هل نقول: وداعاً للمكتبات المدرسية,,؟! حمّاد بن حامد السالمي |
* لعلي فهمت مثل هذا مؤخراً, وأرجو أن يكون في البديل ما يحقق فائدة ملموسة، تكون عوضاً عن السنين الخوالي التي أضعناها، والأموال الطائلة التي أنفقناها، والآمال العريضة التي علقناها، فلم تتحقق من وراء المكتبات المدرسية، فقد كانت المكتبات المدرسية وما زالت؛ مشروعاً فاشلاً بكل ما تحمله هذه الكملة من مرارة، والأمر من هذه المرارة؛ أن نظل سادرين في تجربة فاشلة سنوات طويلة، لا نحرك ساكناً, لماذا؟!
* لن أكون متفائلاً بتجربة جديدة تقوم على تنفيذها وزارة المعارف؛ وتأتي بديلاً عن المكتبات المدرسية، حتى أرى نجاحها رأي العين، لأن المكتبات المدرسية ذاتها كانت ذات يوم تجربة ، ثم سكتنا على فشلها عشرات السنين، فنحن مجتمع مغرم بالتجريب والتغيير والتبديل، ولكن لا نملك الشجاعة للاعتراف بالفشل، فالفشل من المسكوت عنه في قاموس حياتنا، هذا إذا لم يتطوع بعضنا لتمجيد تجربة فاشلة، ورفعها إلى مصاف النجاحات الباهرة، ولا بأس أن ندخل في تجربة أخرى دون أن نحاسب أنفسنا على فشل ارتكبناه، والأمثلة على هذا القول في قطاع التربية والتعليم كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر، مشروع التغذية المدرسية الذي كان ، ومشروع المدارس الجاهزة الذي أمسى فلم يصبح، وبرنامج الثانويات المطورة، فقد (طبلنا) له كثيراً ثم سرعان ما شطبناه بجرة قلم، دون تفسير أو حتى كشف حساب أمام الرأي العام على الأقل,,!
* ما المشروع الذي نجح معنا (تطبيقياً)، فثبتنا عليه من تلك المشاريع الكثيرة التي تصممنظرياً ثم تأخذ طريقها للتجريب؟ لماذا لا نجرب مشروعاً جديداً للبحث في أسباب فشل تجاربنا السابقة ,,,, ؟! ,, هذا مشروع (جديد) مقترح,,!
* ومن الجديد,, هناك اليوم مشروع جديد لعله تجريبي يجري تطبيقه على خمسة آلاف مدرسة في قطاع تعليم البنين اسمه: (مراكز مصادر التعليم)، وهو كما فهمت من الكلام القليل الذي دار حوله؛ يعتمد على التقنية الحديثة، وبرامج الكمبيوتر والإنترنت وغيرها، وأن المركز الواحد، يتكلف مئة وخمسين ألف ريال,وجاء في تصريح نشر بالصحف للدكتور خالد العواد وكيل وزارة المعارف للتطوير التربوي، أن هذه المراكز، سوف تحل محل المكتبات المدرسية, وهذا شيء جيد إذا كان هناك ضمانات مؤكدة للنجاح، وتصور واضح لكيفية تحقيق نتائج ملموسة من وراء هذا المشروع، تشمل كافة العناصر في المدارس، مديرين ومعلمين وتلاميذ وطلابا وغيرهم حتى من سكان الحي, أما كيف فشلت المكتبات المدرسية؟ فهذا ما كنت أتمنى أن توضحه وزارة المعارف للرأي العام، وأن تقول بصراحة،,, لماذا سعت إلى البديل بعد أكثر من سبعين عاماً من ظهور المكتبة المدرسية، ولماذا نهمل الكتاب غير المقرر داخل المدرسة؛ في الوقت الذي فيه نشكو من سيادة ثقافة مسطحة تجتاح المجتمع، وتهدد شريحة التلاميذ والطلاب على وجه الخصوص، وأن البعد عن الكتاب الذي يشكل مصدراً للثقافة الجادة الرصينة، هو في حد ذاته قضية تنذر بأمية عصرية في المجتمع ,,, ؟
* الواقع أن وجود المكتبة في المدرسة؛ ظل وما زال؛ من مكملات الديكور المدرسي، ومن لزوميات الرسميات التي تفرضها التعاميم لا غير، هذا إن وجد مدير مدرسة يؤمن بضرورة تخصيص غرفة لهذه المكتبة، وإن وجد هذا النوع من المديرين، فإنه في الغالب لا يستطيع توفير غرفة أو حتى خوة في مدرسة مستأجرة، تصلح لتنظيم المكتبة المدرسية، ولو حصل وظهرت مكتبة مرتبة منسقة في أرفف ومقاعد جلوس وسجلات ونحوه؛ فمن يدخلها؟ من يقرأ؟ هذه هي المعضلة في مدارسنا اليوم، إنها علتنا في القرن الفارط والقرن الذي حل، فلا يوجد هناك دافع أو رغبة لدى مدير مدرسة أو معلم أو طالب لدخول المكتبة والنظر فقط النظر في عناوين الكتب,, ربما كان السبب يعود إلى البيت والمجتمع، فالبيت لا يأنس للكتاب، والمجتمع لم يتعود على القراءة، ولا غرابة إذا رأى (بعض) المجتمعات في القراءة الحرة عادة ثقيلة قديمة مملة,,! الأسهل منها جلسات (البلوت) والشيشة وحش الخلق,,! وإن وجد في عدد قليل من هؤلاء المعلمين والعناصر المدرسية من يحب القراءة ويرغب في الكتاب؛ فليس أمامهم من الوقت ما يكفي لمطالعة الكتب التي تزخر بها المكتبة المدرسية، لأن جداول المعلمين مزدحمة، والتكليفات عليهم من الأقسام المختلفة تترى، فما فائدة مكتبات مدرسية فيها مئات الآلاف من الكتب، ومخصص لها معلمون وموظفون وموجهون وأثاث بعشرات الملايين من الريالات، ثم لا يستفاد منها ,,,, ؟
* أنا أعذر وزارة المعارف في البحث عن البديل، لكني لا أعذرها في التعتيم على أسباب هذا التحول الذي جاء بعد تجربة مرة! (سينبري البعض ليقول بأنها تجربة لم تكن مرة,, وقد يبالغ فيقول بأنها حلوة )!
* حسناً,, ما علينا,, لماذا أقول مرة ,,,؟!
* أقول ذلك بلسان الواقع الذي لو عرف الكلام لما سكت, ومن واقع تجربة شخصية هي الأخرى مرة,,! لقد أتيت ذات عام متخرجاً في إحدى الكليات إلى مدرسة عريقة عمرها أربعون عاماً، وبدافع علاقتي بالكتاب ربما وبما تلقيته من علم متواضع في فهرسة المكتبات وتصنيفها ونحوه؛ بحثت عن المكتبة المدرسية فلم أجدها, كل ما وجدته في هذه المدرسة، أمين مكتبة، هو أمين بدون أمانة,,! لأن عين الشيء المؤتمن عليه غير موجود في الظاهر، فهو أشبه بموظف لا يمارس عملاً,,! وكل مالديه، ملف يحفظ التعاميم الواردة من إدارة التعليم,,! منتهى الأمانة والإخلاص,,* لكن أين الكتب وأين المكتبة؟! ولم يدر بخلدي، أن أسئلتي هذه وبحثي هذا؛ سوف يثير عليّ حفيظة المدير وأمين المكتبة، ومن باب التحدي كما بدا لي وأيضاً: (خذ الكذاب لباب الدار)، أخذني المدير إلى مراحيض مقفلة لا تستخدم، فإذا الكتب في كراتينها وشوالاتها التي أتت فيها من إدارة التعليم، لم تفتح من سنوات طويلة، وطلبت تخصيص ركن في جانب علوي من المدرسة لإنشاء مكتبة، فوافق المدير، وتنازل الزميل (الأمين)، وسط شماتة ظاهرة على وجوه المعلمين,,! لكني فتحت المكتبة، وأنشأت السجلات والبطاقات، وأنجزت الفهرسة ونظمت مذكرات الإخراج، ثم حصدت صدمة كبيرة، لا أحد يهتم بهذا المرفق البتة في المدرسة، مكثت أكثر من ست سنين لم يدخل عليّ لا مدير المدرسة ولا وكيله ولا أحد من المعلمين، حتى أنا فقدت بعض الدافع للعمل في مكتبة مهجورة إلا من الأموات الذين يرمقونني بأعين شامتة من فوق الرفوف الحديدية، فالمكتبة المدرسية لا تعني عند كثير من منسوبي المدارس ومن يشرف عليها؛ أكثر من عهدة مقدسة، ومن الواجب، أن تصان هذه العهدة، فلا يعار منها كتاب، ولا تتناوله الأيدي حتى لا يوسخ أو يمزق، وأن توضع الكتب في كراتين إلى حين وقت التسليم بين مدير وآخر، وهذا كل شيء,,!
* بعد هذه التجربة، مررت بما هو أمر منها، فقد انتقلت إلى مدرسة أخرى عمرها أكثر من ثمانين عاماً، والمبنى حكومي جميل ورائع، والغرف متوفرة، ولكن الكتب في سراديب مظلمة، وفي مراحيض مليئة بالقمائم والأتربة، وبذلت أقصى ما أستطيع لإنشاء مكتبة، وتوصلت بعد جهد جهيد ، وبعد توفير كثير من المستلزمات من طرفي بشكل خاص، إلى بعث وعرض أكثر من تسعة آلاف كتاب من أثمن الكتب وأغلاها، وهي ما تبقى بعد فقدان وضياع أكثر من ألف ومئة كتاب، أما النتيجة فلم تتغير، لا أحد يعرف طريق المدرسة، حتى البعض ممن يتثاقفون ويتعالمون ويدعون الفهم والمعرفة، لا يدخلون مكتبة مدرسية بين ظهرانيهم, وفي دراسة شبه ميدانية قمت بها قبل سنوات عديدة في كثير من مدارس إحدى المناطق التعليمية، ثبت لي أن عشرة بالمئة فقط من المدارس تخصص مكاناً للمكتبة، وأن اثنتين من هذه العشر تفتح المكتبة المدرسية وقت الفسحة، وأن لا أحد يدخل هذه المكتبات لا من المعلمين ولا من الطلاب,,!
* إذن,, لمن هذه الكتب الكثيرة والثمينة في المدارس؟
* وزارة المعارف وهي تستعد لتطبيق برنامج مصادر التعلم؛ لم تقل لنا ما مصير المكتبات المدرسية بعد تطبيق برنامج مصادر التعلم هذه ؟ وما مآل مئات الآلاف من الكتب التي تختزنها؟ وهي كما نعلم؛ ثروة معرفية ومالية ضخمة لا يستهان بها؟
* ووزارة المعارف، تتوجه بمشروعها الجديد إلى خمسة آلاف مدرسة من بين قرابة ثلاثة عشر ألف مدرسة للبنين,, فلماذا خمسة آلاف فقط؟ ولماذا تنحى من هذا المشروع بقية المدارس ,,, ؟
* هناك أسئلة كثيرة، وغموض أكثر يكتنف هذا التوجه، فهذه المراكز كما يبدو سوف تعتمد على وسائل تقنية حديثة في التعليم الذاتي، وتحتاج إلى أمكنة خاصة، وتجهيزات عالية المستوى، وهذا غير متوفر بالمدارس، وخاصة تلك المستأجرة، وهي الأكثر، إضافة إلى التشغيل الذي لم يدرب عليه العدد الكافي من المعلمين، وأخشى أن نخوض تجربة جديدة فاشلة، تكلفنا مئات الملايين من الريالات، ثم نقوم بوأدها دون سابق إنذار، ودون توضيح للأسباب أو محاسبة للمتسبب، كما أخشى أن تحمل اللوائح المنظمة لهذه التجربة، والتعاميم والتوجيهات الخاصة بها، فجوات يتم استغلالها في المناطق، لغرض ابتزاز المعلمين في رواتبهم، وفي معايش أسرهم، كما حدث من قبل في تعاميم لأكثر من مشروع، وعسى أن يكون في مداخيل المقاصف المدرسية، التي تستقطع من المدارس لصالح إدارات التعليم؛ ما يحول دون الطلب من المعلمين، تمويل مشروع المراكز الجديدة، أو أي مشروع جديد يتطلب الصرف عليه.
|
|
|