Thursday 6th April,2000 G No.10052الطبعة الاولى الخميس 1 ,محرم 1421 العدد 10052



مساقات
المساق 137 في الأحوال الشعرية
2-2
د,عبدالله الفيفي*

وبعد,, فقد تحدث المساق الماضي عن عنونة النص الشعري، التي تعد في الشعر الحديث جزءاً من النص، لها شعريتها التي لا تقل في أهميتها عن شعرية القصيدة, ووازن في ذلك بين عنوان التسمية التعيينية التقليدية وعنوان التركيب والصورة، من خلال بعض المجموعات الشعرية المنشورة حديثاً.
على أن هناك ملامح متعددة لبنية العنوان التركيبية التي تمنحه شعريته, يتعلق بعضها بما ينطوي عليه العنوان من مجازية مكتظة بالايحاء والطاقة التشكيلية، التي تنجز لقطة مشهدية من خلال التركيب اللغوي للعنوان، وهو ما يتبدى في عنوان ك انكسرت وحيداً ل محمد حبيبي مثلاً، المطبوع 1996م، عندما يتداخل فاعل الانكسار ومفعوله في ذات واحدة متوحدة، فتستثير الصيغة الفعلية مع طبيعة الحدث التي تحملها، وتداخلات الأطراف في هذا الحدث انكسرت ، والحال المنفردة التي قام فعل الانكسار فيها: وحيداً والتي قد تكون من وحي مفردة وحيد في عنوان ديوان محمود درويش لماذا تركت الحصان وحيداً ، المطبوع طبعته الأولى 1996م، أو بالأحرى من وحي مزاج المرحلة الشعرية، الذي نجد أثره في عنوان ديوان لسعدي يوسف كذلك: الوحيد يستيقظ : ط 1993م وكل ذلك يستقطب حس المتلقي الشعري وخياله الفني وتشوفه القرائي لمتابعة ما تنبهه إليه شارة العنوان.
وهذا ملمح من ملامح الحداثة في عناوين المجموعات الشعرية، حينما يتحول العنوان بذاته من كونه اسماً وعنواناً إلى أن يصبح نصاً شعرياً.
وإذا كانت للعنونة في الشعر الحديث تلك الأهمية سواء أكانت عنونة قصدية أم مجموعة شعرية بكاملها فلقد تجد الشعراء متفاوتين في التنبيه إلى أهميتها, أو قد تجد مكمن التفاوت بين الشعرية في عنوان المجموعة الشعرية وشعرية المجموعة الشعرية نفسها, بيد أنها تظل للعنونة هذه الأهمية، إن على المستوى الشعري أو حتى على مستوى الحس الاعلاني التسويقي للعمل.
ومع هذا، فإن من الشعراء من يقتدر على شحن عنونته بتداعياتها الايحائية وان بدت في جملة اسمية شبيهة بذلك النوع الذي وصف بمسالمته لأعراف التسمية التقليدية, ودليل على ذلك أن ترى مجموعة محمود درويش الأخيرة قد جاءت بعنوان سرير الغريبة: ط, 1999 , وهو عنوان يعتمد على ما توحي به المفردة في علاقاتها الحضورية والغيابية، دونما استثارة أي مفارقة تركيبية أو دلالية, أما لماذا يختار شاعر كهذا عنواناً كهذا، وهو عنوان رومانتي مسالم في بنيته اللغوية، فلأن الشاعر هنا ينكفئ فعلاً إلى غنائية رومانتية شكلاً ومضموناً، تتواءم مع طبيعة هذا العنوان الذي اختار، كما تواءمت مجموعاته السابقة مع عنواناتها، من مثل: لماذا تركت الحصان وحيداً، أو أحد عشر كوكباً أو أرى ما أريد .
ومن يطالع عناوين مجموعات درويش بوصفه نموذجاً على محاولة دؤوبة في تجديد النص الشعري سيلحظ سيرورة تطورية في شعرية العناوين لديه، تنحو هذا النحو الذي وصف من قبل، من العنونة التعيينية المسمية: في أوراق الزيتون مثلاً، أو عاشق من فلسطين ، إلى عنونات نصية، يمثل فيها العنوان نصاً شعرياً قائماً بذاته، من مثل: حبيبتي تنهض من نومها ,, العصافير تموت في الجليل ,, تلك صورتها، وهذا انتحار العاشق ,, وصولاً إلى لماذا تركت الحصان وحيداً , ثم هو في عودته الأخيرة إلى سرير الغريبة يحاول أن يزاوج بين طريقته العتيقة في العنونة وما تحمله عليه خبرته الشعرية: في شحن هذا النمط القديم بمعوضات ايحائية يكنز بها سرير عنوانه, وهذا ما يفعله كذلك شاعر ناثر، هو أنسي الحاج ، حينما يسمي مجموعته المطبوعة 1994م ب الوليمة , وقد شهدت دواوينه النثرية هو الآخر ما شهدته دواوين درويش من الاتجاه المتصاعد من شعرية المفردة المعنون بها في لن : 1960م، أو الرأس المقطوع : 1963م إلى شعرية التركيب النصي للعنوان في مثل: ماذا صنعت بالذهب ماذا فعلت بالوردة : 1970م، ليعود عودة درويش إلى التكثيف الدلالي في خواتم 1991م، أو الوليمة : 1994م.
مهما يكن من شأن، فهذا موضوع واسع قد يأخذنا عن دراسة المجموعات الشعرية إلى دراسة شعرية العنونة في النص الحديث، وإنما حسبنا الإشارة بما تقدم إلى أن للعنونة شعريتها كما للنص شعريته, وهي شعرية خاضعة لتكييف الناص، بحيث يحمل عنوان العمل الإغراء الشعري الى جوار الإغراء الشرائي, وفي ما تقدم مقاربة لضروب من آليات الشاعر إلى تحقيق تلك المعادلة الفنية والتجارية.
*آداب جامعة الملك سعود قسم اللغة العربية

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون مسرحية

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

لقاءات

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved