في ظل ما يشهده عالمنا المعاصر من حقائق سياسية واقتصادية واستراتيجية مثيرة في منظومة العلاقات الدولية بشكل لم يكن مسبوقاً في المراحل التاريخية السابقة، برزت دبلوماسية القمة لتترك بصماتها على تسيير دفة العلاقات الثنائية بين الدول بل والعلاقات الدولية.
ويحرص قادة الدول وكبار مخططي السياسة فيها على عقد لقاءات قمة واجتماعات هامة من خلال تبادل الزيارات الرسمية والودية وعلى هامش مؤتمرات القمة وغيرها.
ولا شك ان الزيارات على مستوى القادة وكبار المسؤولين بين الدول من الأدوات الهامة في السياسة الخارجية المعاصرة,, اذ انها تعكس حقيقة العلاقات الثنائية وتقوية الروابط والمصالح والمنافع بين الدول وتؤكد المصالح السياسية والاقتصادية والثقافية والتجارية ودعم العدل والسلم الدوليين,, الخ.
وما زيارة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني الرسمية إلى كل من مصر وسوريا ولبنان وعقده لقاءات قمة مع الرئيس حسني مبارك والرئيس حافظ الأسد والرئيس إميل لحود إلا تجسيد ومثل حي رائد لدور المملكة باعتبارها قائدة العالمين العربي والاسلامي بثقلها الكبير وتأثيرها الهائل اقليمياً وعربياً واسلامياً ودولياً.
تلك الزيارة الرسمية الهامة التي تمثل تحركاً سياسياً وتحركاً ديناميكياً سعودياً نشيطاً يعكس الدور الكبير المتعاظم للمملكة، أولته وسائل الاعلام العربي والاسلامي والدولي أهمية غير مسبوقة حيث يقوم بها أحد قادة المملكة العربية السعودية بثقلها العربي والإسلامي والدولي وتأتي في وقت حرج تواجه فيه الأمتين العربية والاسلامية تحديات كثيرة في مقدمتها التهديدات الاسرائيلية المتكررة وآخرها اعتداؤها الغاشم غير المبرر على لبنان الشقيق.
أسس العلاقات
واذا كان بناء العلاقات بين الدول ينطلق من الأسس التاريخية والجغرافية والسياسية الثابتة التي تركز عليها مصالح الدول، فإن المملكة العربية السعودية بتاريخها العظيم ومواقفها القوية والثابتة,, وبتجردها المعروف الذي ينطلق عن المبادئ وليس عن المصالح أو الانفعالات.
ومصر العربية وسوريا ولبنان بتاريخها العريق وحضارتها البناءة استقبلت سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز استقبال القائد العربي الكبير الذي يحرص على لم الشمل العربي وتطابق القيم والأفكار والمبادئ وتوافق الرؤية المشتركة للمصالح العربية والإسلامية في هذه المنطقة الهامة من العالم.
المملكة ومصر
ان المملكة ومصر بما لهما من وزن دولي ومكانة عالمية ومواقف تحترمها الشعوب والدول في كل مكان، قادرتان على اعادة الثقة في كل ما هو عربي وتكريس الأمن والاستقرار في المنطقة، وتجنيب العالم مغبة الدمار والمآسي بفضل ما أوتيت به قيادتاهما من حكمة.
فهما تجسدان الأماني للعرب والمسلمين في كل مكان وان العمل الايجابي والتنسيق الذي يسير بأسلوب التعقل والاتزان يدفع خطواتهما إلى الأمام لتحقيق أنبل الحقائق التي تتفاعل مع أماني الشعوب العربية والاسلامية.
وتبرز العلاقة السعودية المصرية لتمثل نموذجاً للعلاقات بين دولتين كبيرتين اساسهما الاحترام المتبادل والتكافؤ والتوازن تعملان على دعم الأمن والاستقرار والسلام الدولي والسلام في الشرق الأوسط ودعم القضايا العربية والاسلامية والدولية.
ونحن نتحدث عن العلاقات السعودية ْ المصرية المتميزة نذكره دائماً في علاقته البطولية وفكره الثابت ونظره البعيد وذكائه الفطري الذي يهبه الله ويمن به على عباده.
,, نذكر مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله الذي كان ايمانه ويقينه بالله وبالاسلام مبعث تمسكه بالعروة الوثقى.
وكانت سياسته الحكيمة ْ ثم وصيته لأبنائه ْ بأن خير العروبة والاسلام وما ينتظر هذه الأمة من مجد يتمثل في التعاون الوثيق لحكومتي وشعبي المملكة العربية السعودية ومصر في كل العصور وتحت كل الظروف.
فالمملكة التي شرفها الله بواجب خدمة المقدسات وحمايتها وحمل رسالة الإسلام الخالدة التي انارت العالم أجمع,, ومصر التي ذخرت بها جوانب التاريخ ومعالم الحضارة,, انهما قطبان كبيران في العمل العربي والاسلامي الواحد.
تحدث الملك عبدالعزيز رحمه الله عن هذه العلاقة فقال: ·وما كنا لننسى مصر الكريمة وصلاتها بشقيقتها المملكة العربية السعودية، فكان من حظ البلدين توثيق الروابط بينهما وتوحيد جهودهما في سياستهما وإقامة تعاون بينهما على أوثق الدعائم .
والملك عبدالعزيز كان حريصاً على تقوية وتوثيق العلاقات مع مصر:
·ان مصر هي قدوة وأمل جميع العرب وقال ·لا عرب بدون مصر ولا مصر بدون العرب .
الموقف السعودي
وانطلاقاً من الموقف السعودي المصري ْ السوري واللبناني الداعم للعدل والاستقرار والسلام في العالم اجمع فانها تؤيد ضرورة استمرار عملية السلام القائم على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة والانسحاب من جميع الأراضي العربية التي احتلتها اسرائيل بالقوة تأكيداً لسياستها العدوانية التوسعية والاعتراف بالحقوق التاريخية للعرب, وقد أكد هذا سمو ولي العهد في اجابة سموه على سؤال وجهته لسموه وكالة الأنباء السعودية:
·فالحقوق المشروعة بالنسبة لنا هدف مصيري لا مساومة عليها، وهذا ما نراه اليوم مجسداً في صمود الاشقاء في سوريا ولبنان وفلسطين من أجل استعادة حقوقهم المغتصبة .
رغم ان السلام اصطدم بالتعنت الاسرائيلي وعدم التفات اسرائيل إلى احكام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية والرأي العام العالمي ومقررات مدريد,, وتمسكها بالقدس عاصمتها الأبدية بعد أن تحدت العالم أجمع وضمت القدس الشريف رغم ان ذلك ينسف عملية السلام برمتها.
وهذا التعنت والصلف الاسرائيلي في التمادي في العدوان واحتلال الأراضي العربية وضرب لقرارات الأمم المتحدة عرض الحائط وعدم الالتفات للشرعية الدولية والقوانين والاعراف الدولية لا يغير شيئاً بالنسبة للعرب فهم أصحاب حق صامدون، انهم اصحاب رسالة واصحاب حق شرعي تاريخي لا لبس فيه يجنحون للسلم لكن ليس أي سلام وانما السلام العادل المنصف كما وصفه سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد الأمين في تصريحه لدى وصول سموه إلى دمشق حيث قال:
·إننا اصحاب رسالة واصحاب حق شرعي وتاريخي لا لبس فيه وان تطاول عليه من تطاول، حقنا جلي واضح لا يملك التنازل عنه كائن من كان ومقاومتنا للعدوان والجور والاحتلال حق مشروع كفلته شرائع السماء وكرسته قوانين الأرض.
أمتنا العربية تجنح للسلم وتصبو إليه لكن ليس أي سلام وانما السلام العادل المنصف الذي يعيد لكل ذي حق حقه ويكفل الأمن والاستقرار لكل من يعيش في هذه المنطقة التي تنزلت فيها رسالات السماء وهدت البشرية الى الحق والخير والعدل .
وقد أوضح سموه بجلاء رؤية المملكة للسلام حتى لا تتهور اسرائيل وتنزلق المنطقة برمتها إلى حالة من الفوضى والعنف مؤكداً سموه:
·هذه رؤيتنا وهذا توجهنا في المملكة العربية السعودية وعلى رأسها أخي خادم الحرمين الشريفين ْ يحفظه الله ْ وعلى كل الأطراف ْ وبخاصة اسرائيل قبول هذه الحقائق ووعي ضرورة السلام وفضائله.
إننا نريد لغيرنا الأمن والسلام مثلما نريده لانفسنا وندرك ان ذلك لن يتحقق بغير العدل والانصاف ونبذ غرور القوة الغاشمة.
اما الاستفزاز والعدوان واستخدام لغة القوة فلن تحل اشكالاً ولن تؤدي لغير المزيد من المرارة والاحقاد والدمار,, وأخشى ما نخشاه ان يغلب اليأس الأمل وتنزلق المنطقة كلها إلى حالة من الفوضى والعنف لا يعلم مداها إلا الله وتمتد اخطارها وتداعياتها إلى كل أرجاء العالم .
وفي غمار الاحداث والصراعات والتفاعلات التي تحولت فيها منطقة الشرق الأوسط برمتها إلى منطقة ملتهبة تحتدم فيها المشاكل بسبب الصلف الاسرائيلي وآخر مسلسله الاعتداء السافر الأخير على لبنان.
وباعتقادنا ان المتتبعين لسياسة اسرائيل العدوانية منذ انشائها وعدوانها المتكرر على القدس الشريف والجولان وفلسطين ولبنان لا يرون في اسرائيل سوى دولة عنصرية تحمل طابع الاستعمار الاستيطاني، اسيرة منطق القوة الصهيونية الغاشمة بكل ما تحمله من عدوان وغطرسة وهذا وضع مستمر لا يتغير ولا يتبدل مهما تغيرت الحكومات فها هي سياسة اسرائيل الشرسة والعدوانية في ظل حكومة باراك كشفت القناع البشع عن وجهها ففي حقيقتها انها لا تختلف عن حكومة نيتنياهو بقليل أو كثير,, وتنظر إلى السلام بشكل معكوس ادخله في نفق مظلم بعيداً عن أقل نسب العقلانية.
والعرب كما وصفهم سمو الأمير الفارس لا يستجدون في حقوقهم المشروعة وقدموا كل ممكن من أجل السلام,, فإسرائيل واهمة اذا ظنت انها قادرة على أخذ المزيد بل ويتجاوز بها الواقع الى الخيال يقول سموه:
·لذلك كله أقول للطرف الاسرائيلي لقد آن الأوان لتفعيل عملية السلام واخراجها من النفق المظلم بعيداً عن لغة السلاح, ونحن أمة لا تستجدي الآخرين حقوقها المشروعة ولا يملك احد مهما علا دوره التنازل عن حق مشروع وراءه شعوب مطالبة.
لقد قدم الجانب العربي كل ممكن من أجل السلام ومن ظن أنه قادر على أخذ المزيد انما يوهم نفسه ويتجاوز بها الواقع الى الخيال, لذلك على الجانب الاسرائيلي ان يتعامل مع الحقائق بعقلانية وهو ما نتمناه ونشجع عليه، اما دون هذا الأمر فلا يخرج عن كونه عبثاً لا طائل منه .
لقاء القمة
وقد علقت اذاعة صوت العرب على لقاء القمة السعودية المصرية قائلة: ·ان التنسيق المصري السعودي الذي يعد من أعمق وأكمل أوجه التنسيق العربي يضفي على لقاء الرئيس مبارك بسمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز أهمية خاصة اذا وضعنا في اعتبارنا العلاقات الحميمة والخاصة جداً بين الزعيمين العربيين وبين البلدين العربيين ورؤية القاهرة والرياض لأهمية احياء التضامن العربي الشامل لدعم المفاوضين العرب في عملية السلام المتعثرة بسبب تصلب الجانب الاسرائيلي .
وأكدت الاذاعة ان لقاء سمو ولي العهد والرئيس مبارك خطوة كبيرة على طريق العمل العربي المساند للحق العربي بقوة سواء في عملية السلام أو في غيرها من قضايا الأمة العربية.
وقالت: ·ان لقاء القمة المصرية السعودية نقطة تحول كبيرة في الاحداث نحو تحقيق الأفضل للأمة العربية وللمصالح العربية العليا ونقطة ضوء تحمي الآمال العربية نحو تحقيق طموحاتها الكبرى وترسخ الاعتزاز بالانتماء إلى الأمة العربية .
القدس الشريف
ولا شك ان قضية القدس تشكل جوهر الصراع العربي ْ الإسرائيلي ومستقبل القدس في اطار أي حل يمكن التوصل إليه سيكون قطب الرحى,, وقد صدرت قرارات عديدة عن الجمعية العامة للامم المتحدة وعن مجلس الأمن تتعلق بمدينة القدس وهذه القرارات جميعها تعتبر الاجراءات التي قامت بها اسرائيل لضم المدينة وتغيير معالمها وتكوينها الديمغرافي بعد حرب 1967 باطلة ولا يترتب عليها آثار قانونية.
وكل ما قامت وتقوم به اسرائيل تحدياً للأمم المتحدة وقراراتها وخرقها لمبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية يعد تجاوزاً على حقائق كانت وما زالت موجودة وقائمة,, اذ ان اسرائيل في ظل الحقائق الدامغة المتجسدة تهدف باصرار إلى خلق حقائق جديدة لا تمت إلى الواقع بأي صلة لا من قريب ولا من بعيد.
هذا العدوان على القدس الشريف والأراضي العربية وصفه سمو ولي العهد وصفاً حياً واقعاً حيث قال سموه في تصريح أدلى به عند وصوله لدمشق:
·ورغم ما تشهده أمتنا العربية وتقاسيه من عدوان وجور واستفزاز يهز كل مقدرة على الصبر والحلم والاحتمال في نفس الانسان رغم ذلك كله ستظل شمعة الأمل والتفاؤل حية متقدة ولن تطفئها أعاصير التشاؤم والاستفزاز مهما عتت.
وسيظل ايماننا راسخاً ْ بحول الله وعونه ْ بان الحق لن يغلبه باطل .
مصلحة أمريكا مع العرب
هذا العدوان الاسرائيلي السافر يلقى الدعم والمساندة الأمريكية لتصبح اسرائيل أقوى آلة عسكرية في المنطقة.
أما في المجال السياسي فالولايات المتحدة الأمريكية لا تتورع عن استخدام حق الفيتو في مواجهة أي قرار يدين أعمال اسرائيل وانتهاكاتها لحقوق الشعب الفلسطيني أو يدين احتلال اسرائيل لأراضي الدول العربية ْ أما العرب فلهم مكيال آخر متساهل في أمر حقوقهم غير مكترث بها.
ورغم ان الحكم على سياسة دولة كبيرة في حجم الولايات المتحدة، وهل هي عادلة منصفة ام متحيزة يتحدد من مواقفها وتصرفاتها وقدرتها بالنسبة لقضايا الشرق الأوسط وفي مقدمتها قضية فلسطين.
وهذه المفارقة وعدم المساواة في المعاملة لا نجد لها تفسيراً منطقياً أو حتى في السياسة التي تقوم على فكرة المصالح بين الدول، فان مصلحة الولايات المتحدة تتحقق مع الدول العربية أكثر مرات عديدة عن مصالحها لدى اسرائيل.
السؤال الذي يفرض نفسه هو ْ هل تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية ان تعامل اسرائيل بنفس المعاملة التي تعامل بها العرب رغم انها لم تنفذ أي قرار من قرارات الأمم المتحدة أو مجلس الأمن ولم تنفذ أي تعهد من تعهداتها في اتفاق السلام,!!
بل ان الولايات المتحدة الأمريكية وهي تعلن عن توقيع اتفاق واي ريفر في اكتوبر 1998 ابرمت اتفاقاً خطيراً مع اسرائيل منحتها بموجبه 1,2 بليون دولار تكاليف اعادة الانتشار للمناطق المتفق عليها في اتفاق ·واي ريفر وبند أهم شملته اتفاقية ·مذكرة التفاهم الأمريكية الاسرائيلية التزمت بموجبه أمريكا بتعزيز قدرات الردع والدفاع الاسرائيلية لتدخل الاستراتيجية الأمريكية ْ الاسرائيلية مرحلة جديدة متطورة لتعزز قدرات الردع الاستراتيجي الاسرائيلي وهذا معناه ضمناً القدرات الاسرائيلية النووية بشكل علني ومباشر.
وهذا الدعم الأمريكي الجائر غير العادل والمنصف لاسرائيل جعل اسرائيل لا تفهم لغة السلام وتحيد عنها إلى منطق القوة والجبروت,, ولكن هذا لن يضير العرب ولن يغير مواقفهم بل سيزيدهم قوة ورسوخاً وصلابة واصراراً والحق لا يضيع اذا كان وراءه مطالب مهما طال الزمن فالأمة الاسلامية عرفت عبر التاريخ بنضالها من أجل الحق والعدل وكسر شوكة الباطل مهما كان, يقول سمو ولي العهد الأمين:
·واذا كان من ثمة على عيونه غشاوة تحجب عنه الرؤية السليمة للسلام العادل وفضائلة فلن نفزع ولن نجزع ولن نهرع إليه مستسلمين لجوره مستجيبين لباطله بل علينا أن نصبر ونصمد ونقاوم بكل طاقة نملكها فالضعيف اليوم سيقوى غداً والقوة لا تدوم لاحد إلا لصاحب القوة والجبروت جل جلاله ·وتلك الأيام نداولها بين الناس وحري بمن اعمتهم القوة واسكرهم الغرور ان يعوا هذه الحقيقة جيداً ويضعوها نصب أعينهم فالشعوب الحية لا تنسى ولا تستسلم ولا تموت وما ضاع حق وراءه مطالب وللتاريخ ذاكرة تستنطق الجامد وتسجل الحقائق وتحفظها من كل نسيان أو تشويه .
عامل النفط
ويبرز أمامنا مرتكز هام في العلاقات السعودية المصرية ذلك المتعلق بالنفط, فاذا نظرنا إلى احتياطي المملكة الضخم من البترول والذي يصل إلى 26% من الاحتياطي العالمي,, والى كونها أكبر منتج وأكبر مصدر له في العالم الحر اليوم والى الاستقرار السياسي الذي تنعم به المملكة,, الذي يعد عاملاً مهماً في مستقبل البترول السعودي وسياستها النفطية الحكيمة، ومستقبل النفط السعودي الذي يتربع على مقدمة القائمة متصدراً جميع دول العالم ْ انتاجاً وتصديراً ويعتبر من وجهة نظر خبراء النفط مفتاح التوازن في أسواق النفط الدولية,, لادركنا أهمية النفط السعودي باعتباره سلعة استراتيجية ضرورية لا غنى عنها للدول الصناعية وغيرها في عالم اليوم,, بل وشكلت الطاقة مظاهر عديدة على المستوى الدولي ربطتها بعض الدول بسياستها الداخلية والخارجية وأمنها القومي، خاصة ان البترول سيبقى لعقود قادمة سلعة استراتيجية هامة تعتمد عليها الدول الصناعية وغيرها,, تلك الأهمية أكدها الرئيس الأمريكي السابق ايزنهاور عندما وضح الدور العظيم للبترول حيث قال: ·لقد سبح الحلفاء نحو النصر في الحربين العالميتين على بحيرة من النفط .
ومصر دولة منتجة للنفط وعضو في منظمة الأوابك,, ورغم انها ليست عضواً في الأوبك إلا أنها تتبادل التنسيق والتعاون مع المملكة لجلب الاستقرار لسوق النفط الدولية فالدولتان المملكة ومصر بينهما أوثق الروابط في ميدان التخطيط النفطي,, وهذا امتداد وتوثيق للعلاقات الثنائية الخاصة بين الدولتين الشقيقتين اللتين تستثمران تلك العلاقة الوشيجة في التعاون النفطي والاقتصادي والتجاري,,الخ.
القرار السعودي التاريخي
ولا نذكر النفط الا ونذكر القرار السياسي السعودي الشهير بقطع امدادات النفط عن الدول التي وقفت إلى جانب اسرائيل في حربها ضد العرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية,, وانتصر العرب للمرة الأولى في التاريخ الحديث على اسرائيل.
لقد كان الموقف السعودي التاريخي اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً تأييداً بدون حدود,, كان اختباراً للتضامن العربي الذي اسسته المملكة وأثبت في حرب رمضان نجاحه وصموده في مواجهة العدوان الاسرائيلي الشرس.
الكل يتذكر الموقف السعودي الحاسم عندما طلبت الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك من القيادة السعودية التدخل لوقف القتال في سيناء والجولان,, وكان الرد الحاسم للملك فيصل رحمه الله يعكس مواقف المملكة وقادتها فكان الرد صريحاً ببرقية عاجلة جاء فيها:
·إنه اذا لم تهب الولايات المتحدة لردع اسرائيل عن التمادي في غيها وعدوانها فسوف يتفجر البركان وسوف لا يقتصر نذيره على المنطقة وحدها بل سيتخطاها إلى حرب عالمية شاملة .
وقد امتزج الدم السعودي مع الدماء العربية في مصر وسوريا دفاعاً عن الشرف والكرامة ولاسترداد الأرض وتحرير المقدسات الاسلامية,, فالأوامر وقتها صدرت للقوات السعودية المسلحة والى منسوبي الحرس الوطني,, فكانت المواقف السعودية العسكرية والاقتصادية والسياسية عاكسة لقوة ونفوذ الدولة الكبرى المملكة العربية السعودية.
كان قراراً سعودياً شهيراً يتفق وحجم وثقل المملكة على الصعيد العربي والاسلامي والدولي,, كان موقفاً لا يبارى, كان تحدياً حضارياً وتاريخياً وقبل كل شيء وبعده كان موقفاً اسلامياً اتخذته الدولة التي تحتضن الحرمين الشريفين في صدرها فجاء النصر من عند الله وانكسرت شوكة اسرائيل في حرب رمضان المبارك التي كانت التحاماً سعودياً مصرياً سورياً على كل الأصعدة.
مرتكز الأمن
ومنذ عام 1967 والموقف السعودي القوي لا يتزعزع في دعم دول المواجهة فلقد قدمت المملكة الدعم المادي بلا حدود ومن منطلقات دينية فكان ولا يزال نموذجاً مشرفاً من العطاء والدعم السخي المتواصل,, والمملكة بقيادتها الحكيمة تمثل رمزاً بارزاً للدولة والقيادة الاسلامية التي يقوم دعمها للاشقاء على أساس ديني وأخلاقي وحضاري.
ومن المهم النظر إلى العلاقات السعودية المصرية والسورية من خلال مرتكز آخر هام ويتمثل هذا المرتكز في الناحية الأمنية,, ولا نذكر الأمن إلا ونعني به الأمن في منطقة الخليج العربي التي يمثل الاستقرار فيها أهم عامل يؤثر على مستقبل المنطقة والعالم أجمع، وتبدي الدول الصناعية اهتماماً بالغاً بهذه المنطقة سواء باعتبار كونها المصدر الأكثر أهمية نفطياً بسعر معقول أو بحكم تأثيرها على سوق البترول الدولي واتجاهات اسعاره.
وهذا يضاف إلى أهمية المنطقة الجغرافية المتميزة والنواحي السياسية والبشرية والسكانية والعسكرية مما يضعها في مقدمة أهم المناطق الاستراتيجية في عالم اليوم,, مما يجعل امنها يمثل نقطة الارتكاز بالنسبة إلى العالم أجمع.
وخلال أزمة الخليج وقفت الدول دائمة العضوية مع اخراج العراق من الكويت والمحافظة على استقراره وضمان تدفق النفط إلى أسواق استهلاكه الرئيسية.
وكان الموقف المصري بقيادة الرئيس محمد حسني مبارك موقفاً عادلاً يعكس حجم ومكانة مصر، اتسم بالمصداقية، سارع إلى تلبية دعوة المملكة لتكوين التحالف الدولي فعبرت مصر عن موقفها الذي كان يتمشى مع الحدث والتغيرات الدولية والنظام الدولي الجديد.
وكان موقفاً قيادياً لعب دوراً بارزاً ومؤثراً فالرئيس مبارك أعلن قراره الواضح الواقف بحزم ضد الغزو العراقي,, وأعلن الرئيس حسني مبارك أن مصر قد اتخدت قرارها لأن هذا مبدأ لا تحيد عنه.
وكان الموقف السوري داعماً للحق والعدل رافضاً لكل انواع الغدر والخيانة عبر عنه الرئيس حافظ الأسد بصلابة فوقفت سوريا وشعبها الى جانب اخراج صدام حسين من الكويت وجعلت من ذلك خطاً في سياساتها حتى تم التحرير.
ورغم ان الحرب أمر مكروه للجميع لكن صدام حسين فرض تلك الحرب وجعلها الخيار الوحيد لتصبح حرباً عادلة بغرض الدفاع الشرعي وكذلك التي تقوم بها الجماعة الدولية دفاعاً عن قضايا العدل والحق والسلام الدولي,, وهذا ما فعلته قوة التحالف الدولي لرد عدوان الدولة المعتدية استجابة لمتطلبات الدفاع الجماعي العالمي ولتحقيق سلام دولي قائم على الأمن والعدل.
وقد قادت المملكة التحالف الدولي ضد صدام حسين بعد غزو الكويت حيث اتضح من الوهلة الأولى طبيعته العدوانية ومنافاته للدين والمبادئ الأخلاقية الدولية.
وقد وقفت كل من مصر وسوريا لتكونا قطبين هامين في التحالف فكانت قواتهما جنباً إلى جنب مع القوات السعودية والأمريكية والبريطانية واستمر هذا التلاحم حتى تحررت الكويت.
وكانت القوات المسلحة السعودية وحرسنا الوطني درة عاصفة الحصراء، حيث لعبا الدور الرئيسي الفاعل على الأرض والجو وفي البحر وهو الذي دخل الكويت العاصمة ليعلن التحرير على العالم.
بيت العرب ولبنان
والمواقف السعودية التاريخية تتحدى كل التحديات والحواجز ولا تعرف حدوداً أو خطوطاً حمراء تقف عندها عندما يتعلق الأمر بقضية اسلامية أو عربية,, ولبنان التي حطت رحال سمو الفارس العربي بها بعد سوريا لا تنسى مواقف المملكة التي وقفت مع لبنان في حربه الأهلية,, وقفت مع لبنان ولا زالت ضد اجتياح اسرائيل للبنان عام 1982 وما لحقه من اعتداءات صارخة اسرائيلية, المملكة نقلت لبنان الشقيق من المحنة والمعاناة إلى الاستقرار والرخاء.
فالحرب الأهلية الطاحنة التي اجتاحت لبنان وخربت ما خربت كانت بداية شرارتها في الثالث عشر من ابريل 1975,, تلك الحرب الشرسة انتهت بموقف سعودي عايش الحرب منذ ولادتها حتى انطفأت نارها باتفاق رسمي وقع على أرض بيت العرب المملكة العربية السعودية وبالتحديد في مدينة الطائف في الثاني والعشرين من اكتوبر 1989 لتنهي مآسي وحروب الدمار في حل قادته المملكة ورعته واشرفت عليه فسجلت الطائف الحد الفاصل والمعادلة الصعبة في حرب لبنان فانهت الصراع اللبناني من ميدان النزال العسكري الى ساحة الحل السياسي تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز فانتصر اللبنانيون وخرجوا من نفق مظلم الى التوافق والوئام الوطني تحت مظلة موقف سعودي أوقف نزيف الدماء لتتحول لبنان الى أرض سلام، أرض الرخاء.
ولاشك ان زيارة سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز إلى لبنان لا تخرج عن كونها تجسيداً للمواقف السعودية المخلصة في دعم لبنان واللبنانيين ومساندة لبنان وشعبه في مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية, موقف اخوي يدعم لبنان بدون حدود وتقدم المساعدات لتمويل المشاريع التنموية اللبنانية كقطاعات التعليم والمياه والطرق حيث قدم الصندوق السعودي للتنمية مبلغ مئة مليون دولار أمريكي بمناسبة زيارة سموه الذي وجه بتقديم دعم اضافي للبنان بمبلغ ثلاثين مليون دولار أمريكي لمساعدة لبنان في بناء مشاريعه الحيوية بما في ذلك قطاع الكهرباء الذي استهدفه العدوان الاسرائيلي الأخير على لبنان.
ومما هو جدير بالتنويه ان صندوق التنمية السعودي قدم للبنان مساعدات لمشاريع عديدة بلغت قيمتها مليار ريال سعودي, فبعد تسعة أشهر من تولي الجزار باراك الحكم برفع شعار حرق لبنان وقتل أطفاله وإسالة دمائه وتدمير بنيته الأساسية,, وهذه المملكة تقف بحجمها وثقلها الكبير لتبني وتدعم إعمار لبنان وأطفال لبنان.
مؤكداً سموه ان لبنان ·يحمل راية الكفاح والمقاومة في يد ويحمل في اليد الأخرى أدوات البناء والتعمير يد تحمي ويد تبني .
هذا الموقف عبر عنه رئيس وزراء لبنان الدكتور سليم الحص ·لقد عودتنا المملكة العربية السعودية على الوقوف دوماً الى جانب لبنان في الملمات واللبنانيون لا ينسون الدور المميز الذي قامت به المملكة بشخص مليكها ومن خلال دبلوماسيتها طوال الأزمة الوطنية الكبرى في محاولات ومبادرات متكررة لحل الأزمة اللبنانية, وقد توجت كل هذه الجهود باتفاق الطائف الذي أنهى الأزمة واعاد الوفاق الى الشعب اللبناني ورسخ الوحدة الوطنية وسجل نقطة انطلاق لاعادة بناء الدولة على أسس جديدة, فمرحباً بسمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز في لبنان, ونحن نعلم مقدار المحبة التي يكنها في قلبه الكبير لهذا البلد وشعبه .
والمملكة كدولة كبيرة تشغل مساحة تصل إلى حوالي 2,2500,300 كم2 وتقع عليها مسؤوليات كبيرة باعتبارها بيت العرب والمسلمين وقائدتهم ولها ثقلها ونفوذها الدولي,, فقوتها هي قوة للعرب والمسلمين,, قوة للسلام والمحبة,, قوة للعدل وحفظ الأمن والاستقرار وهذا ما حدث بالفعل في أزمة الكويت وغيرها.
ولا شك ان الزيارة الهامة التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز إلى كل من مصر وسوريا ولبنان أوضحت إلى أي مدى يبدو ثقل المملكة في المجال العربي والاسلامي والدولي وخدمة القضايا العربية والاسلامية والدولية ودعم قضايا السلام والعدل,, الأمن والاستقرار في العالم,, السلام العادل مقابل الأرض في الشرق الأوسط, وهذا ما عبر عنه سمو ولي العهد الأمين عندما قال: ·ان قطار السلام سيواصل سيره حتى يبلغ منتهاه ولن تعيقه ْ ان شاء الله ْ عقبات أو عوائق مهما بلغت .
وهذه التداعيات التي اثارتها بعض الخواطر بمناسبة زيارة احد قادة المملكة بحجم سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز لكل من مصر وسوريا ولبنان والترحاب الكبير الذي لقيه يوضح ثقل ومكانة المملكة الاقليمية والعربية والاسلامية والدولية ويمهد الطريق للغرس ان ينمو وللحصاد أن يجيء في ميقاته لمستقبل مشرق ان شاء الله.
والله ولي التوفيق,.
* دكتوراه في القانون الإداري دكتوراه في النظم السياسية والقانون الدستوري