Wednesday 22nd December, 1999 G No. 9946جريدة الجزيرة الاربعاء 14 ,رمضان 1420 العدد 9946


الخصائص الاقتصادية لشهر رمضان

* اعداد : د, زيد بن محمد الرماني *
في كتاب المغني لابن قدامة رحمه الله عرف الصوم بانه الامساك، يقال صام النهار اذا وقف سير الشمس، قال تعالى اخبارا عن مريم عليها السلام اني نذرت للرحمن صوما اي صمتا لانه امساك عن الكلام قال احد الشعراء:
خيل صيام وخيل غير صائمة
تحت العجاج واخرى تعلك اللجما
ومن ثم فالصوم الشرعي اي في عرف الشرع واصطلاحه هو عبارة عن امساك بنية عن اشياء مخصوصة في زمن مخصوص من شخص مخصوص كما قال بذلك علماؤنا.
والصوم له فضل عظيم فهو سر وعمل باطن لا يراه الخلق ولا يدخله الرياء وهو قهر لعدو الله ابليس اللعين لان وسيلة العدو الشهوات وانما تقوى الشهوات بالاكل والشرب وما دامت ارض الشهوات مخصبة فالشياطين يترددون الى ذلك المرعى وبترك الشهوات تضيق عليهم المسالك.
والصوم يربي في المسلمين ملكة الصبر والقدرة على قهر النفوس وتعويدها تحمل الشدائد ومتاعب الحياة ومصاعبها.
ان اختصار وجبات الطعام اليومية من ثلاث وجبات الى وجبتين اثنتين فرصة طيبة لخفض مستوى الاستهلاك وهي فرصة مواتية لاقتصاداتنا خصوصا ونحن امة مستهلكة اشارت كل الاحصاءات الى ان اقطارنا كافة تستهلك اكثر من انتاجها وتستورد اكثر من تصديرها وماهذا الاستهلاك الزائد دائما والاستيراد الزائد غالبا الا عاملان اقتصاديان خطيران تشقى بويلاتهما الموازنات العامة وموازين المدفوعات.
ومن الواضح ان هناك علاقة طردية اصبحت بين شهر رمضان المبارك والاستهلاك المبالغ فيه والمرء يدهش من هذا النهم الذي يستشري لدى الناس في هذا الشهر الكريم فالكل يركض نحو دائرة الاستهلاك والاستعداد للاستهلاك في رمضان يبدأ مبكرا مصحوبا بآلة جهنمية من الدعاية والاعلانات التي تحاصر الاسرة في كل وقت ومن خلال اكثر من وسيلة.
وبالتالي يكون المرء مهيأ تماما للوقوع في دائرة الاستهلاك الجهنمية بدورها والتي ليس لها حدود دنيا او قصوى وانما هي حالة تستوطن الانسان في شهر رمضان ولا تتركه الا بعد ان تتجرد جيوبه وحساباته خاصة اصحاب الدخل الثابت والمحدود من كل الاوراق النقدية بما فيها العملات غير الورقية.
ان خطة شاملة لمكافحة الشراهة الاستهلاكية اصبحت مطلوبة في رمضان وغير رمضان.
ان الانفاق البذخي في رمضان امر لا يمكن ان يتسق مع وضعية مجتمعاتنا الاسلامية التي في اغلبها مجتمعات نامية تتطلب المحافظة على كل جهد وكل امكانية الهدر او ما نضعه في رمضان هو بكل تأكيد هدر لامكانات مادية وهدر لقيم سامية وهدر لسلوك منزلة القناعة.
ان هذه الحالة من شراهة الاستهلاك المتنامية فينا تدل على مدى التخلف السلوكي الذي تعيشه مجتمعاتنا الاسلامية وتعكس واقع المسافة بين المبدأ والفعل والتي تتسع يوما بعد يوم.
ان التأمل من بعد لصناديق واكياس القمامة يؤكد اننا في حاجة الى ضرورة اعادة النظر في قيمنا الاستهلاكية باتجاه تعديلها لتصبح قيما انتاجية او قيما استهلاكية رشيدة.
والاستهلاك او تزايد الاستهلاك معناه المزيد من الاعتماد على الخارج ذلك لاننا لم نصل بعد الى مرحلة الاكتفاء الذاتي او مستوى معقول لتوفير احتياجاتنا الاستهلاكية اعتمادا على مواردنا وجهودنا الذاتية وهذا له بعد اخطر يتمثل في وجود حالة تبعية غذائية للاخر الذي يمتلك هذه الموارد ويستطيع ان يتحكم في نوعيتها وجودتها ووقت ارسالها الينا,ومن ثم كان للاستهلاك ابعاد خطيرة كثيرة تهدد حياتنا الاقتصادية وتهدد ايضا امننا الوطني فهل يكون شهر رمضان فرصة ومجالا لامتلاك ارادة التصدي لحالة الاستهلاك الشرهة التي تنتابنا في هذا الشهر الكريم.
لقد درجت امانينا على اغتنام فرصة الصيام لتقويم الروح بفوائد روحية وتقويم الجسم بفوائد جسمية فهل نتعود على اغتنام الفرصة لتقويم اقتصاد الامة وهو جسمها وروحها من داء عضال هو داء الاستهلاك الدائم من غير انتاج كاف.
ان بعض معاني الصوم انه امساك عن شهوة البطن وبالمعنى الاقتصادي هو تخفيض الاستهلاك او على الاقل ضبط الاستهلاك.
ان صفة استهلاك المسلم هي الكفاية لا التبذير وان منفعته واشباعه يتحقق ليس فقط بالاشباع المادي بل من خلال الاشباع الروحي باداء الواجب نحو المسلمين من مال الله الذي رزقه اياه وان منفعته تتحقق حتى من قيامه بواجبه نحو اهله وزوجه وولده ولذا يسعى المسلم الى مرضاة الله تعالى فيشكر الله على نعمه ويحمده كلما وفقه الى استهلاك شيء من رزق ربه والمسلم ينفق ماله ليحقق منفعة بسد حاجته وبلوغ متعته والكفاية عن الحرام وتحقيق مرضاة الله ونيل ثوابه عز وجل.
ان شهر الصيام فرصة دورية للتعرف على قائمة النفقات الواجبة بالمفهوم الاقتصادي وعلى قائمة الاستبعاد النفقي ثم فرصة لترتيب سلم الاولويات ثم فرصة كذلك للتعرف على مستوى الفائض الممكن.
ان شهر الصوم فرصة لتحقيق ترشيد افضل ولتوسيع وعاء الفائض الممكن ولكن شريطة ان يرتبط بالقاعدة القرآنية الارشادية المعروفة كلوا واشربوا ولا تسرفوا هذه القاعدة ولاشك هي ميدان الترشيد على المستوى الفردي والمستوى العام.
ان في شهر رمضان فرصة للقادرين لاستجلاء مشاعر المحتاجين بما يحدثه الصوم من اثر حقيقي في نفوس القادرين ازاء المحتاجين.
ومما سبق يمكن القول بان الخصائص الاقتصادية المرتبطة بشهر رمضان هي خصائص كامنة في جوهر الصيام باعتباره مرتبطا بقوى اقتصادية مثل الاستهلاك والانفاق والاشباع ومقدار المنفعة ودرجة الحاجة.
وتحريك هذه الخصائص وتنشسيط فاعليتها هو مهمة البشر على مستوى الافراد لضبط استهلاكهم وتقويم سلوكهم الاقتصادي وعلى مستوى المؤسسات بتوفير النظم الكفيلة بحسن توجيه الاموال وحسن توظيف قوتها الاقتصادية.
والسؤال الدائم عما اذا كانت فوائد الصيام موقوفة على شهره الكريم ام مباحة للانتفاع بها باستمرار.
وجملة القول فان اغلب اقطارنا بحاجة الى الاستمرار في تحريك هذه الخصائص وتنشسيط فاعليتها في صيامها وفي افطارها سواء.
ان تكرار استقبالنا للشهر الكريم بمثابة تذكرة متكررة بهذه الخصائص واذا نجحنا في تحقيق هذه الخصائص علمنا كيف يكون الطريق الى الله محفوفا بالسعادة الاقتصادية.
* عضو هيئة التدريس بجامعة الامام - عضو الجمعية الدولية للاقتصاد الاسلامي - عضو جمعية الاقتصاد السعودية .
رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

ميزانية الدولة

منوعـات

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير







[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved