يمثل إعلان منظمة اليونسكو باختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية لعام 2000 نقطة تحول في مسار الثقافة السعودية، فالسعوديون يشعرون بفخر واعتزاز كبيرين لاختيار الرياض عاصمة المدن العربية، في مستهل الألفية الثالثة، وهذا الوسام يملؤنا بهجة بعد أن استطعنا كمثقفين لفت انتباه أولئك المسكونين بنظرية المركز والأطراف، فالمراكز رغم دورها البارز في مسيرة الثقافة العربية لم تعد تحتكر إنتاج الثقافة،والجزيرة العربية التي ساهمت في تكوين الثقافة العربية إبداعياً وفكرياً في حقب التاريخ المختلفة، واكدت تعددية المنابع، تجاوزت مرحلة البداوة والشفاهية والتأخر،ولم تعد هذه المرحلة موجودة إلا في ذهنيات تعيش في مرحلة ماقبل التاريخ, فقد باتت الرياض قلباً نابضاً ليس للجزيرة العربية فقط وإنما للعالم العربي والإسلامي، والرياض من المدن الجميلة رغم انها لم تدخل العصر الحديث إلا حين دخلها الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (رحمه الله) عام 1902 وجعلها عاصمة التوحيد والوحدة، ثم أخذت تنمو حتى أصبحت تضاهي كبريات العواصم العالمية، وأصبحت العاصمة السعودية تعج حالياً بكافة معطيات وشواهد الحضارة الحديثة حيث يرصد المراقب للمشهد الثقافي السعودي كثيراً من الفعاليات العربية في حقل صناعة الفكر والثقافة بدءاً من المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) وهو أحد المهرجانات الثقافية الشهيرة في العالم العربي ومروراً بجائزة الملك فيصل العالمية التي تجاوزت الحدود الإقليمية وباتت تحتل مكانة عالمية مرموقة بين المؤسسات الدولية إلى جانب العديد من الفعاليات الثقافية والأدبية المختلفة.
وتحتضن الرياض ايضاً عدداً من الجامعات والمؤسسات العلمية والمراكز الفكرية مثل جامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ومكتبة الملك فهد الوطنية، ومكتبة الملك عبدالعزيز العامة، وغيرها من مراكز الإشعاع والصروح الأخرى التي لايتسع المجال لذكرها.
وعندما نتحدث عن الرياض لابد أن نتوقف أمام ذلك المهندس الذي ارتبط اسمه باسمها منذ أربعين عاماً وأعني به الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض فمثلما ارتبطت بعض العواصم بأسماء كبار السياسيين والإداريين الذين أنجزوا لعواصمهم الشيء الكثير، كان ذلك مع الرياض وأميرها بشيء من التفرد والتميز.
والأمير سلمان ليس الحاكم الإداري للرياض فحسب بل وكما هو معروف لدينا كإعلاميين ومثقفين بأنه حامل لواء الثقافة السعودية و نصير الصحافة وقد كان هاجسه إقامة عاصمة حضارية في قلب الجزيرة العربية، وكان له ذلك حيث باتت الرياض بما يملكه حاكمها من فكر إداري تنموي، وحنكة سياسية وصلات دولية، توأم العاصمة الفرنسية باريس عاصمة النور، وأضحت الرياض مع شقيقتيها القاهرة ودمشق مركزاً لصناعة القرار الاستراتيجي في العالم العربي وتعتبر هذه المدينة المحظوظة أول عاصمة ثقافية في الألفية الثالثة بعد أن ودعت القرن العشرين بعرس احتفالها بالمئوية الأولى لتوحيد هذه البلاد على يد الموحد الملك عبدالعزيز ولتكون حاضرة هذه البلاد ولتستقبل هذا القرن بروح شابة وثابة عاصمة للثقافة لعام 2000م.
والرياض ليست رقعة جغرافية تمتاز بجمالها المعماري وهندسة طرقاتها الفسيحة وجسورها الحديثة، بل فضاءات ومساحات من الفكر المنير، والثقافة الاصيلة التي شكلت خصوصيتها الإسلامية، واصالتها وعمقها العربي ،وهي اليوم بحاجة إلى تعبئة كافة الشرائح الاجتماعية لاسيما أفراد النخب لاستثمار هذا الحدث وإشراكهم في صياغته، ورغم إدراكنا أن هذه المناسبة ستنتهي بعد عدة أشهر وسينتقل هذا اللقب إلى عاصمة أخرى، إلا أن الرياض ستظل أبداً عاصمة للثقافة الاصيلة، ولن يجد المراقب متسعاً من الوقت لرصد وتحليل مانشر عن هذا الحدث فالهدف ليس الاحتفال فقط، وإنما استثماره في الشروع بإعداد ماستكون عليه الرياض في مئويتها الثانية، وفي القرن الجديد، ثقافياً وحضارياً، ولأنها العمق الاستراتيجي للجزيرة العربية بل وللعالم الإسلامي تواجه مثل غيرها من الحصون العربية رياح العولمةوثقافة الاختراق، إلا أنها بموقعها الجغرافي وتاريخها العريض وبما تملكه من ثقل ثقافي وسياسي واقتصادي تستطيع الإسهام بشكل اكبر في صياغة وتحديد ملامح إستراتيجية ثقافية للأجيال القادمة موسومة بالشمولية والعصرنة التي تستند إلى ثوابت ضاربة في عمق التاريخ الإسلامي، ونحن بما لدينا من ارث حضاري نستطيع الاستفادة من الثقافات والحضارات الأخرى ثقافياً وتقنياً وأن نهيىء أنفسنا لهذا التدويل أو الكوكبة.
والرياض في توجهها هذا لديها كافة مقومات وعناصر نجاح صناعة الإعلام وإنتاج الفكر لاسيما وأن الكثير من رجال الأعمال السعوديين هم ممن يستثمرون في اقتصاديات الإعلام والنشر، فالرياض هي السوق الإعلامي الكبير للمؤسسات الإعلامية والثقافية في العالم العربي، وطموحنا هو أن تكون أيضاً عاصمة للقرار الثقافي بما تملكه من أدوات إعلامية جماهيرية وفكر تنموي طموح وإلمام تام بقواعد اللعبة الثقافية.
*كاتب صحفي