Thursday 16th December, 1999 G No. 9940جريدة الجزيرة الخميس 8 ,رمضان 1420 العدد 9940


ضحى الغد
قِف
عبدالكريم بن صالح الطويان

إذا أوغل الإنسان في مطالبه الحسية وسار خلف ماديات الحياة ومطالبها وحاجاتها وأشغالها التي لا تتم ولا تنقضي، فقد غفل ونسي وتلبسه ران على قلبه وغشاوة على عينيه لا يمحوهما إلا تأمل عميق، وفكر متدبر، ووقفة صادقة مع النفس المدلجة في ليل والسارية في ظلام، والضاربة في صحراء التيه!
قف,, مع نفسك قليلا واسألها أسئلة صريحة، وناقشها مناقشة مكشوفة ، وحاجّها محاجّة عقلية: هل هذا الوله العميق بالدنيا، وهذا الغرام الشديد بها، وهذا السعي الذي لا يفتر في قضاء حاجاتها، وهذا الطلب الذي لا ينقطع من أجلها، هو صواب أم خطأ؟!
ولئن كانت نيتك خالصة لله، ووقفتك صادقة مع نفسك، وعقلك ثابت راجح لتدركن من غير وسيط ولا برهان، أن هذا العشق للدنيا هو العشق القاتل وهو الداء الوبيل! فلكم قتلت قبلك من عشاق ولكم طلقت من أزواج! ولكم أفنت من أجيال هامت بها تظنها لها فإذا هي لغيرها، تحسبها المورد فاذا هي الصحراء، وتراها العمار فإذا هي الفناء، وتظنها الخلود فإذا هي الموت!
ولئن كان المشغول في الدنيا فوق طاقته، لا يتلذذ بمنام ولا طعام ولا مجلس لكثرة قلقه وفكره في ربحه وخسارته، فإنني رأيته أيضا لا يتلذذ بعبادته، ولا يخشع فيها ولا يطمئن قلبه بها، ولا ينتهي منها بانشراح صدر وترقي فكر وسرور قلب!
ويؤكد الأوّابون والعابدون والتائبون الفارون إلى الله، على وجوب التخلية قبل التحلية، أي التخلي عن هموم الدنيا قبل التحلي بكمالات الدين ومراقي العبادة لله! وفي قاعدتهم هذه صدق وصفاء وصراحة لا يفهمها إلا من جرّب فأدرك وعاش فعرف، وتأمل فأبصر!
وإن من ألهمه الله الرشاد، ووفقه للسعادة الأبدية، هو من تخلى ليتحلى، ومن اذا فرغ من دنياه نصب لأخراه، ومن تدبر حكمة القرآن، ووعى وعده ووعيده، وفهم آياته العظام، فأقبل على الله إقبال الفار إليه، العائذ به، اللائذ بجناب رب فضله عمَّ كل شيء، ورحمته وسعت السماوات والأرض، إن الله يدعونا إليه ، وإن قبول دعوته واجب، فداره أوسع دار، ورحابه أعظم رحاب ، وكرمه أجل كرم!
فلا تركن إلى الدنيا، فان الركون إليها على غير أساس وثيق، ولاتبن عليها دارك فإنها قنطرة، ولا تجعلها وكدك فانها عن قليل غاربة، ولا تأسفن على فوات شيء منها فإنك بعد أيام أو سنين ذاهب!
فازهد فيها زهادة المؤمن الصادق المطمئن، وخذ منها زاد المسافر وبُلغة الراكب ، واقنع منها باليسير وارض منها بما قدره لك البر الرحيم، واعلمنَّ علم اليقين أن الموت حق، وأن الساعة حق، وأن الله يبعث من في القبور!
وإنك لتعجب من محب للدنيا يخاصم من أجلها، ويقاطع بسببها، يُحب فيها ويبغض ويرضى ويسخط، قد أعماه حبها، وشغله شأنها، وهمّه أمرها! ليت هذا,.
يقف لحظة ويتأمل!
ويصمت ساعة ليفكر,,.
ويخرج من المحسوس الذي شغله إلى الحق اليقين الذي نسيه,,.
فإن في الصمت فكرة,.
وفي الفِكرة عِبرة,,.
وفي العِبرة عَبرة جارية، وقلب حي، ونفس أوّابة خاشعة,.
رجوعأعلى الصفحة

الاولــى

محليــات

فنون تشكيلية

مقـالات

المجتمـع

الفنيــة

الثقافية

الاقتصادية

منوعـات

لقاء

عزيزتـي الجزيرة

الريـاضيـة

تحقيقات

مدارات شعبية

العالم اليوم

الاخيــرة

الكاريكاتير



[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث][الجزيرة]

أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved