Thursday 6th April,2000 G No.10052الطبعة الاولى الخميس 1 ,محرم 1421 العدد 10052



خطوات على جبال اليمن
د, سلطان سعد القحطاني

مشيت اذرع شوارع صنعاء، وفي داخلي ضحكة باكية، اريد ان ابكي ثم اضحك، او اضحك ثم أبكي، لقد تلازم الضحك بالبكاء والبكاء بالضحك، وعرفت ان الدموع تعبر عن الشعورين، الشعور بالفرح، والشعور بالحزن، فهل كلمات صاحب هذا الدكان تثير الفرح او الحزن، او كلاهما وارد على اي حال، وربما تكون السخرية التي اطلقها بإرادته، او بدونها، هي التي اثارت واحدا من الاثنين,, لا ادري كلما تذكرت نظراته الغريبة شعرت بالحزن، وبالفرحة، وصارت عبارته (الحمد لله) تثير شعورا داخليا يبعث الامل، ويحمل في طياته سخرية مريحة لا ادري ما مصدرها؟!
كنت احمل بجانب جهاز الراديو الكبير القديم، هم الطموح بفتح محل لاصلاح الراديوهات وبعض الاجهزة الكهربائية الاخرى، وسيكون اسمي على المحل (محمد شرف الدين) وسيكون اسمي ولقبي الفني عند العامة وهم زبائن المحل طبعا (مسبر الروادي) كانت هذه الافكار تدور في ذهني حتى دخلت المحل وكان الحاج علي في بيته خلف المحل، فما ان سمع صوت الجهاز وانا اجربه، حتى ناداني باسمي يطلب مني الحضور لتناول الغداء معه، ومعرفة اخبار الجهاز، وكان جهازا ثمينا من طراز (زينث) المعدوم، باعه صاحبه، لانه احضر جهازا جديدا يعمل ببطارية الحجر، ولم يجد له تلك البطارية القديمة بعد دخول الجهاز الياباني (ترانسستر) فرح به الحاج علي فرحا عظيما، وأثناء وجبة الغداء، قال لي: تعلم يا ولدي ان قطع الغيار هنا قليلة، وإذا وجدت فهي غالية الثمن، ولكنها في عدن رخيصة ومتوفرة، واهل عدن وحضرموت شطار ويعرفون كيف يتعاملون مع العالم، ولهم وكلاء في كل مكان,, ومكسبنا في قطع الغيار سيكون كبيرا، وستتعرف على البلاد التي تكون في طريقك، مثل اللواء الاخضر (إب) وتعز، والراهدة، وقد كتبت لك قائمة بأسعار وأنواع القطع، فإذا كان أغلى من السعر المكتوب اتركها وسنستوردها من السعودية, جهز نفسك للسفر غدا الى تعز ومنها الى عدن,, لم يترك لي العم علي فرصة للتفكير، ولكنه اعطاني فرصة للسفر لاكتشاف بلدان جديدة، كما قطع علي خط الامل في فتح محل باسمي اشبع به رغباتي في الاستقلال، ولكنه اشبع رغبة جديدة، هي معرفة قطع الغيار، وهي جزء من مشروعي, لقد عرفت ان النقود التي معي ليست نقودا يمنية، ومازلت احتفظ بها واصرف منها ولكنها لم تعد حول خصري، بل هي والحزام الذي كانت فيه تحت حصير انام عليه في محل إصلاح (الراديو) في الغرفة التي اعدها لي العم علي في آخر مكان الإصلاح بين الاجهزة القديمة المتراكمة فوق بعضها، فلم اعد ألبس الثوب ولا الوزرة، فأنا الآن ألبس بنطالا وقميصاً، خرجت من عند الحاج علي بعد ان اعطيته الوعد بالسفر الى عدن بين مصدق ومكذب، وفي طريقي الى مقهى العم مصلح بعد صلاة المغرب وجدت الاخ علي محمد، سائق سيارة الأجرة بين تعز وصنعاء في طريقه الى المقهى، وتحدثت معه عن السفر الى عدن، وسر بذلك وقال: غدا احجز لك المقعد الامامي، سعر اثنين بواحد، حتى نتحدث الى تعز وتنام معي ومنها بعد الغد اسلمك الى احد اصحابي الذين يشتغلون تعز الراهدة، ومنها الى عدن, وفي المقهى حدثت كل من وجدته هناك اعرفه اولا اعرفه وبقيت طول الليل انام واصحو على ذكر رحلتي غدا، رحلة العمر الاولى في حياتي، وأظن انها ليست الرحلة الاولى، لكني لا اعرف غيرها وستكون رحلة محمد شرف الدين الاولى، هكذا كان الإحساس الذي تنازعني بين الشك واليقين، وسأرى هذه البلاد التي تحدث عنها الناس كثيرا، فقد قال لي صالح احمد، من رواد المقهى عندما قلت له: إني مسافر غدا الى عدن، ضحك وربت على كتفي بيده اليسرى، قائلا: يا بختك (يا عزي، عتبصر عدن والشيخ عثمان على الطريق، والعالم الحي),, ثم تنهد وقال: سقى الله تلك الايام، ثم ضحك وواصل كلامه ببيت شعر أظن أنني قد سمعته يغني: (يا طائرة طيري على بندر عدن,,) وسرحت في أفكاري طوال ليلتي لحل لغز الشيخ عثمان، من يكون الشيخ عثمان,,؟ قد يكون احد شيوخ عدن أو مشايخها وما دريت ان الشيخ عثمان بلد جميل ذكره الكثير من الرحالة الأجانب والعرب، فيه من المتع ما لا يوجد في غيره، حتى ذكره لي السائق علي محمد، الذي زادني شوقاً لرؤيته وثبت قناعتي بالسفر الى عدن,, ما زلت احلم بفتح محل خاص بي يحمل اسمي، وقد زادت ثقتي بنفسي كمهندس راديو يستحق ان يكون له محل وزبائن يترددون عليه، ولكن رحلة عدن، وشراء قطع الغيار والتعرف على التجار حل محل التفكير في فتح محل جديد، ولم تلغ الفكرة من ذهني كلية ولكنها اجلت الى اجل غير مسمى، ولكنه قريب، وربما يكون بعد عودتي من السفر، وكانت الظنون تجاذبني بين الخوف من السفر والرغبة في الاكتشاف وتحقيق رغبة الحاج علي، خاصة انني صرت اعرف الكثير مما يدور حولي، وكونت صداقات كثيرة مع عدد من الناس، وخاصة الذين يرتادون مقهى العم مصلح، ووجدت منهم التشجيع على استقلال شخصيتي بالعمل الضروري في المستقبل، وان الرغبات والميل الى ذلك تزداد يوماً بعد يوم، وما قطع علي هذه الخواطر الا نداء الفجر وصوت الحاج علي يدخل الى المحل وبيده ورقة كتبت فيها اسعار القطع وانواعها، ومبلغ من المال استعين به على اعباء السفر، اما القيمة فستحول على البنك في عدن في حالة الشراء, هكذا قال لي ثم انصرف، وتركني ادبر اموري بنفسي، مما اعطاني مزيدا من الثقة والاعتماد على النفس,, فالحاج علي رجل قليل الكلام شديد الغموض، قليل الاصدقاء، يقضي معظم وقته في محله وبيته.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون مسرحية

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

لقاءات

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved