لست ألوم شباب اليوم على تجنب القراءة بعد أن أمضوا عدة سنوات يحملون الاثقال من الكتب الممجوجة الى نفوسهم الا قليلا بسبب عدم استساغة مادة التدريس او عدم جعلها مشوقة الأمر الذي جعلهم يحفظونها عن ظهر قلب لتجاوز الاختبارات وصولا الى النجاح فلما حصلوا على الشهادة التي تؤهلهم للتوقف كان اول شيء فعلوه هو التأكد من ان منازلهم لا تحوي اي كتاب، لقد كانوا يرمون الكتب الدراسية في نهاية كل عام امام المدارس لأن الحكومة لم تكن تطالب باعادة تلك الكتب التي توزع مجانا حينما كانت الاحوال المادية او الاقتصادية تسمح بمثل هذا التبذير, وكانت المطابع الخاصة على استعداد لتقبل الأوامر بإعادة طباعة اي كمية تحتاجها المدارس قبل أن تبدأ في التردد للحصول على ضمانات الدفع المؤجل والخريج بعد ذلك اصبح يمقت من يذكره بتلك المرحلة العصيبة، مرحلة السهر الطويل حتى يحفظ اكداس المعلومات الجافة وهكذا اصبح الكتاب أي كتاب ضحية الدروس الثقيلة على النفس، ولهذا السبب ايضا حصلت البلاد على مئات الخريجين من غير المتعلمين ولست بهذا احتاج الى امثلة استشهد بها فالقراءة الحرة جعلت النِصاب يميل الى الأمية ما عدا القلة التي شغفها الكتاب وجعلها لا تطيق فراقه.
وجاءت مرحلة الهوايات الاخرى التي تستغرق الوقت وتقتله من الوريد الى الوريد,, لعبة الورق بمختلف صنوفها، وللمعلومية فهناك العديد من طرق لعبة الورق احدهم أصدر كتابا بأنواعها وقواعدها ثم جاءت مرحلة الطفرة فاذا بالجموع حتى الفئات الفقيرة تتدافع في المطارات وتضع اقدامها في البلاد الاوروبية بعد ان شبعت من التجوال في الاسواق العربية حيث تعرض البسطاء منهم في أسواق الغرب الى عمليات احتيال ونصب مختلفة, كما ساهمت الجاليات العربية الضائعة في الاغتراب ببعض تلك الاحتيالات, وضاعت الملايين في أسواق البيكادلي والشانزلزيه ناهيك عن أزقة المتعة الضيّقة، بعد ذلك انطلقت المنافسات الرياضية على اشدها واصبح لرؤساء الاندية جيش من المعجبين بهذا الفريق او ذاك وحتى الشوارع صبغت جدرانها شعارات الاعجاب بهذا اللاعب أو ذاك الفريق وتدافعت الاغنيات العاطفية الى افواه المطربين حتى تمايلت الرؤوس بحفظها وترديدها محليا وفي الكازينوهات والمسارح في الاقطار العربية ولأول مرة نسمع عن انتحار المعجبين من الجنسين بعد موت هذا المطرب او ذاك الذي صدرت له البومات تضم اغنياته المسجلة على شرائط تباع على قارعة الطريق بأسعار اكثر من قيمة الكتاب وتباع بالآلاف.