ماذا أفعل؟ أرجوك! د, فهد حمد المغلوث |
تضيق صدورنا في أحيانٍ كثيرة حينما لا نعرف ماذا نعمل، حينما نخطىء في حق أنفسنا وفي حق غيرنا ممن لا ذنب لهم معنا.
تضيق صدورنا أحياناً، حينما نشعر بحق أن من لجأنا إليه بعد الله قد تخلى عنا، قد أشاح بوجهه عنا! وأساء فهمنا، وقد وصمنا بصفات لا تليق بطبيعتنا ولا تعبّر عن شخصيتنا، بل الأكثر من ذلك تجرح كبرياءنا ومشاعرنا وتجعلنا كالتافهين الذين ليس لهم قيمة تذكر!
وتسود الدنيا في وجوهنا، حينما نشعر أن الأبواب قد أغلقت في وجوهنا ولا نعرف إلى من نلجأ، رغم أن أبواب الله واسعة مفتوحة لنا في كل وقت، ولكننا لم نجد بعد ذلك الانسان المتفهم الواعي الذي يأخذ بأيدينا الى تلك الأبواب، وحينها قد نشعر بأننا كالتائهين في صحراء قاحلة نبحث فيها عن قطرة ماء نروي به عطشنا بعد لهاث طويل مستمر.
حينها قد نشعر وبدون مبالغة، بأننا في أعماق بحر لجي يتقاذفنا بين أمواجه المتلاطمة ويشدنا إلى أعماقه السحيقة بينما نحن نصارع بشدة كي نخرج رؤوسنا للخارج لنتنفس ذرة هواء، بينما من هم حولنا لا يشعرون بمعاناتنا وبحجم الألم الذي يعتصر قلوبنا والقلق النفسي الذي ينتابنا من شيء مجهول قادم لا نعرف ماهيته او مقدار ما يلحقه بنا من ضرر!
ومن مثل هذه المشاعر الإنسانية، وغيرها من المشاعر الإنسانية الاخرى المشابهة، التي نشعر بها من وقت لآخر وتحت ظروف قاهرة خارجة عن ارادتنا كفيلة بأن تقتل كل شيء جميل في حياتنا مهما ظللنا نبنيه ونحلم به طول السنين الماضية!
كفيلة بأن تئد كل فرحة لم تر النور بعد، وأن تجعل اوداجنا تربة خصبة للدموع المنهمرة من مآقينا بشكل مستمر!
كفيلة بأن تجعلنا نعيد النظر في كل شيء جميل كنا نحلم به ونتوق اليه ونتمنى الحصول عليه لدرجة تجعلنا نغض النظر عنه ونتناساه.
بل إن مثل تلك المشاعر المحبطة كفيلة بأن تجعلنا نفكر مرة أخرى في جدوى العدول عما كنا عزمنا على التخلص منه أو ما كنا نعتبره من اعمال لا نرضاها لأنفسنا فكيف لغيرنا لأن البيئة من حولنا لا تساعدنا على أن نُعدِّل من أنفسنا، والمجتمع من حولنا لا يشجعنا على أن نعود كما كنّا أو كما نريد أن نكون!
والامثلة على ما نقول كثيرة، خذ مثلاً الموقف التالي واحكم عليه بنفسك: احياناً، وفي ضوء ظروف قاهرة وتحت حالات نفسية شديدة الله سبحانه وتعالى يعلمها فقط، نتوسم في شخص ما الخير أو نسمع عنه كلاماً مريحاً، فنلجأ إليه بعد الله علّه يتفهم وضعنا ويصغي إلينا ويأخذ بأيدينا إلى ما نطمع إليه, ولأننا في حاجة ماسة لاهتمام الآخرين بنا وإحساسهم بمعاناتنا، فقد نجذب لمثل هذا الانسان الذي لجأنا إليه، نجذب لأي كلمة حلوة يوجهها لنا لأننا نفتقدها من أقرب الناس إلينا لا نسمعها منهم، ولا نشعر بقيمتنا معهم، وفي ضوء هذه الكلمات الحلوة والطبطبات الحانية والاصغاء المبدئي الذي نبحث عنه ونتوق إليه، في ضوء ذلك كله ولو كان بسيطاً جداً، فلا نجد أنفسنا الا وقد أصبحنا كتاباً مفتوحاً معه!
نعم نجد أنفسنا ومن دون أن نشعر او نعي، نبوح بكل شيء مهما كان حساساً أو محرجاً أو في منتهى الخصوصية، حتى لو كان فيه إساءة لنا أو تشويه لسمعتنا من قبل هذا الشخص الذي نبوح له بكل شيء والسبب في ذلك أنه لم يعد يهمنا شيء! لأننا نريد أن نريح قلوبنا نريد ان نخفف عنها وطأة هذا الحمل الثقيل من الهم والقلق والمشكلات النفسية والاجتماعية التي لم نعد نقوى عليها لوحدنا.
وحينما نبدأ بالشعور بالراحة كوننا أزحنا من صدورنا كل ما فيها وكونه استمع إلينا من البداية، فقد نفاجأ به وقد انقلب علينا نستاء اكثر وأكثر ونتألم كثيراً! ليس بسبب تجاهله لنا وانقلابه علينا أو حتى استغلاله لظروفنا ووضعنا بشكل سيئ، وان كان هذا مهماً أيضاً، ولكن لأننا أخطأنا الطريق، لأننا لم نستطع ان نكتم سرنا، ولم نعرف كيف نحافظ عليه، بل اننا تسببنا في توسيع نطاق مشكلاتنا وانتشارها في الوقت الذي كنا نبحث فيه عن حل لها تحت أسوار التكتم والخصوصية أليس هذا غريباً ومؤلماً في آنٍ واحد؟!
نعم فمشكلتنا هنا لم تصبح واحدة بل أكثر، وبدل أن نفكر في حل لمشكلة واحدة اصبحنا نفكر في حل لمشكلتين أو أكثر، المشكلة الاساسية الاولى والمشكلة الاخرى وهي: بماذا سيتصرف هذا الانسان الذي بُحتُ له وأعطيته كل شيء؟ هل سيكون موضع ثقتي؟ هل سيحافظ على هذه المعلومات والاشياء الخاصة جداً، أم سيبوح بها لشخص آخر؟ ومن هو هذا الشخص الآخر؟ وما مدى معرفتي به؟ وكيف سيؤثر ذلك عليّ وعلى حياتي المستقبلية؟ بل الأدهى من ذلك ماذا اعمل لو افتضح سري؟ كيف أتصرف حينها.
ترى هل أحسنت التصرف حينما لجأت لهذا الانسان، أم أنني تسرعت؟ ولو كنت كذلك فما هي الخطوات التي ينبغي علي اتباعها لكي اريح اعصابي وقلبي وعقلي؟
أسئلة كثيرة مقلقة من هذا النوع وكلها تقودنا الى سؤال مهم وهو:
ما دورنا نحن كآباء وأصدقاء وأقارب وتربويين ومهنيين في احتواء مثل هؤلاء الاشخاص الذين هم في ظروف خاصة جداً, كيف نكسبهم لصفنا ولا نجعلهم يلجؤون لأشخاص آخرين الله أعلم بهم؟ وكيف نقلل من معاناتهم؟
إنها بالفعل قضية على غاية كبيرة من الاهمية والخطورة أيضاً، وأقول من الخطورة لأن نتائجها قد تكون سلبية جدا ليس على الفرد المعنيّ بالمشكلة فقط بل على المجتمع بأسره الذي نحاول أن نبنيه بسواعدنا من خلال كل فرد منا.
خذ كمثال فقط ما يحدث من الكثير من التربويين كالمعلمين والمعلمات، نلاحظ ان الكثير منهم بقصد وبدون قصد ينفرون الطلبة من الدراسة ويكرهونهم في المواد بأساليبهم اللاتربوية اللامسؤولة وطرق تعاملهم المتعالية وعدم تفهمهم لهذه المرحلة العمرية الحرجة التي يمر بها الطالب أو الطالبة حتى في المرحلة الجامعية.
ولا اعتقد انني أذيع سراً أو لا أبالغ اذا قلت بأن أمثال هؤلاء المعلمين والمعلمات وغيرهم في حقول ومجالات أخرى يكونون بعد الله سبباً في فشل هؤلاء الطلاب وتركهم لمقاعد الدراسة أو تغيير مسار حياتهم العلمية والعملية من خلال تلك الاساليب اللاتربوية.
ونحن لا ننكر أن هناك فئة من الناس وبالذات الشباب تحتاج لنوعية صارمة من التعامل، ولكن حتى هذا التعامل الصارم يحتاج الى نوع من المرونة من وقت لآخر، يحتاج الى نوع من التشجيع والالتفات اليهم من حين لآخر، يحتاج لأمور أخرى هامة ينبغي علينا أن نفهمها نحن التربويين.
فالإنسان من هؤلاء أياً كان وضعه طالباً أو موظفاً أو عاطلاً، رجلاً أو امرأة فقيراً أو غنياً حينما يلجأ إليك بمشكلته يكون في حالة نفسية مؤلمة وفي نفس الوقت يكون محرجاً للغاية لأنه مضطر لأن يكشف لك أوراقه الخصوصية، ولأن يبوح لك بكل ما في مكنونات قلبه كي تريحه بإجابة شافية، أو كلمة حلوة، أو طبطبة حانية أو دعم معنوي هو يعرف في قرار نفسه أنه أخطأ مثلاً، ولكن هذا لا يعطينا الحق في أن نزيد من همومه وأن نوبخه ونعاتبه ونشيح بوجهنا عنه.
ولنا أن نتخيل لو كل شخص ذهب اليه هذا الانسان فتصرف معه هذا التصرف اللاإنساني ماذا سيكون رد فعله, إما أن نزيد حالته سوءاً وتعباً وإما ان ينطوي على نفسه وينعزل عن المجتمع وإما أن يستمر في اخطائه وإما وهذا ما لا نريده أن ينحرف لا قدر الله بلجوئه لأشخاص يعرفون كيف يستغلون نقاط ضعفه لصالحهم, وفي كل الحالات نكون خسرنا عنصراً صالحا في المجتمع.
وقد يكون النظر لهذا الموضوع شيئا عاديا بالنسبة لي ولك، ولكن حينما نتخيل أن ذلك الانسان هو أعز الناس الينا هو ابني أو ابنتي، أخي أو أختي زوجي او زوجتي قريبي او قريبتي حينها يكون تفكيرنا بشكل مختلف وجاد وأظنكم عرفتم ما أرمي اليه، والله من وراء القصد.
همسة:لا لست فريداً,.
حينما أصغي إليك,.
بكل جوارحي,.
لا لست غريباً,.
حينما أمنحُك,.
جزءاً كبيراً من وقتي,.
لا لست ساذجاً,.
حينما أضيع وقتي معك,.
حسبما تظن,.
أبداً,, صدقني,.
لا هذا,, ولا ذلك,.
* * *
كل ما في الأمر,.
أنك لجأت إليَّ بعد الله,.
منحتني ثقتك الغالية,.
فتحت لي أبواب قلبك,.
صارحتني بكل ما لديك,.
وكأنك تخاطب نفسك,,!
وأنت لم تعرف عني سوى القليل!
* * *
سألتني بصدق:
ماذا أفعل أرجوك؟
دُلّني على الطريق,.
أرشدني إلى الصواب,.
كن عوناً لي على الخير
لا تبخل علي بمشورة
فأنا في حاجة إليك,.
* * *
ولأنك فضلتني على غيري,.
ولم تلجأ للآخرين,.
ممن قد يسيئون فهمك
ممن قد يستغلون وضعك,.
ممن قد يتلاعبون بمشاعرك,.
ممن قد يفاقمون مشكلتك
فهذا أقل ما أقدمه لك,.
أقل ما أمنحك إياه,.
فلا تستكثره عليّ
لا تحرمني أجره,.
* * *
ليس هذا فحسب!
بل لأنني لمست فيك,.
صدقك مع نفسك,.
صراحتك مع غيرك,.
رغبتك فيمن يشد عضدك
فيمن يقف بجانبك
فيمن يتفهم وضعك
فيمن يبتعد عن لومك.
* * *
ولأنك في يوم ما,.
أنت أدرى به
زرعت خيراً لغيرك,.
ورويته حباً بيديك,.
فها أنت اليوم تجنيه,.
حناناً متدفقاً ينهمر عليك
إحساساً غامراً مني لك,.
وقوفاً صادقاً معك,.
ووعداً حقيقياً مني
بألا أتخلى عنك
مهما كانت الظروف,.
وفي كل وقت,.
بحول الله,.
* * *
كلُّ ما أريده منك,.
أن تشعر أن الدنيا بخير,.
طالما فيها أمثالك,.
ألاّ تستكثر على نفسك
ما أقدَّمه لك,.
فمثلك يستحق الكثير,.
فقط لا تنسانا من دعائك,.
وتذكر أن الله معك,.
فاحفظه بداخلك,.
|
|
|