Wednesday 22nd December, 1999 G No. 9946جريدة الجزيرة الاربعاء 14 ,رمضان 1420 العدد 9946


الشاعر عبدالله اللحيدان
أفكر بالصورة واللغة ,, والشاعر مهمته شحن الروح بالمعنى
تجربتي تربط بين الهم الذاتي والهم الإنساني

* حوار : فهد الخالد
الشاعر عبدالله بن سعد اللحيدان صوت إنساني جرّب ألوانا شعرية عديدة، وطرق بموهبته جوانب ابداعية غاية في الدقة والتميز,, فكان له الوجود الفاعل في منابر الكتابة الشعرية والأدبية.
ولكي تتضافر هذه الجهود أصدر الشاعر اللحيدان عددا من الدواوين الشعرية التي ترصد جل أعماله اضافة إلى كتاب توثيقي لما سبق أن طرحه الشاعر، وصرح به في بعض المطبوعات والمجلات والدوريات السعودية والعربية.
حول هذه التجربة وجوانب ثقافية، وأدبية أخرى التقينا الشاعر عبدالله اللحيدان في هذا الحوار الذي جاء على هذا النحو:
* في ظل الشكوى من عدم وجود قارئ، أو انصرافه عن القراءة إلى وسائل ثقافية أخرى، لمن تكتب؟
صحيح أن القارىء أصبح منصرفاً الآن إلى الفضائيات والكمبيوتر والانترنت والرياضة وآخر ما يستجد من أغانٍ، وإلى همومه المادية، وهذا لا يعني غيابه تماماً عن متابعة ما يلفت النظر بجدته وحداثته ومجادلته للواقع,, وهموم الانسان، لهذا الانسان أكتب.
للإنسان الذي يصاحب دقات القلب، متوهجاً باستمرار، في حزنه وفرحه، عفويته ورقته، أسره وانطلاقه، وفي كل ادواره وأطواره.
له أكتب، وعنه أبحث وأفتش، وبه وله يتسامى الكلام ويتجرد من عاديته ليصبح شعراً,, ومن ثقله ليصبح خفيفاً,, ومن زجاجه الأسود ليصبح شفافاً، وفي بحثي عنه وله أحاول كتابة شعر يطمح إلى أن يكون تعبيراً صادقاً وجميلاً عن عواطف وأفكار واضحة ومعروفة أو غامضة وغريبة.
لذلك لا أستطيع الخروج عن واقعه وحياته وطبيعته ورؤاه وأحلامه، في أصواته وأصوات صمته، وأنصت إلى صمته، أقرأه واكتبه، أكثر مما أنصت إلى وأقرأ صخبه وضجيجه، وهو ما يخلب نفسي ويغذي مخيلتي ويتقاطع في مرآتي مع صراعاتي وإشراقاتي وشجوني وقلقي وصمتي وضجيجي، وهو مغامرتي التي تنتقل من الخيال إلى المخيلة على شكل حلم أو عذوبة تتسلل إلى القصيدة، حيث تتكاشف الأسرار وتشف الكلمات في رغبة واعية ولا واعية في الاتحاد بالجوهر، حيث نهر الكلام يجرف ويطهر ويتعرى باذخا في مرايا الروح، حيث تمتزج الفلسفة بالموسيقى بالألم والتأمل والبحث عن ضوء سيبزغ وصوت سيعلو وحرية ستنعتق، حيث ينهزم الظلام أمام النور وتفتح نوافذ كثيرة للامل والحب، من حيث هما سبب آخر للحياة، الامل والحب أنوار إلى ذات الآخر، بغيرهما يضمر الانسان وتتآكل قواه الروحية، بالشعر أجادل، بالشعر الذي هو السؤال الانساني، فيما هو العذاب المصفى، والراحة والهدوء,, ريثما يلتقط انفاسه وهو يسافر من سؤال إلى سؤال.
أكتب للانسان، في واقعه، همومه وأحاسيسه، محاولا احتضان قضاياه، ولكن بطريقة جديدة ومبتكرة وفريدة,, ما أمكن، حيث يصبح الهم الواحد هموما والهموم المشتركة هما واحدا، ولا أفكر كثيرا بقضاياي الذاتية وإنما في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية أيضا، والتي نعيشها، وتحملنا هموم واقعنا ومعاناة آمالنا وطموحاتنا الأدبية.
أحاول أن أكون شاعراً إنساناً، شاعر الحياة بكل ما فيها، وأن اجعل الانسان يحب الحياة، وأعمل على تعميق وتمجيد لحظاته وهمومه الأكثر خصوصية.
* إذاً ، المضمون هو ما يحدوك إلى الكتابة، وعليه,, كيف تقيم توازنا بين الشكل والمضمون، بين المعنى الذي تريد إيصاله، والشكل الذي تجرب فيه؟
لا أفكر بايصال معنى ما، ولا يوجد لدي مضمون جاهز اختار له شكلا مناسبا، ولا العكس، لا أفكر في المعنى او المضمون قبل الشكل ولا في الشكل قبلهما، أقوم بتفريق الكلمات واعادة تزويجها، وما يهمني هو ان اكون صادقا بسيطا وواضحا، محاولا الابتعاد عن السطحية والغموض أيضا، ولا أحب الاختفاء الكاذب خلف الألوان الداكنة والاقنعة والرموز، أحاول أن يكون ما أكتبه مليئا متوتراً وباعثا للفرح والتفاؤل، إنسانيا وأصيلا وأمينا، وأطمح إلى النص الرائع بجماليته وانسانيته.
أكتب وأنا في حالة من اللوعة والعذوبة والأسى، إلا أنني في كل محاولة ارى أني أسفح روحي وأبوح أكثر,, وأشعر بأن مياها موسيقية موجعة ولذيذة وحزينة وناعمة ومرهفة تتدفق.
ما يهمني هو جوهر الشعر، لا أحفل بالزخارف الشكلية ولا بالمضامين الكبيرة، وليس بالضرورة ان يكون ما أكتبه خارقا أو غريبا.
اشعر أني أفكر بالصور وباللغة، محاولا نقل تجربتي بصدق، وفي لغة بسيطة موحية وعفوية، وأحتفي بلغة قد تكون مدهشة ومفارقة أحيانا، وآسرة وهي تتحرر من الزمان والمكان، وتغني طفولة مستمرة تتجدد مع الزمن وهي تحاول قول كل شيء ورؤية كل شيء والتمتع بكل شيء والهرب من كل شيء ومواجهة كل شيء,, في خوف من الزمن وعليه وفي مواجهة معه في آن.
أكتب على حافة العقل والروح، وما أكتبه هو أشباه القصيدة التي أطمح إلى كتابتها، محاولا وضع كتاباتي على مشارف جديدة دائما، والانعتاق من كل تجربة سابقة، وأشعر مع كل محاولة ان هناك فهما جديدا يبلور رؤية شعرية جديدة وحساسية جديدة وإطلالة جديدة على الاروقة الخطيرة للكتابة الشعرية، وبلغة وحدس يتوثبان إلى الدخول في المناطق الخرافية.
ومع كل ما ذكرت، أؤمن بأن الشعر موقف، ولا أؤيد الشعر الصافي الخالي من الفكر او الرؤيا او تصور ما للحياة,, حيث لا صدمة ولا تأثير.
الشعر افق رحب رائع متوتر كالحياة، ونافذة مفتوحة للحلم، ولكل الاحتمالات، فيض من صور وأحاسيس وأفكار، به أمارس وجودي، ومن خلاله أشعر بتحقيق شيء ما في كل مرة.
مع ذلك أرفض تماما ان افرض على تجربتي اي ثقل ثقافي او معرفي، ولم أضع في طريقها اي هدف يخرج عن تعميمها لتصبح اكثر انفتاحا وانسانية، التجربة تختار شكلها ومضمونها، وبعفوية، ودون تدخل واعٍ مني، ولا أدري أين تختفي خبراتي وثقافتي,, وذاكرتي,, أثناء كتابة الشعر، ولكن لم يسبق لها ان تاهت مني، ولم أشعر يوما بأي انفصال بيننا.
* والتراث، والسياق الذي تكتب فيه، والزمان والمكان، ماهي العلاقة التي يقيمها كل منها مع تجربتك/ نصوصك الشعرية، ومعك؟
بالنسبة للتراث، فالعلاقة الجدلية التي اقيمها معه تتمظهر في حوار متواصل بيننا، ولا أعني التراث العربي او المحلي المحدود، بل مع التراث الانساني بكل ما تعنيه كلمة الانساني من شمولية تتجاوز الزمان والمكان، اما المكان فرغم انه محسوس اكثر ومتماهٍ اكثر من الوجدان إلا انه موجود باستمرار في بحثي المتواصل عنه خارج الجغرافيا، والزمان والمكان جدلية دائمة وتضاد ومفارقات,, حركة وسكون,, ماض وحاضر ومستقبل وواقع مشاهد,, وفي كل جزئية من هذه الجزئيات وفي إطارها العام نمارس الوجود، والزمان والمكان والانسان والطقس والظروف المتقلبة,, لكل منها علاقة بأجسادنا وأرواحنا وتجاربنا، وفي كل منها أحاول البحث عن معنى للحياة الانسانية,, متأملا ادق التفاصيل ومستقصيا كل ظاهرة وما يعتمل داخلها وما تثيره فينا، وأنا مازلت اكتب (قصائد التفعيلة، وقصيدة النثر) داخل السياق الشعري ولا اعتقد ان نصوصي الشعرية حتى الآن قد تداخلت بشكل يطمس معالم نوعها الأدبي مع اي فن أو نوع أدبي آخر، وان كنت جاداً في محاولة اختراق هذا السياق والاضافة إليه وتجاوزه.
* هذا ما يجعلنا نسأل، عن التجريب/ التجديد,, لديك، إلى أي مدى تأخذهما أو يأخذان بتجربتك؟
إلى درجة لا تنطمس فيها معالم النص وسياقه ولا تنغلق معانيه ودلالاته (في الشكل والمضمون)، محاولا التجديد في اللفظ وفي الصورة وفي التعبير وفي الدلالة، وبلغة بسيطة، دون خوف أو مجاملة او اتباع لتعليمات من يحملون عصا النقد، محاولا نقل لغة الشعر من مستواها الرصين والمتعالي إلى شعرية لغة الحياة اليومية، انفض عن الكلمات البسيطة عاديتها وأعيد تركيبها في عالم من العلاقات الشعرية الجديدة، وأبتعد عن اللغة الفخمة والجهورية والمجاز والاستعارات الصادمة والتشبيهات المفتعلة والمبالغ فيها، وفي محاولاتي في التجديد والتجريب لا أنحاز إلا إلى الشعر، انحاز إلى الجمال الذي يُثير الاعجاب ويمنح النشوة، محاولا الكتابة بأبسط العبارات، حتى وإن تحدثت عن اعظم الاشياء وأكثرها تعقيداً وغموضاً، وبلغة الفكر والفن معا,, شعراً يصلح للقراءة الهامسة والتأمل,, لا للخطابة او القراءة الجهورية.
لقد توزعت الاساليب الشعرية العربية المعاصرة، ومنذ منتصف القرن العشرين، بين أصوات عالية الايقاع,, صاخبة وجهيرة وذات شعارات مرتفعة، وأصوات حميمية معتدلة، وأصوات صافية خافتة، وأصوات جوانية تستغرق في الداخل الانساني، وأصوات حادة، وأصوات حادت عن الغنائية والترنيم، وتراوحت تجاربها وانجازاتها (شكلا ومضمونا) بين النجاح والفشل، بين الالتزام الفني والخلط المستمر، بين الثبات والتجريب المتواصل واندفع كثير منها إلى مزالق فنية اما بسبب سوء الادوات او سوء استخدامها، وتراوح الاشتغال على اللغة بين الاستعمال التقليدي للاستعارة والتشبيه والكناية إلى التخلي التام عن اي انحراف ولو بسيط في تكوين الجمل وروابطها وعلاقاتها ودلالاتها العادية جداً، وبين هاتين المنطقتين اشتغل التجديد والتجريب خلال نصف قرن، عدا عن التجريب في الاشكال والمعمار وطريقة الكتابة وتوظيف الاقنعة والاساطير والرموز، والتخلي تماما عنها، وتوظيف تقنيات الفنون الأخرى.
ومع ذلك، ومع اطلاعي على كافة هذه التجارب وغيرها من الشعر العالمي، إلا ان التجربة دائما تتشكل لدي عفوياً وتجرب وتجازف وتحاول وحدها في اختيار شكلها ومضمونها، وهي تربط بين الهم الذاتي والهم الانساني.
* ضمن المشهد الشعري، محلياً وعربياً، أين تضع تجربتك الشعرية، وكيف تقرأ هذا المشهد؟
بالرغم من كثير مما يُقال عن انحسارات فضاء المشهد الشعري العربي في العقدين الاخيرين، ونهاية جيل الوراد,, ومن تلاهم، إلا ان هناك جيلاً جديداً مازال يحلق بطيور الشعر في أجواز لم يصل إليها السابقون، هذا الجيل الجديد من شعراء قصيدة النثر بالذات,, وبعض تجارب التفعيلة الحديثة جداً استطاع غربلة التجارب السابقة وامتلك حساسية عالية لمعنى الشعر وتزود ثقافيا بكل ما يدعم تجربته من علوم وفلسفة ونظريات أدبية.
ومع اختلاف هؤلاء الشعراء الجدد، إلا انهم يشتركون في ملمح اساسي، هو ايمانهم بأن قضيتهم الاساسية هي الانسان، وان قدرهم هو الشعر، وان الشعرية هي قاسمهم المشترك، بعضهم استطاع ان يُضيف اشياء مهمة للمدونة الشعرية العربية,, وبعضهم مازال يحاول، ولكنهم يصرون على كتابة تشكل همهم الثقافي والكتابي الحقيقي,, وهو الاهتمام بقضايا الانسان وآلامه ومآسيه وأحزانه وفرحه وانتصاره وكبواته، وكل منهم يحلم بالتميز والفرادة والاضافة اللافتة.
ومع انهم بعيدون عني، ولا أرى أحداً منهم، ولا اقرأ لهم كما ينبغي إلا أنني أشعر أننا نغني كما لو في جوقة واحدة,, مكونة من عشرات الآلات الموسيقية المختلفة، وبخاصة انه ليس من سند يدعم هذا الابداع الجديد نقدياً كما حصل مع الاجيال السابقة ولا مؤسسات ثقافية تتبنى انتاجهم.
ومع ذلك أحاول ان يكون لي اسلوبي المميز وعزفي المنفرد على وتري الخاص، كمشروع ابداعي يربط صلاته بالانسان وبعناصر الابداع الجميلة، حتى وأنا أعيش تراجيديا الكتابة.
والابداع الحقيقي هو ما يُحدث نقلة نوعية حقيقية في الفعل الكتابي، دون شعارات أو شطحات تجريبية، الابداع الحقيقي الذي يقع دائما في منطقة ذات حصانة، حصانة من التسميات الجاهزة والقوالب المكررة والقواعد، وهو يؤدي دوره الانساني ويحمل رسالته السامية.
رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

القرية الالكترونية

ميزانية الدولة

منوعـات

رمضانيات

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

مدارات شعبية

وطن ومواطن

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير







[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved