خواطر على الوتر الحساس

لم يزل مستساغا في ادبيات الصحافة الفنية، ان يُسأل كاتب درامي ما عن مكانه من قضية الكتابة للطفل ليسرع هو الى وصف هكذا قضية بالتعقيد والحساسية وبأنه ليس في مقدور اي كاتب مهما تمنى ان يقتحم مجاهلها دون زاد ثقافي ونفسي استثنائي يمنحه الثقة أولا في القدرة على الابداع ل(الاطفال الامانة) وتاليا في فرصة نجاحه في امتحان صعب مثل هذا وهو أي الكاتب الما لابد له وبنسبة 99,99% ان يستشهد بمقولة ان كل من كتبوا للطفل مرة لم يكتبوا الا مرة وانه للغز اهل للتأمل وانه لسبب لتدع مايريبك الى مالايريبك وهكذا يحيل الكاتب ما سؤال محاوره الخبيث من موضوع ادانة الى مناسبة لاستصدار صك ببراءته من اتهام متعجل.
ولا اتفه في رأيي من سؤال السائل او اجابة المجيب الا القضية التي يتحدث عنها الاثنان والتي ثبت بشهادة ابسط شهود الحال انها صارت شيئا في ذمة التاريخ الآن فمصطلحات مترفة من قبيل ثقافة الطفل, الكتابة للطفل لم تعد فيما أعتقد قادرة على اثبات شرعية وجودها في الاساس فضلا عن ان تدافع في مواجهة مشاكلها وتبعات تصنيفها وان احداً لا يجرؤ مثلا على اثبات ان حقا كحق الكتابة للطفل ورعاية ادبه هو مسألة محسومة للكبار الذين شرعوا هم انفسهم لمصطلحات كهذه, وحتى نكيل بنفس المكيال فلايعادل المسألة ذاتها في جسامة افتراضيتها الا افتراض ان الطفل يملك الحق والقدرة هو الآخر على ان يكتب اويرعى ادبا للكبار,اهم من هذا كله ان الطفل في الزمن الذي نعيش صار يسخر بشدة ممن يختارون التعامل معه بمفاهيمهم الاولى عنه وصار اكثر جرأة في اعلانه عن الحقائق الجديدة التي باتت تعيش في داخله، ويستمد منها في المقابل شخصيته الجديدة وعقله الجديد, لم تعد الطفولة كما يخمن الكبار مرادفا للادراك الساذج الذي لا يشبعه غير قالب محدد من الثقافة التي يتوسط لتحقيقها التلقين، وليت احدا يراقب تهكم الطفل الفكه مثلا على النموذج المحنط لمقدمة برامج الاطفال التي لا تجد في قاموسها اليق من مخاطبة الاطفال بمثل احبائي واعزائي الاطفال، أو صغاري الاعزاء,, الخ الخ.
صار الطفل في الغالب انسانا مكتمل الطموح الى معرفة يسعى اليها ليأخذها هو برغبته المحضة، رافضا وصاية القالب الثابت الذي يصنعه له الكبير سلفا وهو حين يصرف كل وقته تقريبا في التسمر امام شاشة التلفزيون أو الفيديو يكابد كل هموم الكبار وحماقاتهم ويتمثلها في سلوكه، أو امام شاشة الكمبيوتر او في ملاحقة اخبار الرياضات وموديلات السيارات فانه لا يختار ان يفعل ذلك بحكم استسلامه المباشر للايقاع السائد من حوله وحسب بل هو في الاساس يختار ذلك بحكم كونه الاحرى بعقله الذي بات يكبر اسرع بكثير مما يعلم الكبار ويعقلون والاحرى بعقله الثائر على مكان الطفل من الحقائق التي يريد الكبار الاستئثار بها وحدهم.
وهكذا يمكن القول ان حدودا نظرية كالحدود الفاصلة بين ماهو مجال لتنمية حس الطفولة في طفل، وماهو مجال لشرح قضايا الكبار بصفتهم كبارا قد التقت.
وهكذا ايضا يحق لمن اسميهم تجاوزا اطفالي واطفالك ان يقاطعوا اي ذكر للفقيدة ثقافة الطفل بوصفها ثقافتهم وبوصفهم اطفالا وان يحذفوا كل متشدق بها بالبيض والحصى، ويحق لك انت ايضا ان تقاطع الصحف التي لاتنشر الا اخبار الوفيات.
***
بعض المسلسلات التليفزيونية التي تمس التاريخ القريب منا، تثير فضولنا وتثير أشواقنا اليها.
انها ذات صلة وثيقة بعصرنا الذي نعيش فيه، بل بواقعنا القريب جدا منا الذي لا تزال ظروفه تعيش معنا.
والسؤال هو:
هل من الممكن ان تكون هذه الوقائع المثيرة حقيقة ام ان الخيال يلعب فيها دورا مؤثرا مفبركا .
من المهم ان نذكر ان مؤلف المسلسل لايلتفت الى السرد التاريخي والتفاصيل الدقيقة.
التفاصيل الدقيقة قد تهم المؤرخ وليس الفنان المؤلف الدرامي.
قد تكفي عبارة واحدة في الحوار لتكشف عن طبيعة ذلك الواقع بما يغني عن مئات الصفحات من السرد ذلك لان السرد الدرامي يقتل العمل الفني ويغتاله ويحوله الى عمل هو من اختصاص المؤرخ وليس كاتبا الدراما.
ان المؤلف الدرامي قد يورد لنا اشياء لم تكن قد حصلت كما يرويها ومع ذلك فهو ليس مختلقا اوخياليا، لان هذه الاشياء تحدث من منطلق التحرك الديناميكي للوقائع.
اكتشفت مثلا مسلسلة شذا الاندلس ان المعتمد بن عباد يميل الى مسالمة اولئك الفارين من السلطة في عهد ابيه السفاح، ومنهم رجل اسمه ابو القاسم الهوزني كان المعتضد والد المعتمد السفاح قد قتل والده قاضي اشبيليه لانه قال للمعتضد كلمة حق عند سلطان جائر فاستدعاه المعتمد واسترضاه وعينه وزيرا ومستشارا.
ولدهشة المعتمد وجد الرجل يميل الى سياسة المعتضد العنيف البطاش فدار حوار قاس بينه وبين الشاعر ابن زيدون الذي كان وزيرا للمعتمد كما كان وزيرا لابيه المعتضد.
قال له ابن زيدون في مجلس الوزراء.
عجبا لك يا أبا القاسم كيف تؤيد سياسة الملك الراحل وقد كنت احد المطلوبين لديه؟ فلوكنت حقا تؤيد سياسة المعتضد وتطلب من الملك المعتمد ان يسير على سياسة ابيه الراحل لكنت أنت الآن أحد الفارين من وجه السلطة وضج مجلس الوزراء بالضحك وقال المعتمد لابي القاسم ضاحكا:
أما هذه فتحتاج منك الى الرد يا أبا القاسم .
ورد ابو القاسم في رباطة جأش.
حين أكون خارج السلطة فلامناص من طلب العدل لنفسي، ولكنني حين أكون في موقع المسؤولية فلا مناص من طلب القوة للدولة التي أنا وزير فيها, ربما تكون هذه الواقعة لم تحدث تاريخيا ولكن حضورها الدرامي يبين حقيقة الصراعات بين الاجنحة والفصائل في الدولة الواحدة.
***
شاهدت السلطانة رأيتها فعجبت كيف كانت سمينة جدا وجميلة جدا لقد ذهبت يرحمها الله وذهب معها عصرها الذي اطلق عليها لقب سلطانة الطرب وكانت قد جاءت قبل ام كلثوم وكان بينهما صراع كالصراع بين المرحومين الفنان فريد الاطرش والفنان عبدالحليم حافظ وذلك كان طبيعيا فهو صراع الاجيال في فن الغناء حين يجيء جيل ويذهب جيل.
ومشاهدتي لسلطانة الطرب السيدة منيرة المهدية كان من خلال برنامج تليفزيوني سجل لها ايام الارسال ابيض واسود .
كان حديثها منطقيا وذكرياتها عذبة بالرغم من انها جاوزت التسعين من العمر, فقد شاهدت من خلال هذا اللقاء تابلوهات وصورا جميلة لها ايام الشباب مع محمد عبدالوهاب حين مثلت امامه دور كليوباترا ومثل امامها دور مارك انطونيو حين كان محمد عبدالوهاب مطربا ناشئا في اول درجات سلم الشهرة, وكان رشيقا جدا ونحيفا جدا وحين سقطت كيلوباترا أو منيرة المهدية بين يديه وحاول حملها على المسرح كما يقتضي الدور سقط عبدالوهاب وهو ينوء تحت ثقل وزنها فضج جمهور المسرح بالضحك وانصرف عبدالوهاب الى بيته مريضا, وسلطانة الطرب منيرة المهدية يرحمها الله حجت الى بيت الله الحرام فهاجمها صحفي هجوما شديدا لا لشيء الا لانها مغنية استكثر عليها ان تعتزل الغناء وتتوب الى الله وتؤدي الفريضة.
وقال ان ذلك الهجوم الصحفي اغضبها غضبا شديدا فقدمت شكوى وانصفها المسؤولون قائلين لمن هاجمها اتستكثر ان يتوب عبد الى الله ويؤوب اليه وباب التوبة مفتوح والله يمد يده في النهار ليتوب مخطىء الليل ويمد يده في الليل ليتوب مخطىء النهار وان التائب من الذنب كمن لاذنب له,من خلال الاتيلية ومجموعة الصور التي شاهدتها من خلال ذلك اللقاء التليفزيوني مع سلطانة الطرب راعني جمالها وان كانت مفرطة السمنة كانت شهرتها مدوية وقدرها عظيما ايام العز الى حد ان مجلس الوزراء في القاهرة كان ينعقد احيانا في بيتها أيام زيور باشا في العشرينات وماقبلها.