بنهاية يوم أمس الاربعاء ودعنا العام الذي عشنا فيه كثيرا من الاحداث والآلام المتنوعة، والتي هي من منظومة الأقدار الربانية.
وكان من أشدها وقعاً على النفوس المسلمة فقدان كوكبة من الأحباب من علماء وفضلاء وأقارب وجيران وآخرين سواهم كلهم طوتهم الآجال في بحر هذه السنة التي تكاد تنفرد بكثرة من مات فيها من علماء المسلمين الكبار الذين تركوا بصمات متميزة في مسيرة الدعوة الاسلامية,وإذا ذكر العلماء الراحلون في عام 1420ه يتبادر الى الأذهان إمام أهل السنة في هذا الزمان وشيخ الحديث والفقه سماحة الوالد المفتي الحبر العابد والورع الزاهد شيخنا عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، قدس الله روحه ونور ضريحه، والذي بارك الله في علمه ووقته بركةً عظيمة عم نفعها بلاد الاسلام كلها,وبالرغم من كثرة ما كتب وقيل عن سيرة أبي عبدالله بعد وفاته فإن ذلك قليل في حقه رحمه الله تعالى, خاصة منا نحن تلاميذه والمقربين منه، حيث له من الأفضال علينا بعد الله شيء كثير, وإن فقده ثلمة عظيمة في بناء العلم والدعوة الاسلامية عسى الله ان يعوضنا فيه خيرا.
ولقد عشت مع سماحته ثلاث سنين من عام 1403ه حتى عام 1406ه في تقديم برنامج (نور على الدرب) وكنا نسجل الحلقات مساء كل جمعة في منزل سماحته، ورأيت من سماحته أعلى مستوى في الكرم والحلم والتواضع ورحابة الصدر مما يندر مثله في أهل هذا الزمان، لقد كان يسعد بخدمة الناس في الخير، ويفرح برجال العلم والدعوة ويهتم بأخبارهم، ويسأل عن أحوال المسلمين في ديارهم، وينصح لولاة الأمر ويدعو لهم بالصلاح والهداية، ويجتهد في التعليم والدعوة بكل ما يستطيع, فرحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وجعله في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وفي الوقت الذي مازالت مدامعنا لم تجف على شيخنا ابن باز، جاءت الأخبار متتابعة في وفيات علماء آخرين رحلوا عن هذه الدار وكأنه عقد انفرط نظامه، وتناثرت حباته فهذا الطنطاوي رحمه الله في الساقة ثم الشيخ فلاتة الأول في مكة المكرمة والثاني في المدينة المنورة، علما هدى ورجلا علم ودعوة ثم تبعهما في درب المنية الشيخ القاضي عطية سالم، والشيخ مناع القطان، ثم لحق بهم الشيخ الزرقا ثم تناقلت الأخبار وفاة عالم الحديث وخادم السنة وداعية التوحيد في بلاد الشام الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني، وحسبك بوفاته مصاباً جللاً إذا عرفت ثقله على أهل البدع ودعاة الضلال، فقد جاهد رحمه الله سنين طويلة في نشر عقيدة التوحيد السلفية النقية واجتهد في التحذير من البدع والضلالات وهو ليس معصوماً كغيره من طلبة العلم يؤخذ من قولهم ما وافق الحق، ويرد ما سواه بيد أنهم يعذرون بالاجتهاد وما من بيت من بيوت طلبة العلم الا وفيه من كتب الألباني الحديثية ما يشهد للرجل بطول باعه في خدمة السنة النبوية.
وقد سألني أحد طلابي في حلقة لي في شرح العقيدة الطحاوية في المسجد حين أعلن خبر وفاته رحمه الله عن الشيخ وسيرته فتحدثت عنه بالخير والثناء على جهوده في خدمة الحديث النبوي، واعتبرت ذلك نوعاً من الوفاء في حق العلماء الأجلاء، ولا يعني كون المرء كتب عن الشيخ الألباني كتابة ناقدة لجانب معين، وربما كانت تلك الكتابة بأسلوب فيه جفاء وقسوة لا تليق بمقام العالم نفسه,.
فلا يعني هذا تجاهل قدر العالم أو عدم التأثر بوفاته أو الإصرار على جفوته، بل إن المرء العاقل يشعر بالندم عندما يجافي الحقيقة ويتجاوز في حق أي مسلم فما بالك بعالم جليل مثل الشيخ الألباني رحمه الله رحمة واسعة,وما أن قارب مصابنا أن يجبر بحلول شهر رمضان في العام نفسه حتى فجع المسلمون بموت عالم ثامن في الهند هو الشيخ الداعية أبو الحسن الندوي رحمه الله, وإنه فعلاً لعام عجيب يمكن وسمه بعام رحيل العلماء فما أعرف عاماً قبله ماثله في كثرة العلماء الراحلين عن هذه الدار الفانية ومع ختام هذا العام يأتي ختام هذا المقال بأن نقول سلام على الراحلين من العلماء وسلام على كل من مات في هذا العام المنصرم من الأهل والجيران والأحباب والأخيار في ديار الاسلام والله المستعان.
* الأستاذ المشارك في كلية أصول الدين بالرياض