التوحيد مخ العبادة والتربية مخ الحضارة د, علي بن محمد التويجري |
إن التربية إذا صلحت، صلحت أمورنا كلها, من الحق أن نقولها، ومن الواجب ألا ننطلق لحل مشاكلنا إلا ونحن تحت رايتها.
فبها تنصلح كل أمورنا ودون اي اتهام بالمبالغة في البيت والمدرسة، في الشارع والمؤسسة، في الملعب والمصنع، في أمورنا الداخلية وعلى الأطراف في الحدود، سواء في السلم أم في الحروب.
التربية تصلح كل ما نشكو منه، او نعتذر عنه، او نخجل من إبدائه، او نود بناءه فلا نقدر عليه!!
تقدم لنا حكمة الماضي,, وتعالج مدى ثقتنا في الحاضر ومخاوفنا التي تؤرقنا من المستقبل .
التربية معناها غرس الثقة، واستمرار القدرة، واليقين بالنجاح والانتصار.
إنها مجد الدنيا ونضرة الآخرة!.
هنا في عقلي وعقلك، وقلبي وقلبك,, الدنيا جنين مستكن,,! , كل الموجهات الكبرى لسلوكياتنا تسكن في هذا الجنين، تعمل عمل المقود في السيارة.
وبمجرد ميلاد الجنين: حين تتحول الخاطرة الى فعل، ونجوى القلوب إلى علاقات ومعاملات فيظهر العالم ويبدأ من هنا.
وكما أن الحاضر مفتاح الماضي فإن المستقبل جنين يسكن في الحاضر، والازمنة الثلاثة هي من صنع التربية.
إنها إذن خواطر القلب وتدابير العقل,, تلك التي تصنع العالم, من هنا يظهر ما يظهر فيعلن، أو يخفى ما يخفى فيستكن، نسره إسرارا، ولكن إلى حين!
ولذا فبحسب ما أودعناه في هذه المضغة ينطلق التوجه، يغلب الرشد، أو ينطلق الهوى الجامح,,! تماما,, مثلما تفسر حركة الصاروخ عند قاعدته، وصولا لهدفه، أو انحرافا عنه، او نسفه إذا ما تفجر واحترق! كل هذا تفسيره عند قاعدة الإطلاق!
ولذا فموقع التربية من الأمة كأهمية القاعدة للصاروخ، فالأمة تنطلق من قاعدة التربية، فتصل أو تنحرف، أو تستقيم على الطريقة، فيأتيها رزقها، وأمنها، من كل مكان!!وإذا انفجر الصاروخ كما شهدناه في نكسة تشالنجر منذ أمد بعيد وجدناهم هناك، يحرصون على جمع الحطام، ومراجعة المعادلات بدقة، والتحليل والتركيب في المختبرات، ولا يكتفون بذلك، بل إنهم يعاودون النظر في الجهاز البشري المشرف على البرامج، حيث لا يستعلي فيه أحد على المحاسبة!!
ويتابع ذلك باهتمام، الناس جميعا كل الناس وليس جهازا واحدا متخصصا, هذا حرص من لا يود الخروج من فشل إلى فشل، ومن هزيمة إلى هزائم اخرى,.
فالفشل، في النهاية، هو الفشل للناس جميعا، وهم فوضوا عنهم من يدير لهم هذه المشروعات، فإذا احترق ما احترق فلابد من مراجعة شاملة للمفوضين، ولابد من حساب يعقبه تغيير، فلا قدسية لأحد في موقع، ولا وثنية تتعالى على المحاسبة!
أظن أن هذا هو الشرط اللازم لتفادي احتراق الصاروخ التالي لتشالنجر ,,!
لاحظوا هنا أنه في العمليات الحضارية الكبرى تتأكد هذه المحاسبة والمشاركة، ولذا تجد أن تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه، صنعت كوكبة من العمالقة من مختلف الجنسيات، توحدت في جنسية واحدة، تم بها صناعة بلورة القوة الاولى، وكانت هذه الكوكبة تناقشه، فتفصل ما كان من أمر الوحي عما يكون من أمر الدنيا، ولم تخلق هذه التربية طبقة من المداهنين.
هذا وبمقدار غلبة الرشد يتقوى الكابح (الفرملة) فليجم الهوى,, ذلك ان حكم الهوى إذا تركناه، تعملق في الانسان حتى يصبح إلها هل في هذا أية مبالغة؟؟,, أبداً!! التعبير القرآني نفسه يقول: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه)!,فالهوى يمكن ان يكون إلها معبوداً يحدد كل سلوكياتنا في الحياة، بكل الطموح والاطماع والنزوات التي نعرف جيداً آثارها في مجتمعاتنا!,ألم ترتو من نهر الهوى كل أنواع السلوك الانسانية الفاضح والشنيع، وفي مسيرة حياتنا الانسانية القصيرة المعروفة على كوكب الأرض، رأينا وقرأنا الكثير من القساوات البالغة, فمن الناس، في هذه الدنيا، من اغترف من نهر الهوى غرفة بيده,, ثم مضى,,! ومنّا من شرب للثمالة حتى ترنّح,,!
وتذكرون انه بالأمس، أرسل الله غرابا لأحد أجدادنا ليريه كيف يواري سوأة أخيه بعد أن قتله فلم يوار جثته في التراب؟ وشهدنا نحن عصر هيروشيما ونجازاكي ,,, ثم توالى التقدم الحضاري المشبوه,,! مشبوه لأن ظاهره الرحمة والتقدم، وباطنه العذاب وعدم التوازن,, ألم نشهد صبرا وشاتيلا وقانا ولا نزال؟ ألا نشاهد في كل يوم طرد شعوب من بلادها وأرضها، ألا نشاهد القلق وروح الأزمة في معظم بلدان العالم,أليس هذا نفس العصر الذي نفخر فيه بغزونا للمريخ وملامستنا زحل والمشتري ولا يعقل,, ولا يتصور أننا نريد أن نكون أعداء للتقدم العلمي وكشف المجاهيل,,!
ولكن أين التوازن بين جهود العلم وما يستثمر فيه من بشر ومال,, وبين استخدامات نتائجه المائلة المميلة؟ ألا يستحق الدهشة والألم، أننا نرتقي أسباب السماوات، والأرض مكفهرة بالعداوات والمظالم؟
كل هذا السلوك المخجل والمشين، فرديا كان أم جماعيا، لا يمكن ان ينشأ إلا من عبادة الهوى,.
وما تفرع من شجرة آلهة الهوى الخبيثة التي تسكن أعماق صدورنا، وتئن حاجة للتربية!
المهم,, بالأمس أرسل الله لنا غراباً واحداً، يعطينا درساً مخجلاً فكم سربا من الغربان نحتاجه في زمن الفسوق الدولي الجماعي عن التربية الراشدة؟؟
ومن لنا بنذير يهز القلوب لوحشة غياب المحبة والتكافل والحنان,, فهل من مدكر؟.
مفاهيم وقيم في التربية الإسلامية
التربية الإسلامية مجموعة متناسقة مترابطة من المفاهيم والقيم الفاعلة في نفس المؤمن وروحه حتى وإن كان على غير وعي كامل بها، او على غير قدرة على صياغتها وترتيبها وعرضها.
فالمسلم المؤمن، الذي يمارس شعائر دينه، ويعيش بفكره وسلوكه على مستوى من الخلق يكاد ان يكون فطرة له، فهو يؤمن ان الله الرحمن الرحيم يراه ويسمعه في كل لحظة، وفي كل حركاته وسكناته، ويؤمن ان الله اقرب إليه من حبل الوريد، وان مسؤوليته عن نواياه وأفعاله مسؤولية خلقية كاملة، وانه وحده يحمل طائره في عنقه.
وبهذا يصل المسلم المؤمن إلى درجة من التربية التي نسميها التربية الاسلامية، لانه يعيش وقد استقر في داخله ضميره الديني الذي يميز بيسر وبداهة بين الخير والشر، ويعرف بالحس المباشر الحلال والحرام والحق والواجب، ويدرك بايمانه بوجود الله معنى التوكل على الله في كل ما يقدم عليه والتضامن مع اخيه المسلم، والصبر على الشدائد والملمات التي تعرض له، وتلجأ روحه الى خالقه للتوبة وطلب العفو إن اخطأ، أو قصر، كما يلمس بشعوره نعمة الله عليه وفضله في صحته وماله وعياله، وينتظر الجزاء والثواب من الله وحده في دنياه وآخرته.
ويملك المسلم المؤمن مرجعين يعرفهما حق المعرفة يملآن منه السمع والبصر والفؤاد ويرتفعان في صدره وذاكرته عند كل منعطف من منعطفات حياته ويملكان كل تصرف من تصرفاته، ألا وهما القرآن الكريم والسنة المطهرة، فهو يعيش في القرآن وكأنه في مدرسة متصلة تلقنه القيم ومبادئ الاخلاق وتبصره بالموعظة وبالمثل بعواقب الافعال ومصائر الامور في دنياه، وهو ينظر بضميره الى الرسول الحبيب ليتلقى السنة والقدوة اللتين لا نموذج بعدهما يعلو عليهما صفاء ومضاء إلى الاخلاق الكريمة والافعال السديدة والاقوال الحكيمة الصائبة.
إن كل مسلم، بحكم معرفته بأركان الاسلام الخمسة، يمتلك ثروة تربوية ضخمة، ويشارك بفضل ممارسته لشعائر الاسلام في حق الارتواء المستمر من هذين النبعين الثريين بالقيم والمبادئ الخلقية السليمة التي تنشئه وتؤدبه احسن التأديب وأقومه، ولو ان المسلم، كل مسلم، ترك نفسه فلم يكدرها، وحكم ضميره الديني فلم يحجبه او يعصه، لبلغ شأوا من التربية تعجز عن بلوغه المدارس وتتقاصر عن تحقيقه همم المؤدبين, وهذه التربية هي التي كونت مدرسة الصحابة والتابعين، ونشرت الاسلام في الآفاق، وأرست دعائم الحضارة الاسلامية.
|
|
|