدارس عاقبت تلاميذ عقوبات نفسية او جسدية مؤذية، عن آباء او امهات فرطوا في حقوق الابناء دون ان تتضح الجهات التي يمكن ان تدافع عن حقوق البراعم والسؤال هو هل حقاً ان المواطن سلبي ومتساهل في حقوقه، هل هناك تقصير حكومي أوأهلي ام ان عدم وضوح القنوات الحقوقية مع عدم كفاية الوعي الحقوقي لدى اغلبية المواطنين، وتشتت جهات التقاضي وشدة اعبائها هو بعض ما يجعل المواطن يفضل ان يتنازل عن حقوقه اليومية الصغيرة مع المكوجي واللحام والبقال حتى لوكان في ذلك في بعده الاعمق إهدار للحق العام لئلا يضطر لتأبط ملف علاقي اخضر مكدس بالأوراق يركض به في أروقة مغلقة,ولله الامر من قبل ومن بعد.
|
|
|