حديث الإعلام الداخلي الرياض ، الثقافة ، هو حديث الشارع العام بلغة الصحافة,,.
وبناء عليه فالأسئلة تترى:
لماذا اختيرت الرياض كي تكون الثقافة ضيفتها لمدة عام؟ وعندما تذهب الضيفة أو تكون الرياض قد وسمت بهذه الصفة ذكرى لهذه الضيافة؟! وهل الثقافة ضيفة حقاً؟ والمعهود في الضيوف أنهم لايمكثون ولو طال المقام، إذ مايلبثون أن يغادروا,,.
ولأن الضيف يزور ولايقيم فهل يعني ذلك أن الرياض بعد عام لن تكون مدينة الثقافة؟,,.
كثيرون يصلونك كل يوم منذ بدأ خبر قدوم الضيفة إلى مرابعنا,,.
يتسابقون في تقديم أسئلتهم حول هذا الأمر,,, ولأن السؤال هو المؤشر إلى مفهوم السائل,,, فإن الأسئلة التي ترد تحتاج إلى وقفة عميقة تُجليِّها، وتذهب نحو مساراتها,, تلك التي تضع أيدينا على فجوات كثيرة في نمطية معطياتنا العلمية والفكرية والثقافية العامة لهذه الأجيال التي يبدو أنها فتحت عيونها وما وجدت من يعلمها ويثقفها ويوجهها ويكوَّن لديها رصيداً من المعرفة والخبرات تجعلها تعي المفهوم الدقيق للثقافة, وجاءت هذه المناسبة ولم يتجدد هذا المفهوم عند الغالبية فواجه من التأويلات والتفسيرات ما خرج به عن معناه، ولم يوظِّفه توظيفاً سليماً عند فئات من المجتمع كان ينبغي أن يدركوه كي يعوه ويتعاملوا معه بحجم الواقع,,.
وعلى الرغم من ذلك فإن الاحتفاء القائم كان لابد أن يوظَّف في بعض جوانبه على توعية هذه الفئات نحو إدراك مفهوم الثقافة الشاملة,,, إذ نجده قد اختلط عندها,,, وهو الأمر الذي كان لابد ألاَّ يكون,,.
فمفهوم الثقافة الحضارة، عندها هو مفهوم الثقافة الأدب وعليه اختلط الفعل الثقافي الشامل، بفعل الأديب الناثر والشاعر,,,، وحُصرت بالتالي عند فئات كثيرة الاحتفائية بالسؤال الكبير:
أين الكُتَّاب في الرياض في هذا الاختيار إذا كان الكِتاب الأدبي بأنماطه غير موجود كما ينبغي له من وجود؟!,,, ولئن كانت الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى تحريك مقاعد كافة المعنيين عن أمر الكِتاب بدءاً بالأدباء أنفسهم، فمسؤولي الثقافة في مرافقهم المختلفة,,, فإن الأمر هنا ليس محصوراً في الحديث عن هذا الشأن,,, وإنما يبدو أن هذا الحصر قد نمَّ عن أمور هي من فضائل هذا الاختيار ، كي يرى القوم قصورهم نحو أجيالهم التي نشأت وهي تجهل ركائز ثقافة حضارة أمتها,,.
فعندما يتوقَّف الظانون عند حدود ضيقة من المعنى الثقافي يتعين أن يُلفت النظر إلى:
الدور التعليمي فماذا تُقدِّم المناهج الدراسية للأجيال من ثقافة؟
الدور الإعلامي فماذا يقدم لهم في هذا الصدد؟
وللدور الفكري فماذا فعل المفكرون لهذه الأجيال؟
وللدور الوالدي فماذا قدَّم الآباء لهم في هذا الصدد؟
تركوهم على مايلتقطونه عشوائياً,,,، فتكونت لديهم مفاهيم مهزوزة، وخبرات ضحلة، وفرَغَت جرابُهم من كل ما يمكن أن يثقِّل وقع أقدامهم فوق أرضية ثابتة من معرفة وفهم ووعي.
تركوهم يلتقطونه في سفرهم ومن صحبهم وما تبثه وسائل الإعلام البراقة، الجاذبة، المغذية بما لا يُشبع نهم أمة كانت ذات يوم، وتتطلع لأن تكون اليوم وغداً أمة الصدارة بأجيالها، لم يقل لهم أحد,,: إن الثقافة حضارة شاملة,, وإن القراءة والكتابة جزء من مائة جزء من أبجديات هذه الحضارة,,.
تبدأ هذه الحضارة من باب البيت إلى بوابة المطار,,.
هي شاملة في حياة الإنسان منذ أن يُنقَط في أحشاء أمِّه، إلى أن يُهال عليه التراب في أحشاء الأرض,,, وبذلك فإن الرياض لم تكن مدينة الثقافة لأن أدباءها قد شقوا عنان الأرض صولة وجولة في الفكر،,,, وأنهم كل يوم يلجون البيوت والمكاتب والمكتبات والمنابر بكتبهم الثمينة ومؤلفاتهم النادرة وأفكارهم الخلاَّقة,, بشعرهم الذائع الصيت أو نثرهم الذي يُوقف الطير في مسراه,,,!
وإنما الرياض عاصمة الثقافة هي بنقلتها الحضارية الشاملة,,, الملموسة,,, المشاهدة في كل شيء,,, الرياض عاصمة الثقافة منذ أول يوم أسقطت فيه البوابات، وامتدت أقدامها وليس قدماها تضرب في الاتساع,,.
منذ أن حفرت السدود وأقامت المباني,,.
منذ أن فتحت المدارس إلى أن انتشرت المستشفيات
منذ أن ارتفع صوت إذاعتها وتلفازها إلى أن مددت هواتفها واتصالاتها,,.
منذ أن اخضرت صخورها وسكن غبارها,,.
منذ أن علت بنوكها وكثر وافدوها,,.
منذ أن اختلطت خبراتها,,, وزوِّدت مكتباتها,,.
منذ أن أنتعل حافيها الحذاء، واختفت عن شوارعها الكلاب.
منذ أن اغتسلت في الصباح بالنور، وعجَّت مساءاتها به,,.
الحضارة عمل، وعلم، ودأب، وبناء، وعطاء،,,, وسلوك,,, وتفكير، وفن، وأدب، خليط ثقافي شامل,,, يحذق في تكويناته القوم فيكونون مثقفين في كل مجال يُكوِّن حضارتهم وسلوكهم الخلقي والعملي.
من يعرف الرياض: يدري أن هذه اليافعة بسرعة أغتسلت من التراب، وأسدلت ضفائرها للشمس،
وغمست كلها بالعطر، وكبرت في المدى، وأتسعت خطواتها، وأثمرت:
ففي البناء تطورت منذ خرجت من الخيمة,.
وفي المواصلات تقدمت منذ أن ترجَّلت عن ظهور الجمال والجياد,,.
وفي العلم انغمست منذ غادرت زوايا الظلام,,.
وفي العمل قادت منذ أن تعددت فيها منافذه وأدواره,,.
وها هي تخطو في كل اتجاه صوب الحضارة الشاملة، في تنوع مشاريعها اتصالاً، وترفيهاً، وتعليماً، وثقافة، ورياضة،,,.
فليكن احتفاءً دائماً,,, بتوعية دائمة,,.
باحتواء شامل لأجيالنا في محاضن لا تدعهم يجهلون,,, أبجديات المفاهيم,,.
والمركبة تمضي,,.
تشق المدى,,, في وضح النهار.
يقودها مثقف حذق,,, له ريادة الحضارة في هذه المدينة المضيئة, التي يجمل بنا ان نهنئه بها,, فليبارك الله في جهود الأمير سلمان صانع حضارة الرياض في دأب وصمت وحذق ماهر قيادي.
|