النقد والفن التشكيلي عبدالجبار اليحيا |
دائما حينما اود ان اتناول الفن التشكيلي كتابة، تعتريني حيرة وتردد، لاسباب شتى معروفة ومتشابكة، من ضمنها بداهة، ان الفن التشكيلي وحتى الآن فن طارئ على ساحتنا الفكرية المحلية فليس هناك اهتمام تقليدي بالفن التشكيلي من قبل المثقفين او المتابعين للحركة الادبية والفكرية كما وليس عدم الاهتمام من قبل الشريحة الضيقة من المثقفين يقتصر عليهم فقط بل يعود الى عمق وجدية الطرح الفكري ونضج الابداع الجمالي من قبل الفنان التشكيلي ايضا الذي يمر بفترة التجربة الاولى من المحاكاة البدائية والتقليد والاكتشاف، وهذا امر طبيعي في تطور فن ناشئ، انما ما يعاب عليه هو الاستغراق الزمني الطويل نسبيا فينضج ويتبلور وعي الفنان، وعادة ما يرتبط هذا الوعي اجمالا بالوعي الثقافي والاجتماعي العام، وهذا السبب خارج عن نطاق ومسؤولية تطور وعي الفنان ويعود بصورة متداخلة على المتلقي ايضا، وحين ندرك ان هذه الفنون كالموسيقى التعبيرية او التصويرية والفنون التشكيلية والآداب بشتى انسجتها هي نتاج النخبة من المثقفين والمهتمين بالأدب والفكر، نرى ان تقصير هذه الشريحة واضح وجلي بالجهل والابتعاد كأنما هو مقصود ومتعمد ، فليس هناك تفاعل او تمازج او مقاربة ومقارنة بين ما تطرحه اللوحة والقصيدة (كتدرج اللون، والسلم الموسيقي)، او بصورة اشمل بين المدارس الأدبية والمدارس الفنية (الواقعية بأشكالها والسريالية بمذاهبها وتياراتها والرمزية والتجريدية,, الخ) كما لو انك تقول (بأن كاتب القصة القصيرة او الرواية او القصيدة ليس معنيا او لا يجب ان يكون ملما بالرسم والألوان او المسرح او الموسيقى)، تماما كما لو انك تقول ليس مهما (ان يكون ملما بالحياة وتضاريسها).
ان تقصير المثقف عموما، او لنكن اكثر صراحة، ان التعالي من قبل الشريحة المثقفة تجاه الفن التشكيلي يكاد ان يرتقي الى مصاف الدرجات الاولى للادب بأصنافه، هذا التصور المتعالي ربما غير مقصود إلا انه شرخ كبير في الخلفية المعرفية للابداع والمبدعين، فليس من المنطقي ان يكون ناقد (أدبي) مارس النقد والادب والادب المقارن ليس له إلمام بالوشائج الفنية بين الادب وسائر الفنون وتأثيرات البيئة الفكرية/ الاجتماعية/ الاقتصادية/ والسياسية، عليهما.
ان اهتمام المثقفين والادباء بالفن التشكيلي بصورة خاصة له تأثير كبير على توجيه وعي الفنان الحديث التكوين وليس كما للأديب الذي يتعامل مع اللغة بدون انقطاع على مر العصور بحيث تكونت لديه فطرة وسليقة أدبية ضاربة الجذور, فهذا الاهتمام سوف ينعكس على ابداع الفنان التشكيلي، فكلما تعمقت الصلة والترابط الفكري بين الاديب والفنان اغتنى الطرفان بتجربة حياتية فكريا وفنيا وبرزت حركة نقدية جادة في انضاج المسيرة الفكرية.
ان غياب النقد (سواء كان انطباعيا او تحليليا) ضار بالحركة الادبية والفنية على السواء ضار بالحركة الادبية حيث ان هذا الغياب يحدث شرخا كبيرا في حالات التذوق الفني للمنتوج الادبي وضار بالفنان من حيث اتساع مضامين ادراكه ووعيه الفكري والجمالي ايضا.
ان الدعوة موجهة ومركزة على الساحة الفكرية بصورة اشمل للدخول في صلب عمل الفنان ونقده بنفس مستوى ومعايير النقد الأدبي، بعد جهد ضئيل بالاطلاع على المدارس الفنية التي هي نفسها المدارس الأدبية مع دراسة مبسطة في النقد التشكيلي, ولا اخال اي ناقد ادبي او مثقف بحق انهى المراحل الدراسية يجهل نظرية تحليل الطيف الشمسي او الالوان في الطبيعة او يجهل صياغة اللوحة كتعبير أدبي تماما كصياغة الجملة والكلمة المفردة في سياق البيت الشعري او الجملة النثرية, وبالمناسبة فإن الدكتور عبدالله الغذامي الناقد والمفكر اقتحم ساحة النقد التشكيلي وكان بارعا كعادته.
ان الامثلة كثيرة وتطول لو اردنا مقارنة النقد التشكيلي بالنقد الأدبي حيث الشكل والمضمون والابعاد الفنية الاخرى كالحس والشعور والرمز والمباشرة,, الخ.
وكما ذكرت بالنسبة للدكتور الغذامي فإن الشاعر الفرنسي (بودلير) كان من اهم النقاد والمدافعين عن الحداثة في الفن ومدرسة الانطباعية آنذاك.
ليس بالامكان التعميم ولكن هناك صحة في القول حينما نذكر ان (ليس هناك حركة أدبية وفكرية ناضجة بدون حركة فنية شاملة (تشمل المسرح والموسيقى والفن التشكيلي), والله المستعان.
|
|
|