Thursday 6th April,2000 G No.10052الطبعة الاولى الخميس 1 ,محرم 1421 العدد 10052



بوح
شذرات من الأمس المضيء
إبراهيم الناصر الحميدان

حين يذكر الشعر تتبدى من خلاله صورة أولئك العمالقة, ليس أصحاب المعلقات فحسب,, فهناك عمالقة آخرون مثل المتنبي وأبو العلاء المعري والشنفرى وجرير والفرزدق وقيس الملوح وأكثر من مغرم بليلى,, القمر المضيء في زمن الحب المتعطش, تاريخ حافل لديوان العرب في الجاهلية وما بعدها,, انه عصر الشفافية والحب العذري,, ورابعة العدوية عصر الافتتان بالروح بعيدا عن الجسد,, وهكذا هو الشعر وذلك هم الشعراء, لذا لا يوجد عربي لم يطرب لإلهام الشعر,, لسموه وارتفاعه فوق عذابات الجسد، هذا التاريخ الحافل مزقته الليالي الملاح في عصور تالية,, عندما تدخلت الجواري يفتن الكبار قبل الصغار ويتلاعبن بأفئدة الكهول لجمالهن الآسر وقد أتين من أواسط آسيا وأطراف تركيا وبلاد فارس والشام، جمال يتصبب حتى من أطراف الأصابع, ومعذرة فقد انسقت وراء تلك العصور الباهرة بالعشق العذري والمحرّم حتى أصبح فيما بعد هو الأسطورة ونسمعه من العجائز مختصرا هكذا سبحان من خلقها ولم تكن خيالاتنا تتسع حتى نتصور تلك الوجوه التي لا يستوعبها فضاء الخيال المجنح، إذ لم نر حولنا مثل هذا الجمال الرباني الآسر, فالفلاحة التي تسير في الحقل حافية القدمين ينتعل جسدها وأطرافها الطين والرآب حتى لتضيع ملامحها، وكذلك الأم في المنزل ممزقة الثياب تحلب البقرة وتنظف مسكنها من الروث الذي تجمعه ليكون بمثابة الحطب للتنور.
شباب اليوم لا يعرفون ما هو التنور وإن سمعوا به كمظهر من مظاهر الفقر والتأخر، وحتى الجنادرية تجاهلته.
إذن,, ذهب الشعر وجاء السرد بلهجة ولغة شعبية لا تحفل بالمفردات وعظمة اللغة الخالدة, هربت من التجلي وابت الى الواقع بكل سطحيته وفيروساته، حيث تنخر الآفات في أعماق المجتمع الذي كان رائعا فأصبح كالحاً,, لم نعد نسمع تلك الأبيات الزاخرة بمعاني السمو ومفردات البهجة,
أعادتنا السرديات الى التباهي بالقوة المتعطشة الى الثأر والانتقام، تطاير الارتفاع بالأخلاق الى درجة نسيان الذات المتبرجة بالصفح والبراءة ، التسامح والتصافي.
كانت المكتبات بالنسبة لنا نحن أحفاد الأمس هي زادنا والغذاء الذي نستعذب به حياتنا، فاذا أحفادنا اليوم يجعلونها مجرد زينة تمتلىء بالصحف الملونة التي تتعاطى اللغة العامية الهابطة بالمدح والاستجداء أصبحت رسالة تزييف ونفاق وهذه الأوضاع بعض من الأحزان والهموم في كهوف الدروب التي تفضي الى واقع العرب الذي يتدافعون اليه وراء الرغيف الاسود في دنيا قاتمة بعيدة عن السمو والبراءة.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون مسرحية

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

متابعة

لقاءات

منوعـات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة][موقعنا]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved