لقد حظيت المرأة بنصيب وافر من الاهتمام خلال العملية التنموية التي عاشتها المملكة العربية السعودية منذ عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وحتى الآن مما مكنها من القيام بدور رئيس وهام في رحلة البناء والتنمية, ولقد جاءت مساهمة المرأة السعودية فاعلة ومؤثرة خاصة في مجال التعليم والتربية حتى أصبحنا قريبين من تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال, إلا أننا في هذه الايام اصبحنا نعايش واقعاً جديداً يتسم بتزايد أعداد الخريجات والمؤهلات من بنات الوطن اللاتي لم يتمكن من الحصول على فرصة عمل مناسبة أو لم يتمكن من الحصول عليها ضمن الإطار الاجتماعي والفكري المقبول, وإذا كان هذا الواقع جديداً فإن من الأولى بنا أن نتدارك مؤثراته المستقبلية من خلال اجراء التعديلات النظامية والإدارية المطلوبة التي تحفظ للمرأة السعودية دورها المرموق ضمن الإطار الشرعي الذي يؤمن به الجميع, ولقد كنا كمواطنين نسمع الكثير من التصريحات الصحفية الرسمية التي تشير إلى قيام الجهات المعنية بدراسة الواقع من اجل اجراء التعديل المناسب الذي يحقق الطموح ويتوافق مع معطيات الواقع، إلا أن زمن الانتظار قد طال وفترة الدراسة قد تجاوزت المعقول حتى وصلنا إلى ماوصلنا إليه من نقص اوندرة في فرص العمل المتاحة امام المرأة السعودية المؤهلة مما ابقى الكثير من بناتنا تحت مظلة البطالة وكأني بهن يردن مشاركة الشباب همومهم.
وأعتقد اننا في هذا الوقت بالذات نحتاج إلى التدخل السريع لإجراء بعض التعديلات النظامية والإدارية التي تكفل تلافي استمرار المشكلة خاصة وأنها ذات طبيعة تراكمية تتعقد مع مرور الزمن.
ومن أهم الإجراءات التي يمكن اتخاذها:
1 دراسة سوق العمل السعودي لتحديد فرص العمل المناسبة للمرأة والعمل على حمايتها من العمالة الوافدة بقدر الإمكان.
2 التوسع في التدريب للتخصصات المهنيةوالفنية الخاصة بالمرأة مثل التخصصات الصحية والطبية والتفصيل وكافة الأعمال الإدارية المناسبة من أجل تأهيل الفتاة السعودية التأهيل المناسب لشغل فرص العمل المتاحة.
3 نظراً لكون مجال التعليم والتربية من أهم وارحب المجالات لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الخريجات، لذا فإن تعديل نظام تعيين المرأة وعمرها التقاعدي سيكون من أهم الإجراءات الفاعلة والمؤثرة في مواجهة المشكلة, إذ يمكن على سبيل المثال:
*تخفيض السن التقاعدي للمعلمة ليصبح 15 سنة للتقاعد المبكر الذي بموجبه تحصل المعلمة على نصف مرتبها و 30 سنة للتقاعد الإلزامي الذي تحصل بعده المعلمة على مرتب تقاعدي يماثل اخر مرتب كانت تستلمه عندما كانت على رأس العمل.
*تعديل نظام تعيين المعلمة بشكل يتيح للجهات المعنيةوللمعلمة حرية الاختيار بين الانظمة البديلة التي يمكن أن تكون على النحو التالي: نظام الدوام الكامل الذي بموجبه تكلف المعلمة بتدريس 24 ساعة تعليمية في الاسبوع وتكلف بالدوام الرسمي الذي تحدده الجهات المعنية طيلة أيام الاسبوع, نظام الدوام الجزئي الذي بموجبه تكلف المعلمة بتدريس نصف عدد الساعات المخصصة للمعلمة المعينة على نظام الدوام الكامل وتلزم بالدوام الرسمي لمدة ثلاثة ايام فقط من ايام الدوام الاسبوعي, ونظام الدوام الجزئي الذي بموجبه تكلف المعلمة بتدريس ثلث عدد الساعات المخصصة للمعلمة المعينة علىنظام الدوام الكامل وتلزم بالدوام الكامل لمدة يومين فقط من ايام الاسبوع, ويلاحظ هنا أن حرية الاختيار متاحة للمعلمة لاختيار النظام الذي يتناسب مع ظروفها الاجتماعية والاقتصادية كماهي متاحة ايضا للجهات المعنية عن توظيف الخريجات لطرح اي من الانظمة الثلاثة وفقاً لما تقتضيه المصلحة ويتناسب مع الإمكانات المتاحة.
وفي اعتقادي ان هذا الاقتراح له العديد من المزايا التي يمكن اجمال اهمها في الأتي:
1 إتاحة الفرصة لدى الجهات المعنية لاستيعاب اكبر عدد ممكن من الخريجات بدلاً من استئثار عدد قليل بالفرص التعليمية المتاحة التي تتسم بالندرة في ظل النظام الحالي.
2 ضمان تحقيق الاستفادة الكاملة من الكفاءات الوطنية التي انفقت الدولة الكثير في سبيل تأهيلها بدلاً من بقاء الكثير من الخريجات في منازلهن.
3 ان واقع سوق العمل السعودي يشير إلى ان الكثير من الشباب السعودي سيظل ولفترات طويلة خارج اسوار سوق العمل مما يعني حاجته الماسة في الوقت الحاضر إلى زوجات عاملات يشاركن بفاعلية في تحمل أعباء الحياة, وإذا صح لنا الافتراض بكون معظم المعلمات العاملات في الوقت الحاضر زوجات لأزواج يتمتعون بالاستقرار الوظيفي ولديهم المقدرة على تحمل مسؤولياتهم تجاه اسرهم، وان النصيب الاكبر من دخل المعلمة في الغالب يتجه الى الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها, فإن من المقبول بل من الواجب التضحية بالكماليات من أجل حصول أسرة سعودية أخرى على الضروريات.
4 ان الاقتراح يمكن المعلمة من المواءمة بين متطلبات العمل وواجباتها الاجتماعية والاسرية دون إفراط أو تفريط, كما أن نظام التقاعد المبكر سيتيح لها البقاء بجانب أبنائها ورعايتهم في وقت هم في اشد الحاجة إلى المتابعة والرعاية خاصة وهم يقتربون من سن المراهقة الخطير سلوكياً ومسلكياً.
5 انه يمكن تنفيذ هذا الاقتراح دون أي التزامات مالية إضافية حيث تعطى المعلمة من مرتبها مايوازي عدد الساعات التي تؤديها وفقاً للنظام الذي تعينت عليه وبالتالي فإن مرتب الوظيفة الواحدة تحت نظام الدوام الكامل يساوي مرتب وظيفتين تحت نظام نصف عدد الساعات وثلاث وظائف تحت نظام ثلث عدد الساعات.
وعلى الرغم من أن تعدد المزايا التي تنصب في مصلحة هذا الاقتراح، إلا أن هنالك بعض المعوقات الشكلية التي قد تدفع بالبعض الى التشكيك في صلاحيته للتطبيق, ومن أهم هذه المعوقات الآتي:
1 عدم توافق الاقتراح مع النظام الإداري المعمول به حالياً مما قد يعطي لوزارة الخدمة المدنية الحق في الاعتراض على تطبيقه ولكن يجب ان نعي بأن النظام قابل للتعديل والتغيير متى ما اقتضت المصلحة العامة ذلك.
2 ان هذا الاقتراح قد يفسر من قبل البعض بانه يمس فئة محددة من المجتمع ويتناقض مع الحقوق الإدارية المعطاة للمرأة ولهؤلاء نقول باننا مجتمع لنا خصوصية مقيدة بتعاليم الشريعة الإسلامية تجعل من فرص العمل المتاحة للمرأة محدودة مقارنة بالرجل وبالتالي فإن تزاحم الأعداد المتزايدة من الخريجات على فرص عمل محدودة قد يعطل هذه الفئة الهامة عن اداء دورها التنموي والتربوي المنشود, إضافة إلى ذلك فإن هذا الاقتراح لايعني أن عدد ساعات العمل المخصصة للمرأة اقل من تلك المخصصة للرجل ولكنه يعني إتاحة الفرصة للمرأة ذات المهام الاجتماعية والأسرية المتعددة للاختيار بين اساليب التوظيف المتاحة وبالشكل الذي يضمن أداءها لأدوارها المتعددة بكفاءة وفاعلية عالية.
وأخيراً قد لا يلقى هذا الاقتراح الترحيب من البعض ولكن المطلوب في النهاية عمل مايلزم عمله لتصحيح الواقع وتهيئة المستقبل لهذا العنصر الوطني الهام دون تسويف او مماطلة مقصودة أو غير مقصودة.
استاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الامنية